"سوق الجزماتية"... رمضان لم يمرَّ من هنا!

"سوق الجزماتية"... رمضان لم يمرَّ من هنا!

مجد المحيميد - زينب العيسى

سوق الجزماتية... من الخيول التي رسمت تاريخه وملامحه إلى اللقمة الشهية التي لن تملّ عينك النظر إليها. 

أحد أسواق العاصمة دمشق يقع في حي الميدان الوسطاني، سُمّي بالجزماتية لأن فيه يكثر بيع وصناعة الجزمات، والآن أصبح سوقاً تخصصياً لبيع الحلويات وغيرها. 

ويشتهر السوق ومنذ عشرات السنين بمحال الحلويات السورية والمطاعم والمطابخ العريقة حيث تقدم الأطعمة الدمشقية الأصيلة والمشروبات من كل الأنواع والألوان ويتفنن أصحاب محال بيع الحلويات الدمشقية بطريقة عرض بضائعهم على واجهات المحال، وذلك لجذب انتباه الناس.

قبل سنوات ليست بالطويلة حضن سوق الجزماتية بهجة رمضان وسخاء الباعة والمشترين حيث لم تكن تجد موطئ قدم لك بسهولة فرمضان كان يملأ حياة السوق بهجة وطرباً من عرق السوس والتمر هندي إلى المعروك وألذ الحلويات وكأن السوق يخاطبك قائلاً.. "ابتسم أنت في أرض العجائب"... 

أرض العجائب هذه كتمت بهجتها هذا العام فمنذ أن وطأت أقدامنا بداية السوق هبّت رياح الفقر، سكون خيم على مشهد ملوّن بأبهى الألوان التي يرتديها جسد منهك، للحظة أعتقدنا أننا ضللنا الطريق، و المفاجأة كانت.... هنا الميدان... الجزماتية! 

وبدأ المشهد جولته مستوقفاً صاحب محل للبزورية وعند سؤاله عن السوق وتاريخه قال.. منذ ٧٠ عاماً كان هناك ما يسمى "الترين" إضافة إلى الباصات التي تمرّ بمنطقة الجزماتية وصولاً إلى الشيخ محي الدين، وأكثر البضاعة المشهورة التي كانت تباع في الجزماتية هي الجزمات والخضار والكعك والمعروك.

َكانت المنطقة في البداية عبارة عن "بوايك" تبيع كل أصناف وأنواع البقول، وكانت مشهورة بالخيل وتسمى قديماً بالزفتية وتبيع القش والتبن والخضار التي كانت توجد بكثرة تصل لأطنان. 

وعندما تابعنا جولتنا سألنا صاحب محل بقوليات وتوابل عن الإقبال الشعبي على الشراء خلال فترة رمضان فأجاب... كان الإقبال ضعيفاً حتى المونة التي كان يزيد الطلب عليها في مثل هذه الأوقات من العام يكاد يكون معدوماً.

وتابع المشهد جولته وعند حديثنا لأحد المارة في السوق ذكر أن كيلو الحلو وصل ل ٨٠ ألف ليرة وهو ما يزيد على راتب موظف حكومي من الفئة الأولى قائلاً.. "كيف لي أن ألبي أبسط احتياجاتي من مثل هذه الحلويات" . 

وعند محل المكسرات توقفنا قليلاً ليقول لنا البائع... كيلو الفستق الحلبي البلدي "صنف عادي" وصل إلى ال ٥٠ ألف ليرة ولو كان مستورداً لوصل سعره إلى ٢٠٠ ألف ليرة فكيف لأصحاب الدخل المحدود شراءه إن الإقبال يكاد يكون معدوماً. 

وعند مقارنة أجواء رمضان قبل هذا العام قال أحد الأشخاص الذين تحدث معهم المشهد وهو رجل كبير مسن من سكان الميدان الأصليين..  لا توجد مقارنة بين الأجواء قديماً وحالياً أنا أشعر بالحزن لما وصل إليه حال السوق. 

وخلال جولة المشهد قال أحد الباعة.. قديماً كنا خلال شهر رمضان لا ننام من ضغط العمل إن الوضع سيئ هذا العام. 

أما أحد المارة قال... لا أستطيع اصطحاب ابني الصغير معي للسوق "إذا اشتهى شيئاً أو استحلت عينه فأنا غير قادر على أن أحقق له مشتهاه" . 

تاجر مواد أولية شرح للمشهد أن بيان التكلفة الصادر من وزارة التموين قدر كيلو المبرومة على سبيل المثال ب ٤٠ ألف مع الغاز والعمال والكهرباء والماء ولكن التاجر يبيعه ب ٨٠ ألف ليرة وبذلك يكون ربحه مئة بالمئة وهذا أمر غير مقبول وغير مبرر. 

كذلك كيلو البرازق وصل سعره ل٣٨ ألف ليرة في حين أن مكوانته العجين والسمسم وكيلو السمسم الصنف الممتاز سعره ٧٥٠٠ ليرة فلماذا هذه الأسعار الجنونية من قبل التجار.

ورغم هذا الواقع المرير لم تغب عراقة السوق ومحاله عن جولة المشهد الذي توقف عند أعرق محال الحلويات والمأكولات في السوق ومنها محل حلويات أبو عرب حيدر حيث تحدث للمشهد عن تاريخ هذا المحل قائلاً.. بدأ عمره من عام ١٩٥٦ حيث كانت بداية الحلويات ما تسمى قطايف العصافيري اشتهرت فيها دمشق قديماً، وهو محل متوارث أباً عن جد حيث إن مالكه الأول كان أبو عرب، بدأ كمحل صغير جداً يقدّم قطايف العصافيري وصولاً إلى سلسلة كبيرة يديرها الحفيد حالياً وهي تقدم كل أنواع الحلويات حتى إلى خارج سورية، وكمصلحة حلويات وتحضيراً لشهر رمضان كنا نحضر قبل شهرين من قدوم رمضان من حيث تقسيم العمل وتأمين المواد الأولية من طحين وسمنة وسكر... الخ، وقبل رمضان ب ١٠ او ١٢ يوماً نبدأ بتقديم أصناف خاصة مبتكرة لشهر رمضان، أما بالنسبة للإقبال الشعبي هذا العام فهو ضعيف ويكاد لا يذكر نتيجة غلاء الأسعار وقلة العملة في يد المواطن. 

كما أنه أرجع سبب الغلاء للمواد الأساسية مرتفعة السعر وما يترتب عليهم من توزيع الربح من رواتب العمال والكهرباء والمازوت، وفق قوله.

كذلك هناك من المطاعم الشهيرة في سوق الجزماتية مطعم الروضة الذي يتميز بتقديم المشاوي والكبب والمقبلات إضافة إلى مكانه المميز والذي يقام داخل منزل عربي قديم والأجواء بسيطة داخله.

وخلال الجولة مررنا بمطعم المحبة وعند سؤالنا عن أطعمته قال نقوم بتقديم المأكولات الشامية كالفتة والمقادم والسجقات والفوارغ و الروس واللسانات وغيرها. 

حي الميدان بسوقه العريق لم يمرّ منه رمضان هذا العام حاله حال مختلف الأسواق، فالتقنين هو الخيار الذي فرض نفسه لاعباً أساسياً إجبارياً على موائد الصائمين في شهر رمضان هذا العام، دون أي خيارات أخرى من شأنها أن تخفف من معاناة الناس، فتوقيت هذا الشهر الكريم تزامن مع أزمة معيشية متعددة الأسباب، منها نقص المواد الأولية التي يُعتمد عليها في طهو أي وجبة بسيطة، والغلاء الذي لا يتوازى مع حجم دخل الفرد الشهري. 

موائد رمضان لم تفطر بعد فالصائم ما زال صائماً عن كل ما لم يستطع شراءه وكم هو كثير، فإذا كان هذا حال رمضان... فما الذي ينتظره العيد؟.

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر