مسلسل الحشاشين: الطائفة الغامضة بين الخيال والواقع
كتبت الاديبة والاعلامية نوال الحوار:
أعتدت في شهر رمضان أن أخصص وقتاً ليس بقليل لمتابعة الأعمال الدرامية.
أضحت الدراما رافداً أساسياً للثقافة على وجه العموم، نظرا لأتساع قاعدة المتابعين لها قياسا بالمسرح والسينما.
في هذا العام العمل الوحيد الذي لم أتابعه في عرضه الأول هو مسلسل الحشاشين للمؤلف عبد الرحيم كمال والمخرج بيتر ميمي.
يعود سبب تأجيلي لمشاهدة العمل أنه يحتاج لتركيز عالي ومتابعة
دقيقة، نظرا لأهمية الموضوع سيما أنه يناقش ألسياق التاريخي للطائفة الإسماعيلية الكريمة، والتي أطلق عليها لقب الحشاشين.
تطرق العمل للشخصية الرئيسيسة عند النزرايين، وهو الاسم الفعلي لهذه الفرقة الإسلامية التي أشتهرت في القرن الحادي عشر عبر شخصية حسن الصباح الذي يعد المؤسس الفعلي لتعاليم الإسماعيلية.
تابعت العمل بشكل دقيق، ولابد من الإعتراف أن العمل جاء بشكل
مبهر من ناحيتين، الأولى، على صعيد الإخراج، حيث أستطاع بيتر ميمي أن يقارب في مواقع التصوير وأختيار الملابس والمدن بشكل أقرب إلى الواقع سيما أن النجم كريم عبد العزيز أدى شخصية الصباح بشكل مقنع مع أنه عمل يؤرخ لمرحلة هامة من تاريخ الفرق الإسلامية
ولذلك لايمكن أن يكتب باللهجة المصرية العامية.
كيف يمكن ان تستقيم لغة الخيام باللهجة المصرية؟، صحيح هي لهجة ظريفة عندما تكتب لنفس البيئة كالتي كتبها الراحل الكبير اسامة انور
عكاشة، اما أن يكتب بها مسلسل يناقش تطور المذاهب ودخول الفلسفة على العالم الإسلامي إنه لخلل في بنية العمل والإساءة إليه.
أما الثانية، هي الناحية الإنتاجية فقد رصدت الشركة المتحدة سينرجي ميزانية ضخمة للعمل الذي صور مابين كازاخستان البلد الأقرب من ناحية الطبيعة والمدن لإيران البلد الذي ظهرت فيه الدعوة النزارية، ومصر الفاطمية وتونس بالأضافة لبناء ديكورات ضخمة تحاكي الشكل الحقيقي لقلعة (ألموت ) التي عاش فيها حسن الصباح ولم يغادرها حتى وفاته.
أما من ناحية السيناريو المكتوب لهذه المرحلة هناك نقاط إشكالية
عدة، فمن الواضح أن مؤلف العمل أعتمد بشكل كبير على عمل الروائي أمين معلوف ( سمرقند)، ورواية( ألموت ) للمؤلف السلافي فلاديمير بارتول التي تتحدث عن الطريق الذي سلكه حسن الصباح.
هذه روايات اكثر من ممتازة ولكن ليست المصدر الكافي لكتابة سيرة رجل أستطاع أن يرهب ثلاث قوى كانت تتحكم في المنطقة الخليفة العباسي، والملك السلجوقي ملكشاه، والخليفة الفاطمي المستعلي بالله
تبدأ الحلقة الأولى بخطأ فادح وهي تقديم الكاتب لحسن الصباح والوزير القوي نظام الملك والشاعر عمر الخيام على أنهم ثلاثة أصدقاء
تعاهدو وهم صبية صغار على ميثاق الصداقة تشير المصادر التاريخية
أن الصباح ولد لأسرة قدمت من اليمن حسب المؤرخ الأسماعيلي
الدكتور غالب إسماعيل الذي ألف كتاب( الثائر الحمْيريّ)نسبة لبني حْميّر في اليمن وكانت ولادته في قم معقل الأثني عشرية عام ١٠٥٠.
أما الوزير نظام الملك المولود في أسرة سنية بمدينة طوس عام ١٠١٨ والشاعر الخيام عاش طفولته في مدينة نيسابور، وهنا تكمن المفارقة كيف استطاع المؤلف أن يربط هذه الشخصيات ببعضها بعد قبول الصباح الأنضمام للنزارية حين قابل أبن عطاش الذي كان يتبع لصاحب الفكر النزاري ويبشر به وهو فكر الأمام نزار ابن الخليفة المستنصر بالله الذي دعا بالخلافة لأبنه الامام نزار ولكنه قتل بمؤامرة قام بها الوزير القوي بدر الدين الجمالي لكي يأخذ البيعة للخليفة المستعلي وهو أبن أخت الوزير الجمالي.
لكن في العمل قدم الجمالي على أنه شقيق زوجة المستعلي لكن في الحقيفة هو أبن اخته فشقيقة الجمالي كانت زوجة الخليفة المستنسصر ووالدة المستعلي وهذا خطأ فادح ينسف فكرة العمل، خاصة وإنه مر على موت الخليفة نزار، بشكل سريع، الذي لولا مقتله لتغيرت خارطة
الطائفة بأكملها.
لابد هنا من الإشارة لحادثة الأغتيال المروعة ققد حفر حفرة في القصر
ووضع الجثة فيها وبنى فوقها جدارا كبيرا، وقتها قرر الصباح أن يكمل ما بدأه الامام نزار فوسط هذا العداء،الكبير من الطرف الشيعي والسني والصليبي الذي بدأ ظهوره في المشرق ولدت دعوة مرفوضة من الجميع، وكان هذا سبب رئيسي لتشويه سمعتها وتواجدها في القلاع البعيدة وليس المدن، وفي الحقيقة أجد أن هذه الطائفة قد بُذل جهد كبير لتشويه سمعتها تحت مسمى فرق الموت لأن الصباح لم يكن يملك جيشا كبيرا ولكن بذكائه اعتمد على فكرة أغتيال الخصوم بخنجر مسموم، أو الحشاشين حيث روّج لهذا الاسم تحت شعار انه كان محيط قلعة ألموت مزروع بهذه المادة المخدرة، ليستعملها الفدائيون الذين كان الصباح يرسلهم لأغتيال الشخصيات التي تكن العداء للنزارية.
وفي حقيفة الامر أن شخصية الصباح كانت أكثر من غنية فهو محب للموسيقا وللطب والعلوم والفلسفة لدرجة أنه زرع محيط القلعة بالمواد التي تستخدم للطب لأنه بنى مشفى داخل القلعة لمعالجة جنوده وهذا مالم يتم التطرق له في العمل مطلقا.
وحده المؤرخ أبن الأثير في كتابه الشهير ( الكامل) وفي الجزء العاشر منه لم يطلق عليهم لقب الحشاشين بل سماهم الملاحدة وأعتمد على هذا الأسم لأن ابن الصباح اضاف للمذهب شيئا من روح الفلسفة فقد كرس الفلسفة كجزء من التعاليم الروحية بالأضافة لأستعماله كتاب أخوان الصفا الذي كان مقرراً على كل من ينضم لهذه الفرقة.
تقول المصادر الإسماعيلية أن حسن الصباح عندما خرج من مصرو أخذ معه أبن الامام نزار وهذا ايضا حدث مفصلي غفل عنه كاتب العمل.
ثلاثون حلقة كلها ركزت على شخصية الصباح ولم تعر أهتماماً للطائفة نفسها، بل كان هناك خلط كبير للحقائق التاريخية، أحصيت الكثير من الكتب حول الطائفة لم يستعن بها المؤلف وعلى رأسها كتاب السيستاني عن المذاهب الأربعة.
أما في مسألة نساء الجنة كيف للعقل أن يتقبل أن شخص مثل حسن الصباح يجمع نساء في قلعته ويخدر جنوده ويوهمهم أنهم دخلوا الجنة بمسرحية لاتنطلي على عقل طفل، فمن يكون شجاعا ومتحكما بأعصابه لدرجة أن يقتحم معسكر للدولة السلجوقية التي كانت في أوج مجدها وقوتها، والحامي الشرعي لخليفة المسلمين العباسي ويغتال أقوى وزير فيها، وأقصد نظام الملك، من يصدق هكذا مهزلة؟ سيرة الصباح سيرة طويلة أكتنفها الغموض طيلة حياته لم يكن يرى أتباعه في الشام وبغداد بل هناك أكثر من وسيط بينهم وبينه.وأشهرهم زيد بن سيحون
وبرزك أميد الذي خلف الصباح بعد وفاته فالمعروف أنه اقام الحد على.
ابنه الحسين الذي قتل معلمه وأختفاء ابنه الهادي ولم يبقى له سوى أبنته خديجة من زوجته الوحيدة دنيا زاد التي خرجت عليه بعد أن أعدم ابنها البكر والتي قتلت بعد ذلك عندما لجأت لبلاط الملك السلجوقي وهذه رواية يكتنفها الغموض أيضا .
لا أعرف كيف استطاع الكاتب أن يختار هذه النهاية الدرامية لحياة رجل يكاد لايراه أحد إن مشهد موته في العمل مشهد افتعالي لايمت لحياة الرجل.
فمن المعروف أن الذي أنهى وجود الحشاشين كما سموهم في قلعة الموت كان الهجوم الذي شنه المغول عندما اجتاحوا المشرق، وتشير المصادر أنهم أحرقو مكتبة قلعة ألموت كاملة وبذلك تكون سيرة موت الرجل قد احرقت وانتهت قبل أن تخرج للعالم.
أظن أن العمل إشكالي بشكل كبير وكان من المفترض أن يعطى فترة
كبيرة للقراءة عن هذه الجماعة قبل أن يكتب.
ولعل البروبغندا التي أثيرت حول العمل ساهمت بشكل كبير بأنتشاره
بعد ان منعت وزارة الاعلام الايرانية عرضه بعد ان ترجم للفارسية،
وايضا الضجة التي اثارها جماعة الاخوان المسلمون في مصر عندما طالبو بوقف عرض العمل، لكن في النهاية أظن أننا في العشر سنوات الاخيرة نستطيع القول أن لدينا مشكلة كبيرة في كتابة النص الدرامي التاريخي.
التاريخ الإسلامي غني بالشخصيات المؤثرة لكن لم يظهر بعد وليد سيف وجمال ابوحمدان والراحل عبد السلام أمين، كتاب دراما تاريخية رصينة وما شاهدناه من اعمال تاريخية في العشر سنوات الاخيرة ليس إلا سقط متاع، ومهازل كتبت بعبثية ولامسؤولية مثل عمل الأمام الشافعي لخالد النبويوهارون الرشيد لعابد فهد، والمهلب بن أبي صفرة لمعتصم النهار