"لصوص الأعمال" وليس رجال الأعمال

"لصوص الأعمال" وليس رجال الأعمال

من خلال المتابعة البسيطة لسوق المنتجات السورية الغذائية وغير الغذائية التي تصنع محلياً،  لن تجد إلا أصنافاُ محدودة تتمتع بالجودة. ومن الواضح أن مصنعي السلع السورية المحلية يسعون لتكريس أسمائهم في عالم الصناعة، وبإمكاننا أن نستعرض مختلف أنواع المنتجات الاستهلاكية المحلية التي تسوق على أنها منتج سوري، بدءاً من الصناعة الغذائية إلى الأدوية إلى الأدوات الكهربائية وصناعة الألبسة وصناعة البلاستيك والمنظفات والعناية الشخصية وغيرها من المنتجات التي يزاود منتجوها على أنها  عالية الجودة وقادرة على المنافسة.

من بين العديد من أصناف منتجات الألبان ( اللبن الطازج). نجد صنفاً بالكاد يقترب من مستويات الجودة وقس ذلك على الأجبان بأنواعها التي لاتشبه الأجبان حتى في الشكل، والحليب حدث ولا حرج ولاحاجة للإشارة إلى استخدام البودرة في تصنيعه، هذا قبل أن تقوم وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بتجميد السماح بإنتاج أشباه الألبان ومشتقاتها، ترى كيف سيكون الأمر إذا سمحت الوزارة فيما بعد للصناعيين بتسويق مواد غذائية شبيهة؟ كيف سيكون مصير المنتجات الغذائية؟ سيعتبر هؤلاء أنها موافقة وضوء أخضر لطرح وتسويق مواد غذائية رديئة، وربما مسرطنة، ولو ذهبنا إلى المنظفات بأنواعها نجد أنها منتجات سيئة وضارة بالصحة حتى الصابون الذي يفترض أنه مادة معروفة العناصر ببساطتها، إلا أن معظم أنواعه قليلة الجودة في المظهر والجوهر وتتفتت بين يديك بعد فترة قصيرة من استخدامها، ينطبق ذلك على مساحيق الغسيل بأنواعها ومطريات الغسيل، ستجد سيدة المنزل أن غسيلها خرج خشناً بلا رائحة لطيفة وبلا نظافة كاملة على الغالب. 

منتجات غذائية رديئة ومنتجات استهلاكية رديئة ولا نعلم من هو المسؤول عن وصول المنتج النهائي إلى المستهلك بالمواصفات التي يجب على المصنع  الالتزام بها، ومع ذلك فإن الأسعار لا تتناسب مع جودة المنتج، وتباع بأسعار ليست في قدرة المواطن، وحتى في المعارض التي تنظم دورياً ويروج لها على أنها فرصة لتخفيض الأسعار نلاحظ تدني جودة المنتج واتباع أساليب تسويق هدفها زيادة كميات البيع إنه سلوك أشبه بالسرقة "والشحادة". 

بغض النظر عن الواقع الصعب الذي تمر به الصناعة السورية وأن هناك صناعات جيدة مع الأخذ بعين الاعتبار  صعوبة الحصول على المواد الأولية أو توفر العوامل المحفزة للصناعة من قوانين وأنظمة نافذة أو توفر مستلزمات أخرى للصناعة من كهرباء وبنية تحتية، إلا أن الصناعيين ورجال الأعمال على اختلاف أعمالهم لايقومون بواجباتهم لتقديم سلعة تنافسية أو حتى آمنة، خاصة السلع المعدة للاستهلاك المحلي، على الرغم من أن المنتجين يتمتعون برعاية خاصة من قبل الدولة سواء عن طريق توفير دولار استيراد بأسعار مناسبة أو من خلال توفير وقود بأسعار خاصة أو تسهيلات ضريبة أو بالأصح  تهربات ضريبة قياسية من خلال شبكة الفساد المحلية النشطة التي ساهموا مع التجار بوجودها وتغذيتها باتباع أساليب الرشوى والمحسوبيات والوصول الانتهازي إلى مفاصل حكومية ترعى مصالح البعض، وتلعب غرف التجارة والصناعة والغرف الأخرى دوراً مهما في تشكيل لوبيات ضغط ووصول إلى صاحب القرار المختص لاستجداء تسهيلات وإعطاء أولويات رعاية وغض نظر وغيرها من مسميات الدعم الشرعي وغير الشرعي التي يتمتع بها هؤلاء. 

وكثيراً ما نسمع عن دور غرف صناعة أو تجارة بلقاء مسؤولين حكوميين وعرض الصعوبات التي تواجههم وطلب المساعدة وغالباً ما تلبى مطالبهم، ويحصلون على مايريدون. 

غياب الدور الاجتماعي 

في أشد الظروف التي تمر بها البلد يعيش رجال الأعمال السوريين كالطفيليات، يصعب عليك أن تجد لهم دوراً ملحوظاً في المسؤولية الاجتماعية وباستثناء بعض المبادرات الخيرية لاتجد دوراً يذكر في مساندة المجتمع. 

لم نسمع أن رجل أعمال سوري قام بفتح مراكز تدريب أو توفير مهارات للشباب، ولم نسمع بجمعيات تقوم بفعل اجتماعي لإنشاء حاضنات أعمال للشباب أو احتضان أصحاب المواهب، حتى الجمعيات الخيرية التي سميت بأسماء بعض رجال الأعمال السوريين ويمكن لأي شخص التحقق مما سأقول يقف المواطنون والمواطنات على أبواب هذه الجمعيات في طوابير طويلة لتلقي فتات مساعدة لا تسمن ولا تغني من جوع في منظر يذكر بذل المواطن أمام الأفران والحصول على جرة غاز أو طوابير المازوت والمحروقات.

هناك طغيان لمفهوم المسؤولية الاجتماعية على أنه تصدُّق أو فعل زكاة عن المال، ولا يرقى إلى معايير المصطلح عالمياً نظراً لتخلف وتقزيم مفهوم المسؤولية الاجتماعية وحصره في التبرع أو منح مساعدات مالية هزيلة وفي أيامنا هذه "سلات غذائية”. 

 في موضوع آخر يعكس أنانية وعقلية رجال الأعمال السوريين يأتي الإنفاق الإعلاني مثالاً مناسباً حيث ينفق رجال الأعمال السوريين مبالغ لا قيمة لها في ها المجال، حتى أن سوق الإنفاق الإعلاني في سورية يحتل أدنى درجات السلم عربياً. تتفوق علينا فيه دول مثل الصومال. والسبب عدم إيمان رجال الأعمال بدورة رأس المال التي تحرك الأسواق. إضافة إلى بخل متأصل وتخلف في النظرة إلى مفهوم الإنفاق الإعلاني ودوره الاقتصادي. حتى بالنسبة للشركات التي تصنف على أنها كبرى، يجري التعامل مع الإنفاق الإعلاني بكثير من الاستخفاف وقلة الاحترام للوسائل الإعلامية، مثل شركات الاتصالات التي يفترض أن تكون أهم الشركات في هذا المجال، إلا أنها تصرف قروشاً قليلة وتساوم مثلها مثل أي دكان تجاري . وهذا دليل على التدني الحضاري في رؤية عالم الأعمال وتقاليده في بلدنا.

 يسهم رجال الأعمال في تعثر الوصول إلى شكل مؤسساتي للتطور الاقتصادي باتباع الطرق الملتوية والأنانية والانتهازية في تأمين المصلحة مع التوضيح أنهم ينظرون إلى الدولة ومؤسساتها على أنها مشاع عام لا مشكلة في استغلاله والالتفاف على قوانينه بشتى الوسائل والمهم تحصيل أكبر فائدة منه دون الوفاء بواجب الالتزام بالحد الأدنى من مسؤلية الضريبية أو الحفاظ عل الحق التقاعدي أو الإنساني للعاملين.

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر