ضرورة تغير الثقافة المجتمعية نحو التعليم المهني

ضرورة تغير الثقافة المجتمعية نحو التعليم المهني

"شو بيطلعلو ابنك طب ولا هندسة اقل من هيك خليه يعيدها حرام شوهالحكي " عبارة بالعامية يتداولها المواطنون السوريون عقب صدور نتائج الشهادة الثانوية كفيلة لاختصار وجع جيل بأكمله.
فطالما نظر السوريون الى التعليم المهني نظرة دونية وكان جل اهتمامهم على الطب والهندسة انطلاقا من وجع طبقي سابق.
خلال الاربعينات والخمسينات وحتى الستينات كان يمكن فهم ذلك في ظل محدودية عدد الاطباء والمهندسين ففي اغلب المدن المتوسطة كان هناك طبيب واحد على الاكثر ولكن اليوم تغيرت كل تلك القيم والمفاهيم وما زال المجتمع السوري ثابتا على موقفه.
اليوم في ظل التطورات الحاصلة في المجتمعات والتغيرات البنيوية والديمغرافية التي حصلت في بلدان كثيرة نتيجة ظروف الحرب والهجرة وما خلقته من فجوات في سوق العمل بدأت اغلبية الدول تركز من خلال الانظمة التعليمية على مواءمة مخرجاتها التعليمية مع متطلبات سوق العمل.   
وسورية أدركت منذ سنوات طويلة أهمية انجاز هذا الربط ومن أهم الأسباب التي دعت للتركيز على ربط التعليم العالي بسوق العمل  لأسباب عديدة ابرزها النزيف الهائل للشباب نتيجة غياب فرص عمل بظروف مادية مقبولة والفجوة المهنية الهائلة في سوق العمل وهنا جوهر الوجع الحقيقي.
الظروف التي مرت على سورية في الآونة الأخيرة وخاصة بعد هجرة الكثير من الخبرات الشابة فرضت على سوق العمل تحدي البحث عن فنيين من مختلف التخصصات الفنية والتقنية لنهضة البلاد، لكن هذا التحدي لم يجد الخطوات العملية اللازمة لمعالجته على ارض الواقع .
وبالرغم من ان التعليم المهني كان حجر الأساس الذي ساهم في بناء عدة دول انتكست في الحروب العالمية مثل: اليابان وبريطانيا وألمانيا، ويهدف الى رفد سوق العمل بكفاءات وخريجين وصناعيين قادرين على تلبية متطلبات سوق العمل، الا ان العقلية المجتمعية في سورية مازالت تنظر الى التعليم المهني نظرة دونية مختلفة عن نظرتنا للتعليم الجامعي أو الأكاديمي، ويعتقد كثير من أولياء أمور الطلاب في سوريا أن التعليم المهني لا قيمة له، وأن من يلتحق به طالب فاشل لم يتمكن من الحصول على درجات عالية، فلم يجد أمامه سبيل سوى الالتحاق بالتعليم المهني.
اليوم حتى نكون واقعيين هناك عدة حقائق متسلسلة يجب الانطلاق منها اول تلك الحقائق اننا على اعتاب اكبر عملية اعادة اعمار واعادة الاعمار تحتاج كوادر مهنية من مختلف الاختصاصات ونحن بالكاد لدينا كوادر مهنية لسد احتياجات السوق المحلية بالحد الادنى لاسيما في اختصاصات البناء واللحام وتشكيل المعادن والصرف الصحي والتمديدات الكهربائية؟
ثاني تلك الحقائق هو موضوع تغير النظرة الدونية للمجتمع تجاه التعليم المهني وهنا لنكن صريحين كيف سأقنع الاهل والطالب بالتعليم المهني وانا حتى هذه اللحظة أصر على تعيين المهندسين وتكديسهم وتخسر الحكومة مليارات لتجهيزهم في حين نعجز عن بناء استراتيجية لإدارة خريجي التعليم المهني ودعمهم!
اليوم الفكرة الاساسية هي تحويل التعليم المهني في سورية من مستهلك الى منتج لا يحتاج الا للإرادة لتنفيذ النية الموجودة من سنوات ماضية، ووقف الهدر اليوم وتشجيع الطلاب على اتقان المهنة والعمل بمقابل مادي. ولكن كيف يتم ذلك
الخطوة الاولى تخصيص اراضي ومحلات في المدن الصناعية لصالح الثانويات المهنية بحيث يتم العمل فيها وفق السوق وتشغيل الخريجين لمدة خمس سنوات مثلا ريثما يكون قادرا على الاستقلال ومن ثم منحه قرض ميسر من ايراد المحل لفتح مشروعه الخاص به.
الخطوة الثانية على التوازي امكانية تنظيم عقد مؤقت لمدة خمس سنوات لخريجي التعليم المهني في المؤسسات والشركات بشكل يحقق فوائد مزدوجة فالخريج يكتسب الخبرة والدخل المادي مباشرة والشركة تكتسب عمالة مهنية بدون كلفة دائمة.
الخطوة الثالثة فتح الفرص أمام التعليم المهني ومنح القروض من دون فوائد لتشجيع الشباب للانتساب اليه بدلا من الواقع الحالي والانتظار لمسابقة في الوظائف الحكومية والعمل بغير الاختصاص التي خسرت عليه الدولة الأموال الطائلة ولم تحصد نتائجه. 
أخيرا نقول ان سورية تعاني فجوة خطير في الكوادر المهنية ستتعمق آثارها تباعا وإذا لم تنجح الحكومة في خلق بيئة مثالية لتشغيل المهنيين وبالتالي جذبهم للتعليم المهني وسوق العمل لاحقا ستصبح تكلفة تقديم الخدمة المهنية مرعبة في سورية بالنسبة لشعب يعاني اصلا من ويلات تدني مستوى المعيشة.

 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني