توم وجيري ...

توم وجيري ...

تقول القاعدة الاقتصادية، بأنه عندما تكون ممارسة الأعمال التجارية صعبة والمخاطر عالية يصبح الربح أعلى وفرص الاحتكار متاحة أكثر، وعندما يكون الاقتصاد قائماً على التعامل النقدي (الكاش) بعيداً عن البنك من الصعب جدا تتبع الأعمال التجارية ومراقبة الأسعار، وإذا كان العمل ورقياً ونسبة الاعتماد على تقانة المعلومات ضئيلة جداً، تصبح عملية حماية المستهلك وضبط جودة السلع وسلامتها وأسعارها، أشبه بالمهمة المستحيلة المستحيلة وبمثابة " وضع العصي في الدواليب "، فكيف إذا اجتمعت العوامل الثلاثة معا, كما هو الحال في أسواقنا.
إن الارتفاع الجنوني الذي حصل في سعر الصرف، وخصوصاً في أوائل الشهر الرابع من العام 2021, دفع مصرف سورية المركزي لتغيير سياسته النقدية واتخاذ عدة إجراءات جديدة, التي انعكست إيجابيا على سعر الصرف فانخفض الدولار الواحد إلى ما دون ثلاثة آلاف بعد أن ارتفع متجاوزا الأربعة آلاف ل.س, اعتمدت السياسات النقدية الجديدة على مبدأ أساسي سبق أن نادى به الكثير من الاقتصاديين, بجعل السعر الرسمي والحوالات وتمويل المستوردات قريباً من سعر الصرف في السوق الموازية.
استغرب المواطنون، أن انخفاض سعر صرف العملات الأجنبية لم يرافقه انخفاض بنسبة مماثلة في أسعار السلع والخدمات، والسبب الأساسي هو ضعف الثقة باستقرار سعر الصرف، وتم طرح السؤال التالي: هل تكفي تلك الإجراءات لبقاء سعر الصرف بحالة استقرار؟ أم سيعاود الارتفاع مجدداً؟ وستعود لعبة المضاربة إلى الواجهة بما تخلقه من تآكل القوة الشرائية لليرة السورية وتدخل الاقتصاد السوري بحالة مرضية بشكل كامل، حيث تتوقف الكثير من الأنشطة الإنتاجية، والخاسر الأساسي فيها هو المواطن المحدود الدخل. 
قبل الإجابة على هذا السؤال، لا بد من ذكر بعض الإجراءات، التي فرضتها الإدارة النقدية والمالية بهدف مراقبة وضبط حركة الأموال لمكافحة المضاربة على سعر الصرف والسيطرة عليه، مثل: 
الإجراء الأول: تقييد سحب الأموال من المصارف، فلا يحق للتاجر أو الصناعي تجاوز سحوباته سقف معين، وهذا التقييد لا يصب أبدا في خانة تعزيز الاعتماد على المصارف في كل الشؤون التجارية بل أن الكثيرين أصبحوا يفضلون التعامل النقدي (كاش)،
 الإجراء الثاني: منع نقل الأموال بين المحافظات والاعتماد فقط على البنوك أو شركات التحويل، وهذا إجراء فيه نوع من زيادة البيروقراطية وتحميل التجار كلف إضافية وعمولات ستضاف على سعر المنتج ويدفعها المستهلك في النهاية،
الإجراء الثالث: قرار صدر عن مجلس الوزراء بأن ربط التخليص الجمركي للبضائع المستوردة بورقة التحويل المصرفي للعملة الصعبة من المصارف أو مكاتب الصرافة المرخصة بقيمة فاتورة البضاعة المخلصة، 
أما المثال الأخير، فيتعلق بالقانون رقم 8 الخاص بحماية المستهلك، وصحيح أنه خطوة إيجابية في طريق ضبط ومراقبة الأسعار ومحاربة الغش والتلاعب، ولكن تنفيذ القانون يحتاج لمرحلة انتقالية وتحضيرية، لإلزام المستوردين والحلقات الوسيطة وتجار التجزئة بالحصول على فواتير الشراء، لأن تنفيذه بشكل فوري سيكون كمصدر إضافي للمعوقات البيروقراطية والمصاعب إضافة إلى كلف الفساد العالية، وهذا ما صرح به بعض أعضاء مجالس غرف التجارة والصناعة.
 لعل سعر الصرف يشكل أحد مكونات مؤشر الأسعار ولكنه ليس المكون الوحيد، بل تبقى نقطة توازن العرض والطلب هي الأساس في تحديد سعر أي سلعة، ولأن موضوع السيطرة على عرض السلع منوط بقلة من اللاعبين من مستوردين أو منتجين، فإن تطبيق قوانين أو إجراءات إدارية لتخفيض سعر السلع لن يؤتي ثماره بل قد تؤدي هذه الإجراءات المختلفة الى رفع كلفة الفساد، وبدوره يقوم التاجر أو الصناعي بتحميل هذه الكلف الإضافية على السلع ويدفعها المستهلك في نهاية المطاف. 
أخيرا، إن إجراءات تعديل السعر الرسمي وسعر الحوالات وتمويل المستوردات المتخذة من قبل المركزي تعتبر خطوات لازمة ولكنها غير كافية، ولاستقرار سعر الصرف لا بد من العمل على: 
•    رفع الناتج المحلي الإجمالي كشرط أساسي ولازم لتأمين الاستقرار لسعر الصرف، وهذا يعيدنا حتما الى زيادة الإنتاج وحماية مبدأ المنافسة، وهذا لا يتحقق بدون تسهيل إقامة المشروعات بكل اشكالها.
•    إعادة هيكلة الإيرادات العامة، بكل ما تتضمنه من مكافحة للتهرب الضريبي والتهريب والفساد، إضافة الى التفكير بطرق جديدة ومتطورة لإدارة أملاك الدولة، أما اللجوء الى التمويل بالعجز كطريق سهل لتوفير الأموال للإنفاق العام الضروري، فهو يقضي على كل أمل باستقرار سعر الصرف ووقف تآكل القدرة الشرائية لليرة السورية.
هذه العوامل المذكورة آنفا أساسية، ولكنها غير ممكنة بدون إعادة تنظيم الأعمال التجارية والصناعية وضمان سهولة ممارسة الأعمال وتأمين مستلزماتها، بعيدا عن ذهنية توم وجيري.
هامش: ذهنية توم وجيري: يعني أن تجتهد الحكومة في خلق الإجراءات والقيود التي تكبل المواطن، ويقوم هو باستخدام كل الوسائل المتاحة للاحتيال على هذه الإجراءات والتملص منها.

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني