أزمة المياه في سورية.. الحرب والتغير المناخي يقلصان المياه بحدود 40%

أزمة المياه في سورية.. الحرب والتغير المناخي يقلصان المياه بحدود 40%

عبد الرحيم أحمد
سنوات الحرب التي تجاوزت عقدها الأول مازالت تلقي بتداعياتها على حياة السوريين الذين دفعوا ثمناً باهظاً بمختلف شرائحهم وعلى مختلف مساحات الجغرافيا السورية وإن بدرجات مختلفة، لكن الحرب لم تستثن أحداً منهم ولم تفرق بين من بقي في البلاد ومن غادرها سوى في نسبة المعاناة، والذين بقوا في وطنهم ودافعوا عنه تعرضوا لأشد أنواع العقاب حصاراً اقتصادياً وشحاً في المياه والمحروقات والكهرباء.

فخلال عشر سنوات من الحرب تعرضت معظم المنشآت المائية في جميع أنحاء البلاد للضرر والتخريب المتعمد من قبل الإرهابيين ناهيك عما تعرضت له مصادر المياه الدولية العابرة للبلاد للسرقة من قبل النظام التركي. وأصبح وصول السوريين إلى مياه الشرب الآمنة تحدياً كبيراً للملايين منهم بحسب تقرير اللجنة الدولية للصليب الأحمر نشرته في الأول من تشرين الأول 2021 وقالت فيه أن البلاد أصبحت اليوم تعاني من نقص في مياه الشرب بنسبة  40٪ عما كانت عليه قبل الحرب.

وبحسب التقرير فإن الحرب أدت إلى تراجع إمكانية وصول السوريين إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك الوصول إلى المياه الصالحة للشرب "فقبل عام 2010 ، كان 98٪ من سكان المدن و92٪ في المجتمعات الريفية في سورية يتمتعون بالوصول الآمن لمياه صالحة للشرب" يقول التقرير أما اليوم ونتيجة تداعيات الحرب المباشرة وغير المباشرة "فإن 50٪ فقط من أنظمة المياه في البلاد تعمل بشكل طبيعي" بحسب التقرير. 

ويرجع التقرير مسببات أزمة المياه لظروف متعددة ومعقدة لكنها ناجمة بمجملها عن ظروف الحرب حيث تضررت أنظمة مياه الشرب ولم يتم إجراء الصيانة المناسبة لها بسبب نقص الموظفين والفنيين إلى حدود 40% وتراجع إمدادات الكهرباء المطلوبة لضخ المياه بنسبة 60٪ إلى 70٪.

أكثر من نصف مصادر المياه في سورية تتحكم بها تركيا
تشكل المياه العابرة أكثر من 60 % من مصادر المياه في سورية بحسب وزير الموارد المائية تمام رعد الذي بين في كلمة له أمام المنتدى العربي الخامس للمياه في دبي أيلول الماضي أن هذه الكمية تخضع للتحكم من الخارج ولاسيما من قبل النظام التركي الذي يتحكم بمرور مياه نهري دجلة والفرات ورافده الخابور ويعمد إلى خفض الواردات المائية في نهر الفرات شريان الري الأساس في سورية، إلى أقل من نصف الكمية المتفق عليها في بنود البروتوكول الموقع معه بهذا الخصوص، متسبباً بالأضرار للمساحات الزراعية المستفيدة من مياه النهر، ومهدداً حياة الملايين ليس في سورية فقط بل في العراق أيضاً.


وبحسب التصريحات الرسمية السورية قام النظام التركي خلال عامي 2020 و 2021 بقطع مياه نهر الفرات ودجلة والخابور وعمد إلى استغلال حصة سورية والعراق من المياه لينخفض وارد المياه في نهر الفرات من 500 متر مكعب في الثانية عند نقطة الحدود السورية التركية بموجب الاتفاق الموقع بين البلدين عام 1987 إلى أقل من النصف (200 متر مكعب في الثانية) في ذروة احتياجات الزراعة للري ما أدى إلى انخفاض منسوب مياه سد الفرات وتوقف إنتاج الكهرباء فيه وكذلك تهديد غلال ملايين السكان على طول مجرى النهر في سورية والعراق.

تعدي النظام التركي لم يتوقف على المياه العابرة في نهري دجلة والفرات بل تعداه إلى مياه الشرب في محافظة الحسكة حيث يمارس عملية تعطيش ممنهجة بالتعاون مع المجموعات الإرهابية التي تسيطر على محطة علوك بريف الحسكة عبر وقف ضخ المياه بشكل متكرر من المحطة على مدى عام ونيف والتي وصلت حدود الثلاثين مرة ولفترات طويلة. 
وتشكل محطة علوك التي تقع شرق مدينة رأس العين قرب الحدود السورية التركية المصدر الأساس لمياه الشرب لقرابة مليون سوري في مدينة الحسكة وريفها وتضم 30 بئراً غزارة الواحدة منها 200 متر مكعب بالساعة ويتم ضخ المياه منها إلى الحسكة لكن منذ سيطرة قوات الاحتلال التركي على المحطة يتم وقف الضخ وقطع المياه بشكل متكرر ولفترات طويلة عما يزيد على مليون من أهالي الحسكة.

المناخ لم يرحم السوريين أيضاً
الظروف المناخية وتراجع كميات الهاطل المطري السنوي التي شهدتها المنطقة فاقمت تردي الوضع المائي في سورية أيضاً وأدت إلى تراجع الإنتاج الزراعي ولاسيما محصول القمح الذي يشكل عماد الأمن الغذائي للبلاد.
وكانت سورية أطلقت العام الجاري شعار "عام القمح" في محاولة لتعويض الإنتاج الذي تستولي عليه "قسد" المدعومة من الاحتلال الأمريكي في الجزيرة السورية، لكن انحباس الأمطار وتراجع كمياتها بنسبة الثلث تقريباً عن عامي 2019 و 2020 حسب الإحصائيات الرسمية للمديرية العامة للأرصاد الجوية خصوصاً في محافظات الإنتاج الزراعي كحمص وحماه والرقة والحسكة والسويداء ودير الزور أدى إلى خروج مساحات كبيرة من الزراعات البعلية من الإنتاج وكذلك تراجع المساحات المروية بنتيجة انخفاض مناسيب نهري دجلة والفرات بفعل تحكم النظام التركي بتمرير فقط أقل من نصف حصة سورية والعراق.

وتظهر أرقام الهطولات المطرية التي نشرتها الأرصاد الجوية السورية نهاية الموسم المطري في 20 حزيران 2021 أن معظم المناطق السورية لم تصل فيها نسب الهطول إلى المعدل السنوي وتراجعت بشكل حاد مقارنة بالعام الماضي (حمص 379 ملم عام 2021 مقابل 512 ملم عام 2020 والحسكة 145 ملم مقابل 337 ملم 2020 وحلب 182 ملم مقابل 309 عام 2020 ودير الزور 52 ملم مقابل  177 العام الفائت).

الظروف المناخية وتراجع منسوب هطول الأمطار لم تؤثر فقط على مياه الشرب بل تجاوزتها إلى سلة غذاء السوريين ولاسيما محصول القمح لكنها لم تكن السبب الأساس في نقص مياه الشرب والري، فظروف الحرب وتداعياتها من جهة واستثمار بعض القوى لظروف الحرب كما تفعل قسد المدعومة من الاحتلال الأمريكي والنظام التركي الذي وجد في الحرب فرصة لسرقة حصة سورية والعراق من نهري الفرات ودجلة، هي السبب الرئيسي.

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر