"وجوه" أيمن زيدان: نهاية زمن الحكايات المبهجة!

"وجوه" أيمن زيدان: نهاية زمن الحكايات المبهجة!

يبني الكاتب والنجم أيمن زيدان حجراً فوق حجر ، مثل معماري حرّيف، تتنوع أعماله بين السينما والدراما والمسرح والكتابة، وكأني به يعمل بمقولة "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً”.

أيمن زيدان اليائس من نجاح الحياة يحدثنا على صفحته الشخصية عن خيانات الجسد وهو يقترب من الخامسة والستين.

 لذلك فإن ما يكتبه على صفحته الشخصية يجعلنا أكثر حزناً ونحن نتابع حكايات كتابه الأخير "وجوه" ففي الكتاب خلاصة مكثفة لمأساة السوريين بلوحات متنوعة تعكس قربه من معاناتهم في السنوات التي تمر أكثر قسوة من الجمر. 

وجوه أيمن زيدان تشي لنا بخوفه الكامن في ألا يساعده هذا الجسد على إكمال مايحب ويريد.” لسان حاله يقول:” كما في إحدى قصصه، "في يوم ما كُنتَ شاباً، وكانت الأرض ترتج تحت خطواتك الواثقة بالحياة".

 من جهة أخرى، لا يبدو أيمن زيدان مهتماً بخيانات الجسد، وهو يكتب ويعمل ويصوّر ويعيش الحياة في أعماله الإبداعية، يعمل ويعمل بجد وإلحاح ورغبة بترك رسالة وأثر، يبدو مقتنعاً كما في إحدى قصص نفس الكتاب، "مازالت روح الفنان القلقة والطموحة يقظة وترفض الاكتفاء".

 أيمن زيدان في كتابه "وجوه" يحكي عنا جميعاً، يكتب عنا وعن الذين عاشوا بيننا وربما أمام أعيننا ولكننا لم نلحظ معاناتهم أو معاناتنا كما قدمها لنا هو، بكل بساطة وعفوية وصدق، يكتب عن الذين علقوا هنا في متاهة عدم القدرة على العيش إلا تحت خط الفقر وعن الذين كانوا وقوداً لحرب ظالمة كانت ملهاة وتراجيديا، كتب عن الذين عاشوا أحلامهم الضائعة، وعايشوا موتها أمام أعينهم، عن الذين تاهوا في بلاد الله الواسعة، فقدوا ملامحمهم وعاشوا مأساة الغربة الخانقة دون أرباح تذكر غير الخيبة. 

كتب عن الذين عاشوا مصيرهم في حاراتهم الميتة الخالية من الحياة وقدموا أعمارهم ضياعاً وتعباً وهزيمة ويأساً.

كتب نهايات تنسجم مع واقعنا السوري الذي جعلنا خاسرين جميعاً وجعلنا ننتهي نهاياتٍ غير مبهجة. نهايات تشبه واقعاً شديد المرارة.    

إذا كانت الخيبة من هذا الوقت الصعب وتلك المرارة التي يحسها كل لحظة تجعله يقول ويعبر بيأس في يومياته وعلى صفحته الخاصة، إلا أنه ليس يائساً وإلا ماكان ليكتب ويعمل بكل هذا الجد والنشاط، كان اليأس ليطفىء جذوة رغبته بترك أثر في قول ما عنده، هذا مانراه واضحاً في كتاباته وإقباله على أعماله الفنية. 

رغم كل النجاحات الكبيرة التي حققها أيمن زيدان في مختلف أنواع الفنون فهو مازال يراكم نجاحاً بعد نجاح.

 جوائز في التمثيل والإخراج السينمائي والمسرحي وكتابة القصة والسيناريو، موهبة شاملة متنوعة تحرر روح المبدع القلقة وتعلن عن نفسها في أشكال فنية إبداعية شاملة. 

عدد من المجموعات القصصية والأدبية، فاجأنا فيها أيمن زيدان خلال فترة وجيزة، ولكن ما الذي يحوج أيمن زيدان للمزيد من الأنواع الفنية الأدبية وهو الذي لاتنقصه الشهرة والحضور فقد تربع على عرش شهرته وحب جمهوره من المحيط إلى الخليج. 

مالذي يجعله مُلحّاً هكذا في التعبير بكل طريقة ممكنة؟ إنه قلق الفنان الراغب في اكتمال الصورة وجمالها، لن يهدأ له بال قبل أن يحفر بأظافره ويديه وعقله كل ما يمكنه من ترك أثر وفرق.

"مازالت روح الفنان القلقة و الطموحة يقظة وترفض الاكتفاء". ( كتابه "وجوه").

في المقتطفات التالية من كتابه "وجوه" نجد تعبيراً واضحاً عن هواجس الفنان وانغماسه بهموم شعبه الذي يراه يعاني تراجيديا لا تنتهي.

"ترحالي مع كتبي كان أشبه برحلة سيزيفية تجعلني أكمل المشوار المتبقي من عمر لا يشبهني بجرعة فائضة من الحزن والمرارة والخيبة" 

"أنهى ترتيب روحه القلقة وغادر نحو المقهى الصغير وانتظر طويلاً ..هز الزقاق انفجار ضخم ... 

وكأن قدرك أيها الغجري أن تظل وحيداً"

"عندما تنقشع سحابة الحرب سنبني بيتاً وننجب أطفالا رائعين" 

"أكثر ما أثار دهشتي كيف استطاع أن يرمي شقاء غربته في المطار"

"كم أفتقد الآن ذلك الزمن الذي كان تواقاً للحياة، زمنٌ يحتفظون به بكل المواقف النبيلة ويصرون على رد النبل بنبلٍ أكبر منه". 

"كن بخير ياولدي ولاتقلق علينا فما زالت شمس دمشق تشرق كل صباح". 

هي مقتطفات من قصص تكاد تلخص معاناة السوريين وتعكس وجوههم في مرآة أيمن زيدان الذي يحكي عنا جميعاً. إنه يكتب عن تجربة حرب مريرة كما يقول في تعريفه لكتابه.

يبقى أن نسجل لهذا النجم الكبير انسجامه مع ما يقتنع به ويقوله فهو يعيش مايقوله، ولم تغرّه شهرته وقدرته على السفر خارج سورية مثل كثيرين وهو الذي يستطيع أكثر من غيره، ليس لأننا ننكر عليه وعلى غيره الخروج إلى ملاذ أكثر أمناً، وطلباً لحياة أقل تعباً وصعوبة. فلن ينكر عليه ذلك أحد، ولكن بقاءه كان إشارة واضحة وجليه على أنه يريد أن يكون في المكان الأكثر صعوبة، يبني حجراً فوق حجر بكل تعب وتحدٍ، همه الأخير أن يكون منسجماً مع قناعاته وأن يترك ما يستطيع من إشارات ملونة ترشدنا خلال طريق طويل أصبح باهتاً وبلا ملامح ويقودنا إلى متاهة. 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر