خبير اقتصادي : سياسة الانفتاح غير المنضبط على استيراد السيارات في بلد يعاني من تدهور في موارده الإنتاجية ليست سوى استجابة لطلب السوق دون رؤية اقتصادية
قال الباحث الاقتصادي محمد السلوم لجريدة عنب بلادي أنه منذ إعلان الحكومة السورية فتح باب استيراد السيارات دون قيود تُذكر سوى شرط عمر التصنيع، تشهد الأسواق حالة غير مسبوقة من التدفق السلعي في قطاع السيارات، حيث تحوّلت الأسواق من شحّ قاتل إلى وفرة غامرة خلال أسابيع قليلة.ي.
وأضاف : أن ما يعده البعض انفراجًا بالسوق هو في الحقيقة، من منظور اقتصادي، أحد أشكال الإنفاق الاستهلاكي المفرط وغير المنتج الذي قد يُعمّق الأزمة بدل أن يخفف منها و بحسب تقديري كمحلل اقتصادي، فإن قيمة السيارات المستوردة إلى سوريا خلال الأشهر الماضية تقدّر بنحو مليار ونصف المليار دولار، وهو رقم كبير بالنظر إلى أن موازنة الدولة للعام ذاته لا تتجاوز 3.9 مليار دولار.
وتابع: المفارقة تبدو واضحة حين يتم إدراك أن هذه الكتلة النقدية ذهبت إلى سوق استهلاكية بحتة، في وقت يعاني فيه الاقتصاد السوري من ركود حاد وضعف في الإنتاجية، نحن لا نتحدث عن قطاع إنتاجي أو بنية تحتية، بل عن سلعة استهلاكية غير استراتيجية، يعود جزء كبير منها لسنوات تصنيع قديمة، ويترتب على دخولها إلى السوق المزيد من الأعباء على صعيد الوقود، الصيانة، وقطع الغيار.
وبيّن السلوم أنه من الناحية السعرية، من الطبيعي انهيار أسعار السيارات القديمة والمخزنة في السوق بعد هذا الانفتاح غير المنظم، ودخول أعداد كبيرة من السيارات، ودون أي رسوم جمركية أو ضريبة رفاهية، ما أحدث فرقًا سعريًا حادًا، وجعل من السيارات سلعة خاضعة لمضاربة سعرية لا تُبنى على تكلفة حقيقية، بل على فجوة تنظيمية بين مناطق نفوذ مختلفة.
حول الأثر الاقتصادي، يرى الباحث السلوم أن الاستيراد بهذا الحجم أدى إلى زيادة الطلب على القطع الأجنبي بشكل مفاجئ، ما سينعكس لا محالة على سعر صرف الليرة السورية، ويؤثر سلبًا على القوة الشرائية، خاصة في قطاع الغذاء والدواء الذي يعتمد أيضًا على الاستيراد، وهذا الأثر على المدى القريب، أما الأثر على المدى المتوسط فإن السوق سيدخل في دورة تضخمية مزدوجة، من جهة زيادة العرض في سلعة غير منتجة، ومن جهة أخرى ارتفاع في تكاليف التشغيل المرتبطة بها، في ظل غياب البنية التحتية المناسبة.
وكان بالإمكان، على سبيل المثال، توجيه هذا المبلغ نحو إنشاء مشاريع متوسطة التكلفة ذات أثر مباشر على حياة الناس، كإنشاء مدن صناعية صغيرة في المحافظات التي تفتقر إلى بنية إنتاجية، أو دعم سلاسل القيمة الزراعية والتصنيعية في المناطق الريفية لتوفير فرص عمل وتحقيق اكتفاء ذاتي جزئي في بعض المواد الأساسية، مشيرًا إلى أن “هذه المشاريع كفيلة بتدوير المال داخل الاقتصاد السوري بدل ضخه في سلع استهلاكية مستوردة، وزيادة فاتورة الوقود والصيانة في ظل شح المحروقات”.
وبيّن السلوم أن سياسة الانفتاح غير المنضبط على استيراد السيارات، في بلد يعاني من تدهور في موارده الإنتاجية، ليست سوى استجابة لطلب السوق دون رؤية اقتصادية، والمطلوب اليوم ليس كبح السوق، بل إعادة ضبط البوصلة الاستثمارية نحو المشاريع التي تولّد قيمة حقيقية، وتخفف من الاستنزاف المستمر للاحتياطي النقدي، وتحافظ على الحد الأدنى من التوازن في الميزان التجاري.