عقلية الجابي .. أم عقلية الأب؟

عقلية الجابي .. أم عقلية الأب؟

سامي مروان مبيّض

في مسرحية الشخص للأخوين رحباني (التي عُرضت على خشبة مسرح دمشق الدولي سنة 1968) تظهر فيروز بشخصية بائعة خُضار متجوّلة، يتم معاقبتها من قبل السلطات بسبب وقوف غير مسموح لعربتها. فتعرض على الشاويش تسديد المخالفة بالبندورة بدلاً من النقود، لأن البندورة هي كل ما تملك في هذه الحياة.

الدولة ترفض عرضها طبعاً، معتبرة أن حقها دين ممتاز، لا يُؤجل ولا يقسّط ولا يُسامح به مها كانت الظروف.

في سورية اليوم حالة مماثلة. هناك 3500 طالب إيفاد، أرسلتهم الدولة على نفقتها، وخسرتهم جميعاً، لأنها مصرة على التعامل معهم بعقلية الجابي وليس بعقلية الأب. معظم هؤلاء لا يمكنهم تسديد الدين بسبب ظروف الحياة الصعبة، وفي نفس الوقت لا يرغبون بالعودة إلى وظيفة حكومية تؤدى إلى منعهم من السفر، يتقاضون عليها فتات الفتات ويقضون فيها ضعف مدة الايفاد. نحن نتحدث هنا عن أطباء جراحين وعُلماء ومهندسين وخبراء زراعة وصناعة وري وسدود وكهرباء، أي بالمختصر، كل ما تحتاجه سورية اليوم من خبرات.

عقلية الجابي لا تفهم إلّا لغة الأرقام، ولا يعنيها أن هؤلاء الموفدين حولوا النقود التي اُنفقت عليهم إلى ما هو أثمن من المال بكثير، حولوه عِلماً ومعرفة خبرة حياتية. ماذا لو خرجت الدولة من هذه العقلية وقبِلت مقايضة المال بشيئ آخر؟ لو قالت لهم، مثلاً: تسقط كلّ مخالفات التأخير وعدم السداد، وتسقط القيود على من يريد العودة شرط أن يتعهدوا بيوم تدريس مجاني في الجامعات الحكومة مع الإشراف على رسالة ماجستير أو دكتوراه واحدة في السنة، فقط لا غير.

في الكثير من دول آسيا والغرب هناك عرف اسمه "التعهد بالشرف،" لا يقل أهمية عن أي عقد قانوني، يكون مبني على احترام كلمة المواطن واحترامه لشرفه المهني والشخصي. ماذا لو تعهد هؤلاء بشرفهم أن يخدموا هذا البلد بإخلاص، مقابل إعطائهم حرية العمل والسفر والاجتهاد وحب الوطن بطريقتهم؟

وهنا يجب التذكير أن معظم تلك الدول، الغربية منها والشرقية، تُعطي منحاً لطلابها ولا تفرض عليهم شيئاً بالمقابل. هم ليسوا ملزمين بتسديد الدين ولا بالعمل حصراً في القطاع الحكومي، وطبعاً لا يُفرض عليهم منع سفر.

هذه الدول لها أمل واحد (وليس شرط)، هو أن يعودوا إلى الدولة التي درّستهم ويساهموا في تطويرها، كل على طريقته. حتى أن تلك الدول تُعطي منحاً إلى من لا يحمل جنسيتها، أملاً أن تستقطبهم وتجعلهم جزءاً مُنتجاً من مجتمعها (ومحباّ أيضاً). وهنا فارق كبير بين الدول المستقطبة للمواهب، والدولة غير الجاذبة لها، بين خلق الانتماء من العدم...واعدامه!

هل يخسر الأب لو سامح أولاده بما أنفق عليهم وعلى دراستهم؟ وهل يكون جبّاراً لدرجة أن يحرم نفسه منهم مدى الحياة لمجرد أنهم غير قادرين على تسديد الدين؟

 

 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر