حاتم علي "وداعاً" من قلب كل سوري داخل وخارج سورية
الكتابة عن حاتم علي ليست سبقاً صحفياً فأوان الكتابة عنه ممتد بامتداد أعماله على مساحة الوطن الكبير الذي لم يعد كما كان يوم بدأ حاتم علي أيامه الأولى من التميز وإنجاز أعماله الأولى التي شبك فيها مع جمهور يمتد من شرق العرب إلى غربهم.
ما زالت دمشق تقبل العزاء برحيل حاتم علي وهي التي عمدته مبدعاً استثنائياً حفظ قيمة الدراما السورية وساهم برفعها إلى العالمية بعد أن أخرجها من الصورة النمطية المسطحة عبر مجموعة من الأعمال الكبيرة التي عالجت قضايا اجتماعية وسياسية راهنة ودائمة.
لم يسبق لشخصية فنية أو شخصية رأي عام مؤخراً أن أخذت هذا الاهتمام الواسع من مختلف الشرائح العمرية في الواقع الافتراضي على وسائل التواصل الاجتماعي أو في الواقع الحقيقي، فقد أجمع السوريون داخل وخارج سورية والجمهور العربي الواسع على الشعور بالفقد والخسارة لشخصية عرفت كيف تشكل وعياً درامياً وحياتياً من خلال أعمال مختارة دخلت كل بيت وتابعها عشرات الملايين من المشاهدين.
"الفصول الأربعة"، "الزير سالم" الذي كان بمثابة نقطة تحول في مسيرته الفنية، وأجزاء عديدة من "مرايا" و"أحلام كبيرة"، إضافة إلى "الملك فاروق" و"ثلاثية الأندلس" و"صقر قريش"، "ربيع قرطبة"، "ملوك الطوائف"، و"عمر" والتغريبة الفلسطينية الذي وثق فيها للقضية الفلسطينية وتحدث عن التهجير والقهر الفلسطيني بعيداً عن الشعارات الفارغة. مما أكسب العمل قيمة فنية وثقافية وتاريخية.
يقول حاتم علي : أنا لست فقط أحد أبناء الجولان المحتل الذين عاشوا تجربة تتقاطع في كثير من تفاصيلها مع تجربة شخصيات مسلسل التغريبة الفلسطينية، ولكنني أيضاً عشت طفولتي وشبابي في مخيم اليرموك وهذا ساعدني في حفظ صورة واضحة عن قضية واحدة بصور مختلفة.
كنت في عام 1967 بعمر صالح الذي كان يحمله خاله مسعود وكنت أيضاً محمولاً بالطريقة ذاتها على ظهر أحد أخوالي، بشكل أو بآخر استطعت استحضار الكثير من هذه التفاصيل الواضحة أحياناً والمشوشة أحياناً أخرى واستطعت توظيفها وإعادة تركيبها مستكشفاً إياها أحياناً كثيرة من خلال العمل نفسه، وكثيراً ما سئلت نفس السؤال: وهو كيف يمكن لمخرج غير فلسطيني أن يقدم عملاً عن هذه القضية؟ وأنا شخصياً كنت أقول إن القضية الفلسطينية هي قضيتنا جميعاً كعرب.
هذه ميزة حاتم علي الانسان الذي جمع السوريين بكل أطيافهم وانتماءاتهم وولاءاتهم، وهو بين قلة من رجال الفن والفكر والثقافة والسياسة الذي حظي بهذا الإجماع، لأنه كان مختلفاً في مقاربته للطوفان الكبير والمحن التي عاشتها سو رية خلال عشر سنوات مضت.
بقي حاتم علي كبيراً في تعاطيه مع الشأن السياسي والاجتماعي وهو الذي يعلم أنه في أيام المحن على الفنان أن يكبر ليبقى رمزاً للوطن كله.
ليس مناسباً الآن الحديث عن أعمال حاتم علي فهي فعلت فعلها على مر السنوات الماضية، وإلا لما كان كل هذا الجمهور في وداعه من حضر ومن لم يحضر، فالعزاء كان عاماً وحاراً كل على طريقته.
وداعاً حاتم علي فقد رحلت مبكراً قبل أن ترى نهاية الألم الطويل الذي حل بوطنك سورية وقبل أن تحقق الكثير من إبداعاتك التي كانت تنتظر دورها فتلهم جمهورك وشعبك الذي هو بأمس الحاجة إليك.