"تسعيرة القمح".. شطارة الحكومة في الزمان والمكان غير المناسبين!

"تسعيرة القمح".. شطارة الحكومة في الزمان والمكان غير المناسبين!

عندما حددت الحكومة أول مرة سعر استلام قمح هذا الموسم من الفلاحين بـ 2300 ليرة سورية للكيلو، كان سعر غرام الذهب عيار 21 قيراط تجاوز للتو عتبة الـ 400 ألف ليرة سورية.

أول أمس عادت الحكومة ورفعت سعر استلام كيلو القمح إلى 2800 ليرة بزيادة 500 ليرة، وذلك بالتزامن مع وصول سعر الذهب إلى 460 ألف ليرة للغرام من عيار 21 قيراط، بزيادة 45 ألفا، ولا أحد يعلم كم سيبلغ الذهب عندما تصرف الحكومة ثمن القمح للفلاحين!.

الحكومة بإصدارها التسعيرة الجديدة تبدو وكأنها أرادت قطع الطريق على ما كان يمكن أن يحمله مؤتمر الحبوب السنوي، لجهة مراجعة سعر استلام القمح، وانفردت بإقرار التسعيرتين

طبعاً الحكومة تدرك تماماً ورطتها لجهة إصدار تسعيرتين خلال نصف شهر (التسعيرة الأولى صدرت خلال جلسة الحكومة في 18 نيسان، والتسعيرة الثانية صدرت خلال جلسة للجنتها الاقتصادية ترأسها رئيس الحكومة حسين عرنوس في 5 أيار)، وبررت كلتا التسعريتين بأنها درست تكاليف الإنتاج بدقة ووضعت هامش ربح مجزي للفلاح (35 % في التسعيرة الأولى وأكثر من 40 % في الثانية)، وعليه يصبح السؤال على أي أساس وضعت التسعيرة الأولى؟، ثم ما الذي دفعها لتغييرها بهذه السرعة؟!، مع الإشارة هنا إلى أن التسعيرتين غير مرضيتين للمزارع.

في الحقيقة الحكومة بإصدارها التسعيرة الجديدة تبدو وكأنها أرادت قطع الطريق على ما كان يمكن أن يحمله مؤتمر الحبوب السنوي، لجهة مراجعة سعر استلام القمح، وانفردت بإقرار التسعيرتين، حيث كانت كل الأنظار تتجه للمؤتمر الذي سيعقد خلال أيام ويشارك فيه "ممثل الفلاحين" ونقصد اتحاد الفلاحين، الذي ندد بالتسعيرة الأولى وطالب في تصريحات لمسؤوليه أن تعدل إلى 3300 ليرة،  أي بفارق 1000 ليرة عن التسعيرة الأولى و500 ليرة عن  الثانية.

تظهر تسعيرة استلام القمح للموسم الفائت (2022)، حجم الغبن الذي يتعرض له مزارع القمح في هذا الموسم، حيث بدت تسعيرة العام المنصرم على علاتها أفضل من التسعيرة الحالية بعد تعديلها.

لكن "النكتة" في تقديرات الحكومة لسعر استلام أقماح الفلاحين، تكمن بمحاولتها لعب دور التاجر الشاطر الذكي "الحربوق"، بأن ترفع سعر الاستلام للكيلو في التسعيرة الثانية بمقدار 200 ليرة، وتضيف عليه 300 ليرة كـَ مكافأة!، هذه المكافأة بزعم الحكومة لا تدخل بحسابات التكاليف، إنما ستضاف إلى هامش الربح، على الأقل الحكومة تريد أن تصل الرسالة على هذه الشاكلة!.

من جانب آخر تظهر تسعيرة استلام القمح للموسم الفائت (2022)، حجم الغبن الذي يتعرض له مزارع القمح في هذا الموسم، حيث بدت تسعيرة العام المنصرم على علاتها أفضل من التسعيرة الحالية بعد تعديلها، ففي العام الفائت اشترت الحكومة كيلو القمح من الفلاحين بـ 2000 ليرة سورية، وبـ 2100 ليرة للأقماح المسلمة من المناطق غير الآمنة، ولأننا بدأنا الحديث بمقاربة الأسعار وفق تحرك سعر غرام الذهب، نشير إلى أن سعر غرام الذهب في العام الفائت عندما بدأ الفلاح تسليم القمح لمؤسسة الحبوب كان يتأرجح عند عتبة الـ 200 ألف ليرة سورية، بمعنى أن طن القمح كان يساوي أكثر من 10 غرامات ذهب عيار 21، بينما السعر الحالي يجعل قيمة طن القمح بحدود 6 غرامات فقط!.

ما يجعل الحكومة تتعسف بتسعير القمح كل عام، هو اعتقادها، أنها المشتري الوحيد، وأن احتكارها لهذا المحصول مبرر لما قدمته (أسمدة وبذار ومحروقات) بأسعار مدعومة.

طبعاً قد يذهب البعض إلى طرح سؤال من قبيل: "ما الذي جعلنا نـربط بين سعر الذهب وسعر استلام القمح؟!، هنا يمكن أن نجيب بعجالة وبعيداً عن الخوض في التفاصيل بأن السبب الرئيس لتقلبات سعر الذهب في السوق المحلية متعلق بتقلبات سعر صرف الليرة، بمعنى أن مستلزمات إنتاج الموسم القادم ستكون وفق سعر الصرف الجديد، وبهذا يذهب هامش ربح الفلاح فروق أسعار، وهذا لا يصب في مسعى تشجيع زراعة القمح!.

على كل حال ما يجعل الحكومة تتعسف بتسعير القمح كل عام، هو اعتقادها، أنها المشتري الوحيد، وأن احتكارها لهذا المحصول مبرر لما قدمته (أسمدة وبذار ومحروقات) بأسعار مدعومة، وهذا غير صيحيح، فالمتربصون بموسم القمح كثر، وطالما أن سعره الرائج أعلى من سعر الحكومة، فستكون حصة مؤسسة الحبوب أقل مما هو متوقع بكثير، ومن جهة أخرى فإن دعم الحكومة لهذا المحصول الاستراتيجي بقي في حدوده الدنيا، والوقائع على الأرض أن الفلاح كان يلجأ دائماً إلى السوق السوداء لتأمين المحروقات والأسمدة!.

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني