ظاهرة غريبة في دمشق.. تجار يطرحون متاجرهم برسم الاستثمار.. فما هي الأسباب؟

ظاهرة غريبة في دمشق.. تجار يطرحون متاجرهم برسم الاستثمار.. فما هي الأسباب؟

دمشق - رولا نويساتي

ظاهرة غريبة بدأت تطفو على سطح سوق العقارات بدمشق منذ عامين.. ألا وهي ظاهرة عرض المحلات برسم الإيجار أو الاستثمار، ولعل لهذه الظاهرة التي أخذ خطها البياني بالتصاعد أسبابها، وبالتأكيد لها نتائجها أيضاً على المدى القريب والبعيد..
المشهد جال في أسواق دمشق الرئيسية (الحميدية – الحمرا – الشعلان - سوق مدحت باشا - البرامكة السوق التجاري..) بحثاً عن الأسباب والنتائج فكان التحقيق التالي..

برسم الاستثمار
كان يجلس إلى جانب محله الشبه فارغ بعد أن كتب عليه ورقة _ برسم الاستثمار _ العم أبو عبدو رجل سبعيني يملك محلاً في دوار كفرسوسة لبيع الحلويات.. عندما سألته عن سبب عرض محله للاستثمار عاد بذاكرته إلى عقودٍ خلت وقال لي: اسمحي لي قبل أن أتحدث عن السبب أن أتحدث لكِ عن أهلنا وأجدادنا، فعندما كان الشخص منهم يريد أن يكري محله _ ويكري تعني يؤجر محله، وهي كلمة شامية قديمة _ كان يسمح للمستأجر أن يجرب المهنة التي يريد أن يزاولها في محله لشهرين أو ثلاثة مجاناً، فإذا فشلت المهنة عاد المحل لصاحبه دون أن يدفع المستأجر قرشاً واحداً.
أين هؤلاء الناس اليوم، وعندما سألته عن سبب عرض محله للآجار مجدداً أجاب: أولادي أصبحوا موظفين ولا حاجة لهم للمحل أو المصلحة، وأنا لم يعد لي قدرة على العمل..
في جانب آخر وتحديداً في سوق البرامكة التجاري كان هناك محلاً معروض للاستثمار، لكن صاحب المحل هذه المرة شاب أربعيني قال للمشهد: هذه سوبر ماركت وليست مول تجاري.. هل يُعقل أن تفرض عليّ الدولة ضريبة دخل 8 مليون ليرة سورية في السنة.. سأضع همي في قلب غيري وليأتي من يستطيع دفع هذا المبلغ عني للحكومة..

تاجر عقارات
السيد أبو خالد تاجر عقارات أفاد أن هناك محلات عديدة معروضة للاستثمار والأجار على عكس العقارات السكنية التي تعاني من قلة في العرض.. ويرى أبو خالد أن الضرائب العالية والمولات التجارية التي جذبت الناس إليها بشكلٍ كبير هو جوهر الموضوع، وأضاف أن المواطن يرى ضالته وحوائجه كلها في المول على عكس باقي الأسواق، فلا يوجد سوبر ماركت مثلاُ أو محل لبيع الأجبان والألبان في سوق الحميدية، والعكس صحيح، فلا يوجد محل ألبسة في سوق باب سريجة، أو حتى صالة مفروشات، لكن جميع المهن تجدها في المولات، لذلك ترى أن الأسواق المعتادة غدت للتنزه أكثر منها للتسوق إذا ما استثنينا مواسم الأعياد طبعاً.

خبراء
دكتور في كلية الاقتصاد فضل عدم ذكر اسمه أفاد أن حالة الركود التي تشهدها الأسواق هي أحد أهم أسباب تصفية المصالح، وخاصة الصغيرة منها، بالإضافة إلى ضرائب الدخل التي ارتفعت أضعافاً عمّا كانت عليه مقارنةً بالتصنيفات الأخيرة، وأمام هذه الحال لا يجد أصحاب هذه المتاجر سوى عرضها للاستثمار لعدم قدرتهم على تغيير مصالحهم والخوض في غمار مهن جديدة غريبة عنهم، وأضرب هنا مثالاً متاجر بيع الحلويات الشرقية، فكم من متجر لبيع الحلويات الشرقية قد أغلق بسبب ارتفاع أسعار الحلويات، وعدم قدرة المواطن على شرائها عندما وصل سعر الكيلو الواحد إلى عتبة الـ30 ألف ليرة سورية، فيرى هنا صاحب المحل وبدلاً من أن ينتظر موسم الحلويات من عامٍ لآخر أن يعرض محله للاستثمار، فهذا الأمر بنظره ذو جدوى اقتصادية أفضل بالنسبة له، أما تغيير المهنة فهذا أمر صعب ويحتاج إلى وقت ومغامرة قد تكون نهايتها الفشل، وعلى هذا الحال يجري القياس.

فيما وصف عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق الأستاذ محمد الحلاق بأن هذا أمر غير معهود منذ فترة طويلة من الزمن.
وعزا هذا الأمر الذي وصفه بغير المسبوق إلى ضعف جدوى العمل التجاري وتراجعه، وعدم جدوى العوائد، إثر انخفاض الطلب من المواطنين خلال الظروف الحالية، عدا عن صعوبة بيئة الأعمال والتشريعات.
ولفت إلى عدم وجود أرقام دقيقة لعدد المحلات التجارية التي عرضت للاستثمار، إذ إن هناك عدداً ليس قليلاً لمحلات تجارية مغلقة في سوق مدحت باشا، وهي معروضة للاستثمار، وفي الشعلان يوجد حوالي خمسة محلات معروضة للاستثمار، وحتى في سوق الحميدية، الذي كان الناس يدفعون أرقاماً خيالية للاستثمار فيه.. هناك العديد من المحلات معروضة للاستثمار، إذ لا توجد عوائد تشجع الناس على الاستثمار مرة أخرى.
وبيّن الحلاق أنه اليوم و مع ارتفاع أسعار إيجارات العقارات، وانخفاض وتيرة الأعمال وضعف العمل بشكل كامل، أدى ذلك إلى عزوف الكثيرين عن الاستثمار، وهذا الأمر خاطئ، إذ يجب اليوم التشجيع على الاستثمار، والعمل من خلال بيئة أعمال مريحة وتشريعات واضحة، مشيراً إلى أن بيئة الأعمال حالياً ليست واضحة المعالم.
وأشار إلى أن هناك جهوداً كبيرة من الحكومة لتحسين بيئة الأعمال، ونيات حسنة، لكن على أرض الواقع لا تترجم هذه الجهود بشكل فعلي، وليس هناك تعاون حقيقي بين كل الجهات.

نقطة نظام
التضخم الاقتصادي الذي خيّم على البلاد وارتفاع تكاليف صناعة بعض المنتجات، وإحجام المواطنين عن شرائها على اعتبارها من الكماليات مع فقدان الليرة السورية الكثير من قوتها الشرائية دفع العديد من أصحاب المحلات إلى عرض محلاتهم ومتاجرهم للاستثمار بدلاً من بيعها، إذ أن سعر المتجر اليوم في الأسواق المعروفة وصل إلى أرقامٍ فلكية، يحتاج من يدفع فيها هذه الأرقام إلى عقود ليجني ثمنها فقط، فهل سنرى انقراضاً لمصالح عديدة في السنوات القادمة؟.. سؤال برسم قادمات الأيام..

 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر