ليلى نصير رائدة الفن التشكيلي "بإنسانيته" في الوطن العربي (صور)

ليلى نصير رائدة الفن التشكيلي "بإنسانيته" في الوطن العربي (صور)

المشهد - أخبار ثقافية

تطلق على نفسها لقب "فنانة التجربة" والآخرون يلقبونها الرائدة أو ابنة البحر منذ البداية وحتى اللحظة كان وما زال الإنسان ولاسيما الإنسان البسيط- وفي حالاته المختلفة في معاركه مع الحياة اليومية القاسية، والمعاني من مرارة ما تخلّفه من اضطرابات وأمراض نفسية عقيمة، هو شغلها الشاغل والمحرك الأكبر في مشروعها الفني هي الفنانة التشكيلية ليلى نصير رائدة الفن التشكيلي الأولى في الوطن العربي كما تم تصنيفها من اللجنة الدولية في إيطالية

حياتها
ولدت رائدة الفن التشكيلي السورية ليلى نصير في اللاذقية سنة 1941 ، تخرجت عام 1963 في كلية الفنون الجميلة في القاهرة/ قسم التصوير وظلّت على مدى عشرات السنين اللاحقة تعمل في الحقل التشكيليّ، ترعرت ضمن أسرة تهتم بالفكر والأدب، فكانت أسرتها تملك مكتبة منزلية تحتوي على مؤلّفات كتّاب معاصرين مثل: جبران خليل جبران وطه حسين وبودلير ومارك توين، كما كانت أمّها تحبّ الأدب العربيّ والغربيّ في آن واحد. من هذا المناخ الثقافيّ العائليّ نمت موهبتها وشخصيتها الفنية، وهي إلى جانب الرسم تكتب الشعر والقصص والقصة القصيرة. أعمالها مقتناة من وزارة الثقافة، المتحف الوطني بدمشق، وزارة السياحة، وزارة الداخلية، القصر الجمهوري، ضمن مجموعات خاصة.

في عام 1989 حصلت الفنانة على جائزة الدولة التقديرية للآداب والفنون في نسختها الثالثة وذلك تكريما لعطائها الفني الواسع باعتبارها أحد رواد الفن التشكيلي السوري، وتقديرا لمنجزها الإبداعي الذي تمخضت عنه مسيرة امتدت لخمسة عقود اختبرت خلالها شتى الأساليب والتيارات الفنية وصولا إلى مرحلة من النضج الفني وهو ما أفضى إلى عشرات الأعمال الفنية ذات الخصوصية المتفردة والقيمة الفكرية والإبداعية العالية.

 في الأسلوب

تميّز أسلوب الفنانة بالتقنين والتقشف اللونيّ، وبسلسلة من التجارب والاختبارات الفنية الواقعية والتعبيرية، والتعبيرية- التجريدية، والسوريالية، إلى جانب الطباعة، وصولا إلى التجريدية، حتى الدمج ما بين التشخيصية- التشكيلية والتجريدية. في المضمون تصنف تجربة الفنانة حسب المضامين والشواغل التي اهتمت بها خلال أعمالها التشكيلية إلى عدة مجموعات كل واحدة كانت مختصة باتجاه معين:
 
الاتجاه الأول: اشتغلت الفنانة في مضامين مواضيعها على شريحة الناس ذوي الاحتياجات الخاصة، وكان بدأ ذلك بمشروع تخرجها في جامعة القاهرة ذات حين من القرن العشرين. أما الاتجاه الثاني: فبرزت فيه خلال حرب تشرين التي خاضها الجيش السوري ضد العدو الصهيوني سنة 1973، تلك الحرب كانت المحرّض في تجديد أسلوبها ومواضيعها الفنية، وبعد ذلك نحت في الثمانينيات صوب جنوب لبنان لترصد برسومها ما عكسته الحرب الأهلية اللبنانية. وفي الاتجاه الثالث: كانت الحضارة والأساطير مواضيع غنية للتراث الذي لا تنفصل الفنانة عنه.
وفي اتجاه آخر: من القضايا الإنسانية التي عملت عليها وكانت أساسية في مسيرتها، هي تجسيد متناقض بين الألم والجمال الفاتن والساحر البعيد عن الإثارة في تجسيدها للمرأة من خلال جسدها وعيونها الواسعة، في جاذبيتها وانكساراتها والخذلان المفروض عليها من واقع المجتمع.

تفاصيل عالمها الفني

شكلت نصير عالمها الفني، وهي ابنة اللاذقية وحضارة أوغاريت، بين الفن المصري والسوري القديم الذي يعود لآلاف السنين قبل الميلاد وقد لجأ النحاتون السوريون القدماء إلى نحت الشخصيات في وضعية الوقوف، ووضع اليدين فوق بعضهما البعض وإلى التركيز على العيون وإحاطتها بالأسود وهي حالة تعبر عن لحظات التأمل والصلاة، فأغلب أعمالها يحمل ذلك التركيز على العيون التي أعطت فيها إيحاءات تعبيرية مختلفة موشحة بالحزن العميق الغائر منذ آلاف السنين. وقد اشتغلت على التحوير وإعادة تشكيل الجسد وفق حالات تعبيرية مختلفة، حيث لجأ النحت السوري إلى تركيب العناصر الحيوانية مع الإنسانية، وهو نوع من التوحد أو التماثل مع الطبيعة. وقد أعادت هي هذا التركيب بأسلوبها، كأن ترسم للإنسان أجنحة أو تضع رأس إنسان على جسد حيوان، في توليفة في التكوين وتلوين عميق للشكل، وتحيط اللوحة أحياًنا بقطع صغيرة مرسوم عليها عناصر حيوانية وإنسانية وكأنها تمثيل لأختام أسطوانية. في أعمالها ثمة إحساس غرافيكي ملون يتقطع فيه الخط ويتداخل الفراغ مع الكتلة، وهي بالأصل اشتغلت على استخدامات لونية وتقنية مختلفة مزجت فيها خامات عدة، فإحساس الباستيل الزيتي واضح في العديد من أعمالها، ومع خامة الأكريليك تتوضح المساحة اللونية أكثر في لوحاتها التي نفذتها مطلع التسعينيات التي أكدت من خلالها على موضوع الأمومة، فنراها ترسم المرأة الحامل حيث تصطف الشخوص أمام بطنها بحيرة غريبة. في هذه المرحلة تستمر ببناء التركيب والتقطيعات الهندسية وتقوم بمعالجة لونية متناغمة موسيقياً وأقرب للقصيدة حيث الكتلة من خلال اللون والخط تشكل ارتكازا وحاملا لها. سطح لوحة الفنانة محيّر، فهو ناعم ولكنه مشغول بطريقة يبدو فيها وكأنه مجتاح ”بخربشات“ أثرية، ولطخات ملونة متفتتة لها ملمس الرمل، وخشونة التراب والحصى، ما أضاف بعدا أسطوريا مضاعفا على أعمالها، لوحاتها تفشي سرّ عشقها للنحت، والزهد اللوني في لوحاتها يشير إلى ذلك أيضا.

الفنانة المغيبة

كتب عنها الشاعر السوري نزيه أبو عفش: »تجولت طويلًا بين أعمال عظماء كثيرين، فان غوغ، بيكاسو، فريدا كالو، ماتيس وآخرين كثر. لا في الرقة، ولا في العمق، ولا في الرهافة، ولا الصدق ولا في فداحة الألم وتواضع البوح فيه ....، لم أعثر على من هو (أو هي) أنبل من الفنانة السورية الغائبة أو المغيبة ليلى نصير.. أيها الأصحاب أرجوكم. من يرشدني إلى عنوانها؟ لا أريد لأحدنا (أنا أو هي) مغادرة الحياة قبل أن أعانقها وأقول لها: ليلى نصير العظيمة.. كم أنت جديرة بالحب والتقديس
« قالت ليلى نصير في إحدى المقابلات: عشت في الريف السوري، وبسبب عمل والدي نلت فرصة الانتقال بين الأرياف بكل فضاءاته، وأقمنا في ”راجو“ البلد الذي يغلب عليه القحط، والمدرسة التي تبعد مسافات طويلة عن منزلنا، ما جعلني أمشي على الرغم من الثلج والبرد، وألتقط في مشواري صور الأطفال الجياع والفقراء، وهذا ما أعطاني تأملا خاصا لهذا القطاع الكبير من حولي، كمحاولة لتفهم الواقع الذي نعيش فيه، والبحث عن الجوهر وراء تلك الوجوه والحوادث. كما يذكر أن الفنانة في بداية حياتها الفنية كانت تدخل إلى مقاهي اللاذقية التي كان يحتكرها الرجال. تجلس معهم وتقوم برسم المارة بسرعة كبيرة. وثمة مقهى يحتفظ بكرسي لها هناك اعتادت الجلوس فيه منذ أكثر من 30 عاما.

 على صعيد آخر قام مجموعة من الكتاب عام 2014 بتأليف كتاب يرصد تجربة الفنانة »ليلى نصير « هم (يارا نصير، أسعد عرابي، راشد عيسى)، والتي تُعد في طليعة التجارب النسويّة في هذا المجال، سواء لقدمها أو لأهميتها الفنيّة وحضورها في الحراك التشكيلي السوري، منذ مغادرتها محترفات كلية الفنون الجميلة في القاهرة العام 1963 ، ويبين الكتاب تأثر ليلى بموتيفات الفنون القديمة في مصر وسورية.

 فطفلة الأمس (كما تقول يارا نصير)، تستمر تلعب مع الفرشاة والألوان، اللعبة نفسها، التي لعبتها يوم كانت تنتظر القطار في القرية، وتستمع إلى حكايات الفلاحين في أماسي الشتاء الصعبة. وتؤكد يارا ارتباط ماضي الفنانة ليلى نصير بفنها منذ بداياتها. فعلى القماش المشدود، كما على دفاتر إبداعها، حكايات ملونة عن الفلاحات العاملات في البيدر والحقل والنزهات. وتبين أنها تنتمي إلى جيل الأربعينات من القرن الماضي. ونشأت في عائلة مثقفة مهتمة بشؤون الأدب والفكر، وعُرف عنها في مدينتها، أنها كانت أول فتاة ترتاد مقاهي الرصيف، حيث كانت ترسم حياة الشارع.

 كما أشار الفنان والباحث في شؤون الفن التشكيلي، أسعد عرابي، في الكتاب، إلى أنه من غير السهل الكتابة عن فن ليلى نصير، ليس فقط بسبب التطابق (الاستثنائي) بين تجربتها الداخلية المعاشة. وأدائها التشكيلي الصادق، وإنما على الأخص لأن المواصفات (الباتولوجيّة) المأزومة، تتسامى في تعبيراتها العاطفيّة إلى لغة جماليّة شموليّة، وإلى احتدام زاهد، وحيويّة متقشفة في اللون والخط، في بعض حالات تصاعديتها إلى مستوى العدميّة الوجوديّة أو الوجدانيّة، وبما تثيره في الوعي والذاكرة والتخيل من خصوصيّة تراجيديّة ومغتبطة بالنور في آنٍ واحد.

 فيما بين راشد عيسى، أنه في اللقاء الذي أجراه معها، أكدت الفنانة ليلى نصير، أنه على الفنان أن يعيش التجربة ليعبر عنها، لأنها بالضرورة أكثر التصاقاً بالفنان. لذا فهي تبحث عن الحقيقة دوماً وتتلمسها، وتعتقد أن هاجسها بالضرورة، التواصل مع الجمهور، وهذه معادلة صعبة بسبب أمية الجمهور الفنيّة، وهي شخصياً تأثرت ب: فان كوخ، ومودلياني، وبوتتشللي، ومايكل أنجلو. وهذا يفسر وجود التضاد في أعمالها الفنيّة.

 المؤلفون في سطور: يارا نصير. كاتبة مهتمة بتوثيق حياة الفنانة ليلى نصير. وراشد عيسى صحافي وناقد يكتب في الصحافة العربيّة. أما أسعد عرابي فهو معروف كفنان تشكيلي وباحث وناقد. لديه العديد من المعارض، وينشر مقالاته وأبحاثه في الصحافة العربيّة. كما صدرت له عدة كتب، تناول فيها قضايا الفن المعاصر.
 
 


ليلى نصير رائدة الفن التشكيلي "بإنسانيته" في الوطن العربي


شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر