السيد رئيس مجلس الوزراء: ما كان يجدر بك أن تطرح سؤالاً أنت المعني بالإجابة عليه!!
لم يوفق رئيس مجلس الوزراء المهندس حسين عرنوس في إشارته _كما اوردها موقع صحيفة البعث _ إلى "أن هناك من يجمع الملايين ليرسل ابنه إلى الخارج"!!، ثم أخطأ عندما طرح سؤالاً تقليدياً:"من أين له هذا؟!"
الصحيح كان على رئيس مجلس الوزراء أن يسأل: "لماذا يضطر الناس أو بعضهم لجمع الملايين لإرسال أولادهم إلى الخارج".. وعلى اعتبار أنه يعرف الإجابة عن هذا السؤال أكثر من غيره، كان عليه أن يستتبعه بسؤال آخر من قبيل: "ماذا علينا أن نفعل كي لا يضطر الناس لجمع الملايين لإرسال أبنائهم إلى الخارج"..
طبعاً في حال كان رئيس مجلس الوزراء وجه سؤاله آنف الذكر، بناء على معلومات لديه بأن "مسؤولين حكوميين أو حزبيين" يرسلون ابنائهم الى الخارج وينفقون الملايين لأجل ذلك، فيكون سؤاله "من أين لهم هذه الملايين؟" بمثابة إشارة منه لاستثمارهم مناصبهم وفسادهم، وبذلك يصبح هو من عليه أن يجيب عن سؤال "من أين لهم هذا" لا نحن، فهو من "يفرش" سلطته على أكبر جهازين رقابيين في الدولة (الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش - والجهاز المركزي للرقابة المالية) لا نحن، ولا حتى العمال الذين أتت مناسبة إشارته تلك ضمن اجتماع مجلس اتحادهم!
السيد رئيس مجلس الوزراء.. الآن: "هل تريد حقاً أن تعرف كيف يجمع الناس -العاديون- الملايين لارسال أبنائهم إلى الخارج؟!..
يمكنني أن أخبرك مثلاً:
المشهد رقم (1)
"أعرف سيدة تقطن في ضواحي دمشق ظلت "تزن" على زوجها عاماً كاملاً إلى أن أقنعته ببيع سيارته التي كانت تقلهم إلى عملهم كي "تسفر" أحد أبنائها إلى الخارج، ظاهرياً بداعي الدراسة، ولكن في الحقيقة كي لا يعود أبداً، ويشق طريقه في بلاد الغربة، عله بعد عام أو عامين يصبح مصدر رزقهم بأن يرسل لهم بعضاً مما تجود عليه "غربته".
طبعاً لدينا الآلاف من هذه الحالة، وآلاف وربما مئات الآلاف غيرها من الأسر التي أرسلت أبناءها عبر المهربين "هجرة" إلى الخارج.. كلهم دفعوا الملايين!، والآن الحوالات القادمة من الخارج وتعتبرونها أنتم كحكومة مصدر دخل قومي ورافد للخزينة هي بسببهم.. تخيل هذا!!.
أما بالنسبة للمسؤولين إن كنت تقصدهم طبعاً، فهده الملايين التي جمعوها كانت بفضلكم أنتم وبضل تراخيكم، ومن جيبنا نحن، لا من فضل ربهم!!.
لكن هل حقاً تود أن تعلم لماذا يضطر الناس -العاديون- لبيع بيوتهم أو سياراتهم أو يستدينون ليرسلوا أبنائهم إلى الخارج؟..
تعال لأخبرك بحادثة حصلت معي وصدمتني لأيام، ثم ضحكت على نفسي لأنها صدمتني..
المشهد رقم (2)
"منذ أشهر دخلت الغرفة على ابن شقيقي وكان منهمكاً في التحضير لامتحان شهادة التعليم الأساسي (التاسع)، فسألته سؤال تقليدي يسأله كل الأهل: "شو حاطط ببالك تدرس مستقبلاً أكيد حابب تدرس طب مثل شقيقتيك"، فأجابني جواب غير تقليدي: "لا أنا بدي أدرس أي شي يسفرني برات هالبلد"!!، هل أدركت كم الإحباط عند هذا اليافع وهو بالمناسبة ابن شهيد ووحيد "يعني ما عندو خدمة إلزامية"، يوماً ما بعد أن يكر "إذا ضل راكب راسو" ربما تضطر والدته لبيع المنزل لإرساله إلى الخارج.. مثلاً!!.
أما لماذا ضحكت على نفسي؟، هذا لأني اعتقدت أن جوابه صدمني.. إذ تذكرت أن شقيقته الكبرى وبعد أن تخرجت من كلية الطب وتتابع في الاختصاص، تتقاضى 50 ألف ليرة فقط، وهو مبلغ لا يكفيها حتى مواصلات، وشقيته الثانية "تدرس طب أسنان" أنهكت عائلتها بمصاريف دراستها!!.
السيد رئيس مجلس الوزراء.. أخيراً سأترك لك ولفريقك الوزاري مسؤولية الإجابة عن السؤال الملح: "ماذا علينا أن نفعل كي لا يضطر الناس -العاديون- لجمع الملايين لإرسال أبنائهم إلى الخارج"، أما بالنسبة للمسؤولين الفاسدين الذين ربما قصدتهم فـليسافروا هم وأبناؤهم إلى الخارج دونما رجعه.!