المشهد تفتح ملف العنف الأسري على المرأة: معنّفات سوريّات.. تخاذلٌ مجتمعي وتشريعي بإنصافهن!

المشهد تفتح ملف العنف الأسري على المرأة: معنّفات سوريّات.. تخاذلٌ مجتمعي وتشريعي بإنصافهن!

المشهد | جلنار العلي

"زوجُكِ ويحقُّ له- لا تشتكي- بلا فضائح- تحمّلي فإنّكِ لستِ الأولى.." عباراتٌ يُمليها بعض الأهل على بناتهم عندما يتعرضنَ للضربِ من قبل أزواجهن، وذلك لمنعهنَّ من الشكوى للجهات المختصة، أو الإقدام على الطلاق بسبب التعنيف، ما يزيدُ الأمرَ سوءاً، إذ يفضي هذا التعنيف في بعض الأحيان إلى الموت.

لم تكن حادثة الشابّة آيات الرفاعي هي الأولى من نوعِها، إذ تتكرر هذه الحوادث بشكل سنوي مرّات عديدة، بعضها يصلُ إلى القضاءِ والطبّ الشرعي والآخر يبقى حبيس المنازل، ولا نتحدث هنا عن التعنيف المؤدي إلى الموت فحسب وإنما عن كل ما يندرج تحت مسمّى التعنيف سواء أكان لفظياً أم جسدياً أم جنسياً.

10% فقط من المعنفات يصلن إلى الطب الشرعي!

في هذا الصدد، بيّن مدير الهيئة العامة للطب الشرعي زاهر حجو في تصريح لـ "المشهد" أن حالات تعنيف النساء التي تصل إلى الطب الشرعي لا تزيد على 10% من مجمل الحالات التي تحدث على أرض الواقع، وذلك بسبب الثقافة التي تعدّ المرأة التي تشكو تعنيف زوجها أو أبيها لها، بأنها قامت بفعل عيب أو عار.

وعدّ حجو أن الامتناع عن الشكوى يتسبّب بتكرار التعنيف من قبل الجاني وبفارق زمني قصير، لافتاً إلى أن العنف المفضي إلى الموت هو حالات قليلة، ولكنْ هناك عنف يصل إلى إصابات جسيمة وأذيّات شديدة وبعض الكسور والرضوض.

وأردف إن بعض الشكاوى تأتي إلى الهيئة في سبيل تهديد الزوج، فما إن تقدّم المرأة شكواها حتى تتراجع عن تقديم التقرير بدافع الخوف من المجتمع، لافتاً إلى أن أغلبية الإصابات الشديدة هي نتيجة استخدام العنف المفرط والمتكرر.

وأرجع حجو تزايد حالات تعنيف النساء إلى الحرب التي مرّت بها سورية، في كافة المناطق ولا سيما تلك التي كانت خاضعة لسيطرة المجموعات المسلّحة، والتي ازداد فيها العنف المبني على الجنس بنسب كبيرة جداً عمّا كانت عليه قبل الحرب، إضافة إلى استخدام أدوات للتعنيف لم تكن مستخدمة سابقاً، ما أدى إلى اختلاف شدّة وحدّة التعنيف.

كيف يحاسب القانون؟

المحامي منيب هائل اليوسفي يرى أن القانون السوري لا يعد ظالماً للمرأة كما يشاع في أحاديث الشارع، وإنما أفرد الكثير من المواد في قانون العقوبات التي تجرّم العنف بشكل عام، حيث عدّ أنّ جرم القتل ينطوي تحت جرم الإيذاء، وعاقب عليه بموجب سبع مواد (من المادة 540 وحتى المادة 546)، كما فرّق بين الضرب المؤدي إلى الموت والضرب الذي يسبب عاهة أو إيذاءً، مشيراً إلى أن القتل نوعان إما القتل القصد، أو العمد الذي كان عن سابق إصرار وتخطيط، فبالقتل القصد لا بد من توفر العنصر المعنوي وهو إحداث الوفاة، أي أن الضرب يكون لتحقيق نتيجة الوفاة، بينما عندما يكون الضرب لمجرد الضرب ولا يريد إحداث الوفاة ولكن ينتهي الأمر بالموت، فهنا يعاقب الفاعل بجرم التسبب بالوفاة أو القتل المفضي إلى الموت.

وتابع: وأفرد القانون السوري عقوبات لكل حالات الضرب، فإذا نتج عنه تعطيل عمل لمدة تزيد على عشرين يوماً تكون العقوبة الحبس من ثلاثة أشهر وحتى ثلاث سنوات، إضافة إلى وجود غرامة مالية.

وأشار إلى أنه في حال أدى الضرب إلى استئصال عضو أو بتر أحد الأطراف أو تعطيلها أو تعطيل أحد الحواس والتسبب بتشوّه جسيم أو عاهة دائمة، فتكون العقوبة هنا بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة عشر سنوات، أما من تسبّب بوفاة إنسان من غير قصد بالضرب أو العنف عوقب بالأشغال الشاقة لمدة 7 سنوات على الأقل، ولا تنقص العقوبة عن 10 سنوات إذا اقترن الفعل بإحدى الحالات الموصوف عنها بالمواد التي تتعلق بالشدة والإكراه والتعذيب.

يستغلون الثغرات ويزوجونها!

من جانبه عدّ المحامي رامي الخيّر في تصريح لـ "المشهد" أن قانون الأحوال الشخصية على الرغم من كافة التعديلات التي حسّنته إلا أن فيه الكثير من المواد التي تغبن المرأة، وخاصة فيما يتعلق بنفقة الطفل بعد الطلاق التي لا تزال إلى الآن 30 ألف ليرة، وهي لا تساوي تكلفة طبخة واحدة، باستثناء بعض الحالات التي يكون فيها الأب رجل أعمال مثلاً.

وأضاف: وعلى الرغم من وجود مادة تجرّم زواج القاصرات إلا أنها تحتوي على الكثير من الثغرات يتم استغلالها، فيما يخص الفتيات تحت سن الـ 18عاماً، فمثلاً إذا حضرت فتاة تحت السن القانوني للزواج إلى القاضي الشرعي برفقة والدها، ونظر القاضي بأنها مناسبة للزواج ولديها الأهلية الجسدية والجنسية يتم الموافقة على تزويجها.

إهانة للمرأة بالقانون!

وانتقد الخيّر أن الوطن العربي بأكمله إلى الآن لا يعترف بما يسمى الاغتصاب الزوجي، فقانون العقوبات عندما عرّف الاغتصاب في إحدى مواده أهان المرأة، وخاصة عندما حدد فعل الاغتصاب بإقدام شخص ما على إكراه غير زوجته على الجماع، وتعبير "غير زوجته" غير ملائم بحق المرأة.

وأشار الخيّر إلى أن القانون السوري يعاقب على جرم التعنيف بشكل عام سواء للرجل أو المرأة، مشدداً على ضرورة فرد مواد خاصة لتعنيف الفتيات تحت سن الـ 15 عاماً مثلاً، ومواد أخرى لتعنيف الزوجة وهكذا، لافتاً إلى ازدياد حالات التعنيف بنسبة كبيرة جداً، إذ لا يستبعد وجود فتيات توفين لم تصل قصصهن إلى الإعلام والقضاء، وهذا أمر وارد بعلم القانون الجنائي.

وفيما يخص معوقات الحد من تعنيف النساء يرى الخيّر أن نضال الناشطات في حقوق المرأة هو نضال فوضوي، فبدلاً من التعاون مع العديد من الرجال المؤمنين بحقوقهن، يتم تحويل الأمر إلى مهاجمة جميع الرجال، متابعاً: إن التضافر الذي شهدناه إثر قضية وفاة الشابة آيات الرفاعي لو حصل في السابق لتجريم زواج القاصرات والدعوة إلى معاقبة الأهل بشكل حازم، لكانت الأمور أفضل ولكن كل جهة تغني بمفردها.

عطالة بالمجلس التشريعي!

وباعتبار أن مجلس الشعب هو السلطة التشريعية وفق الدستور السوري، وهو المعني باقتراح القوانين وسنّها وتشريعها، انتقد المحامي عارف الشعال في تصريح لـ "المشهد"، عدم تحرّك المجلس فيما يخص اقتراح مشروع قانون لمكافحة العنف الأسري، متسائلاً: ألا يوجد 10 نساء بين أعضاء مجلس الشعب؟ لماذا لا يقترحن هذا المشروع؟ إذ يحق لـ 10 أعضاء طرح مشروع قانون.

وأكد الشعال وجود عطالة بالمجلس التشريعي، لجهة عدم المبادرة وانتظار التعليمات وقيام الحكومة بطرح مشاريع القوانين بشكل دائم، مع أن الأخيرة لديها أولويات أخرى حالياً، مقترحاً الاطلاع على قوانين لبنان والمغرب لمكافحة العنف ضد النساء، وإنجاز مشروع قانون على منواله وأن يمضي عليه عشرة أعضاء، وتقديمه لرئيس المجلس، متابعاً: "ويبقى ذلك أفضل للأعضاء من المطالبات والكتابة على صفحاتهم الشخصية على فيسبوك".

أرضٌ خصبة للعنف!

الاختصاصية في العلاج النفسي روان قطيفاني بيّنت في تصريح لـ "المشهد" أن العنف ضد المرأة موجود منذ زمن بعيد، وتجلّى بأشكال عدّة من خلال تزويج القاصرات، والحرمان من الميراث ومنع الفتاة من الخروج والعمل والتعليم، إضافة إلى أن البيئة والتنشئة الاجتماعية تلعب دوراً كبيراً في تزايد العنف من منطقة إلى أخرى.

وردّت قطيفاني تزايد العنف خلال الحرب إلى عدّة أسباب أوّلها العبء الاقتصادي فمثلاً يفضل الأب الذي لديه ثلاث فتيات تزويجهن لتخفيف مصاريف المعيشة، إضافة إلى عامل التهجير الذي حرم بعض الفتيات من التعليم لفترة معينة تجاوزت السنة في بعض المناطق، فكانت الفتاة تفضّل الزواج بدلاً من العودة إلى المدرسة، متابعة: "إذاً الحرب تشكل أرضاً خصبة لظهور العنف بشكل عام".

وقالت قطيفاني: يحدث العنف عادة نتيجة خلل بالقوى، فيمارس الأقوى العنف على الأضعف منه والمتمثلين بالنساء والأطفال وذوي الإعاقة أو كبار السن، سواء أكان العنف جسدياً أم اقتصادياً أم اجتماعياً، بينما يعود تعنيف الزوج لزوجته إلى "السايكولوجيا" الخاصة به، التي تتمثل بتنشئته الاجتماعية وعقد النقص التي واجهها في منزله الأول والحوادث التي مرّ بها في حياته.

تعنيف الفتاة بالقانون أيضاً!

وفضّلت قطيفاني تسمية المعنّفة بالناجية، على أن تسمّيها بالضحية، متسائلة عن مفهومها حول ذاتها، الذي يتشكل من مدى تفاعل الأم مع معرفتها بأن زوجها يضربها، إذ في بعض المجتمعات تذهب الزوجة إلى والدتها تشكو لها زوجها الذي يضربها على الدوام، فتنصح ابنتها بالصبر وتحكي لها أنها تعرّضت لذات الضرب على يد والدها، وما إلى ذلك من إجابات تعزز التخاذل بحق الذات وتعلم المرأة بأنها أضعف من زوجها، وبأنه من الطبيعي أن تتعرض للعنف الجسدي من قبل زوجها.

وأشارت قطيفاني إلى وجود مواد بالقانون تعد أكبر تعنيف للفتاة فمثلاً قانون تزويج المغتصَبة وإلغاء عقوبة المغتصِب، وإذا لم تقبل الفتاة يتم إرسالها إلى دار الجانحات ما يزيد الأمر سوءاً، مشيرة إلى ضرورة التشدد بمنع تزويج الفتاة تحت سن الـ 18 بشكل قاطع، ومعاقبة من يحرم ابنته من التعليم، كذلك زيادة الوعي بالمدارس للفتيات بسن المراهقة اللواتي يبدأن بالتفكير بالزواج والفستان الأبيض.

وأضافت: يجب أن تكون العقوبات في القانون حازمة لتشكيل رادع يجعل الشخص يتجنب الإقدام على تعنيف زوجته أو ابنته، فإذا وجدت الروادع الأربعة: الأخلاقي، الديني، الاجتماعي والقانوني يصبح بالإمكان الحد من العنف وليس القضاء عليه بشكل نهائي لكون بعض الجرائم تحدث داخل المنازل المغلقة دون أن يعلم أحد بها.

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر