محدودو الدخل يدفعون ثمن دعمهم من جيوبهم.. كيف سينعكس رفع الدعم الجزئي على الأسعار؟

محدودو الدخل يدفعون ثمن دعمهم من جيوبهم.. كيف سينعكس رفع الدعم الجزئي على الأسعار؟

المشهد | ريم ربيع

"استوت" طبخة الرفع الجزئي للدعم بعد أن أضافت كل وزارة بعضاً من "بهاراتها" عليها، ولم يبقَ سوى أن تقدمها الحكومة خلال ساعات أو أيامٍ قليلة على طبقٍ من "تنك" لزوم التقشف والتوفير.

رأفة الحكومة ولهفتها على محدودي الدخل ومستحقي الدعم، لم تدع لها فرصة على ما يبدو لدراسة انعكاسات هذا الإجراء لجهة ارتفاع الأسعار الذي سيصبّ نكبةً جديدةً على جيوبهم الفارغة، ليكونوا هم الخاسر الأكبر في النهاية، حيث تتيح الآلية المتبعة في تقسيم شرائح الدعم اعتماد ثلاثة أسعار للمواد الأساسية "مدعوم وحرّ وسعر تكلفة"، مما سينشط بازارات رفع الأسعار وتفاوتها بين تاجرٍ وآخر.

"السوداء" بريئة.!

وفق تصريحات صحفية لمعاوني وزراء (الاتصالات والنفط والتجارة الداخلية) اليوم، فإن المستبعدين من الدعم سيحصلون على المواد بالسعر الحر وليس التكلفة، حيث تبلغ تكلفة المازوت 2500 ليرة ويباع الحر منه بـ1700 ليرة، أما تكلفة البنزين 2500 ليرة ويباع بـ1100 ليرة، فيما يكلف الغاز 36600 ويباع بـ30600 ليرة.

إذاً.. وبعد أن كانت السوق السوداء هي المتهم الأول بفوضى الأسواق ورفع الأسعار، شرعنت الحكومة اليوم ثلاثة أسعار لكل مادة لاسيما حوامل الطاقة، فهل ستفلح الجهات الرقابية التي فشلت بضبط السوق في أيام السعر الموحد، بأن تحقق استقراراً في الأسعار أمام خياراتٍ ثلاثة مترافقة بنقص المواد في الدرجة الأولى.!

تحوّط نحو الأعلى..!

عضو غرفة تجارة دمشق محمد الحلاق لم يستغرب تلك التخوفات من ارتفاع الأسعار، بل أكد أنه لا بد من تأثيرات وانعكاسات لرفع الدعم على الأسواق، ستتمثل بتفاوت في الأسعار وارتفاع بعضها ريثما تتوازن الرؤية، فخروج 500 ألف سيارة من الدعم مثلاً سيتأثر فيها عدد من سيارات التوزيع والبيع، والبعض ستزيد التكلفة بعمله بسبب السيارة مليون ليرة شهرياً.

وبيّن الحلاق في حديث لـ المشهد: "من المعروف تجارياً أو صناعياً وحتى زراعياً، عندما تكون الكلفة غير واضحة للمنتج فهو يلجأ للتحوّط عبر رفع السعر حتى لا يخسر، مما يؤدي لاختلافات سعرية لا تعالج إلا بوضوح التسعير والتنافسية، معتبراً أن ما سيتبع رفع الدعم الجزئي سيكون مرحلة انتقالية في الأسواق، والكلف التي ستتحقق على أصحاب الفعاليات ستنعكس على المنتجات، غير أنها جراحة لا بد منها –حسب تعبيره- فتصويب آلية الدعم وتوجيهه للمستحقين مطلب حق وتوجه منطقي.

وجدّد "الحلاق" رفض التجار لآلية التسعير داعياً لفتح المجال للمنافسة التي تأثرت بعوامل كثيرة، من بينها العقوبات وارتفاع أجور الشحن والاعتداء على مرفأ اللاذقية، يضاف إليها إجراءات حكومية حدّت من دعم التنافسية وتفعيلها.

آخر نَفَس..

يعدّ "المدعومون" اليوم حساباتهم أكثر من أولئك الذين سيرفع عنهم الدعم، حيث يترقبون زيادة حتمية بالأسعار قياساً بكل التجارب السابقة التي أثبتت أن "نسمة عابرة" قادرة على رفع سعر جميع المواد، فكيف الآن وهناك شريحة واسعة ستحمّل رفع الدعم عنها على الأسعار، أما الوعود بتحويل وفورات رفع الدعم إلى زيادة في رواتب الموظفين، فقد تأخذ أشهراً قبل تطبيقها، بينما لا تتطلب الأسعار سوى دقائق لتجهز على النفس الأخير في الرواتب.

رقابة شكلية!

الخبير الاقتصادي د.عمار يوسف تساءل في حديثه لـ"المشهد" عن الآلية التي يحتسب فيها سعر حر وسعر تكلفة، وكيف سينعكس هذه الأمر على الأسواق، علماً أنه حتى من يرغب بالشراء بسعر التكلفة للمازوت مثلاً لن يجد كامل الكمية التي يحتاجها من المصادر الحكومية غير أنه يجدها بالسوق السوداء، وكأن الحكومة عهدت بالسوق السوداء لشخص أو فئة بالاتفاق معها، متسائلاً: "هل ستكون هذه الآلية ذاتها التي سيعامل معها المستثنون من الدعم؟.

كخطوة أولى استبعاد 600 ألف أسرة من الدعم..سيارات موديل 2008 على رأس القائمة

ورأى "يوسف" أن السماح بتعبئة البنزين والمازوت بالسعر الحر، وحصره بثلاث أو أربع كازيات فقط في دمشق، سيحرك السوق السوداء من جديد، معتبراً أن أي تغيير بأسعار حوامل الطاقة يتبعه ارتفاع في أسعار جميع السلع، ومع ذلك أصبح تغيير أسعار المحروقات يجري بشكل دائم، ومن المستحيل بهذا الوضع استقرار الأسعار، مضيفاً أنه من المعيب الحديث عن رقابة بعد الآن، فوجودها شكلي وحسب ولم يعد لها أية تأثير.

تداعيات خطيرة:

من جهتها عقبت وزيرة الاقتصاد السابقة الدكتورة لمياء عاصي على التصريحات الحكومية حول التزامها بالدعم كنهج اقتصادي, ورأت أن استبعاد بعض الفئات من الدعم، اجراء ينسجم جدا مع "توجيه الدعم لمستحقيه " وباتجاه تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية وتخفيف عبء الدعم الذي شكل في موازنة 2022 اكثر من الثلث. وأشارت في تدوينة عبر حسابها في فيسبوك الى تصريح لرئيس مجلس الوزراء حسين عرنوس تحت قبة مجلس الشعب، "بأن أسعار المشتقات البترولية ستصبح مثل مستوى أسعارها العالمية"، محذرةً غض النطر عن معدل أو متوسط الدخل المحلي، الذي لا يكاد يكفي للأيام الأولى بالشهر، وبينت أن مؤشرات الأسعار يحب أن تكون متناغمة ولها علاقة بمتوسط الدخل الشهري.

رفع الدعم في ظل ظروف الفقر والتدني الشديد للقدرة الشرائية للمواطنين وانعدام الأمن الغذائي لنسبة عالية جدا من الأسر السورية، يمكن أن ينتج عنه تداعيات خطيرة اجتماعية واقتصادية، كلفتها تفوق كلفة الدعم.

كما حذرت الوزيرة السابقة  من أن رفع الدعم -ولو كان جزئيا- سيؤدي الى رفع أسعار حوامل الطاقة بأنواعها، وبالتالي زيادة تكاليف الإنتاج الصناعي والزراعي وتربية المواشي وغيرها، وسيرتفع أكثر معدل التضخم في الوقت الذي يعاني معظم الناس من ارتفاع تكاليف المعيشة وعدم كفاية الدخل، وأضافت: "رفع الدعم في ظل ظروف الفقر والتدني الشديد للقدرة الشرائية للمواطنين وانعدام الأمن الغذائي لنسبة عالية جدا من الأسر السورية، يمكن أن ينتج عنه تداعيات خطيرة اجتماعية واقتصادية، كلفتها تفوق كلفة الدعم.

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر