"رمونا عظماً".. متقاعدون يروون لـ"المشهد" تجربة التقاعد: رواتب هزيلة.. حتى التأمين الصحي انتزعوه منا!. مدير هيئة الاشراف على التأمين: تأمين المتقاعدين صحياً من التأمينات الخطرة.. ونسعى أن يكون إلزامياً!.

"رمونا عظماً".. متقاعدون يروون لـ"المشهد" تجربة التقاعد: رواتب هزيلة.. حتى التأمين الصحي انتزعوه منا!. مدير هيئة الاشراف على التأمين: تأمين المتقاعدين صحياً من التأمينات الخطرة.. ونسعى أن يكون إلزامياً!.

ميسون حداد | المشهد


إذا كان الموظف القائم على رأس عمله في هذه الظروف يعاني الأمرين في تدبر أموره المعيشية ويضطر لمزاولة أكثر من عمل، فكيف الحال بالنسبة للمتقاعدين؟، ولعل من المفارقات العجيبة التي تزيد من معاناة الموظف الحكومي بعد تقاعده هي تلك التي تتعلق بالتأمين الصحي،  حيث تسحب بطاقة التأمين الصحي من الموظف فور تقاعده، أي في الوقت الذي يحتاجها فعلاً، بينما غالباً يمضي الموظف حياته الوظيفية دون أن يستخدمها، لكن مع كبر السن حتماً تكثر الأمراض والحاجة إلى العلاج والدواء.


كل محاولات تقبيح التقاعد ليست صحيحة، كما محاولات تجميله أيضاً، فالظروف هي التي تحكم

يرفض الصحفي ديب علي حسن في حديثه للمشهد عن تجربته التقاعدية، تلك الصورة النمطية عن مرحلة ما بعد التقاعد،  ويعتر أن الظروف هي من تحدد قبحها أو جمالها ويقول: "بداية لابد من الإشارة إلى أنّ كل محاولات تقبيح التقاعد ليست صحيحة، كما محاولات تجميله أيضاً، فالظروف هي التي تحكم، تجربة التقاعد جميلة وممتعة، حين نستطيع أن نسافر ونقوم بما لم نقم به، حين تتوفر الرعاية والعناية الأدبية والأخلاقية والصحية. 
ويرى "حسن" بحسب تجربته بأن التقاعد في بلدنا وبظل هذه الظروف رحلة ألم ومعاناة، ويضيف: "كأنهم يقولون لك أنت شيء ما تم استعمالك، هيّا بك إلى مقلب النفايات!، فلا تأمين صحي، ولا راتب تقاعدي يسد بالحد الأدنى احتياجات الدواء، وحين احتجنا التأمين الصحي أخذوه منا، مع أنّ المتقاعد هو الأكثر حاجة للتأمين الصحي!.

يتابع "حسن" مبيناً فداحة الخلل بين متطلبات المتقاعد وما يمكن أن تمنحه له مؤسسته أو النقابة التي يتبع لها: "بالنسبة لنا كصحفيين فراتب اتحاد الصحفيين أكثر من هزيل، ولا معنى له 13500ليرة  فقط وخلال العام يقدمون مبلغ 25 ألف ليرة كوصفات طبية لم تعد تكفي ثمن علبة دواء واحدة!.


بعد تقاعدي أصبت بوعكة صحية ولم يَصرف لي التأمين حتى النّذر اليسير ممّا تكلفته، لذلك انسحبت من التأمين الصحي

"كنت أشعر أنّي سأموت بعد التقاعد" بهذه الجملة بدأت الصحفية والتربوية عفاف لطف الله حديثها عن تجربتها للمشهد، وتضيف: كان وقتي كله مشغولاً بالعمل والإنتاج، ولكن بعد التقاعد، اعتدت على نمط جديد من الحياة، وأصبحت أستطيع الاعتناء بصحتي أكثر، لكن الراتب التقاعدي لا يكفي لشيء أمام الغلاء الحاصل، وتشير إلى الزيادات على الرواتب في السنوات الأخيرة  وتقول: "كانت زيادات غير مجدية مقارنة بارتفاع الأسعار، وهي تُمنح للمتقاعد بنسبة أقل من الذي لا يزال على رأس عمله، وربما هذا يحمل وجهة نظر، بأنّ من هو على رأس العمل يقوم بمهمات وعليه عبء أكبر في العمل، ولكن المتقاعد تزداد لديه أعباء المعيشة والحياة والأعباء الصحية، ويفضل أن يكون الفارق بسيط، بينما المنح فنأخذها كاملة كمتقاعدين وهذه نقطة إيجابية ومضيئة.

أما بما يتعلق بالتأمين الصحي تروي لطف الله: "بعد تقاعدي أصبت بوعكة صحية ولم يَصرف لي التأمين حتى النّذر اليسير ممّا تكلفته، لذلك انسحبت من التأمين الصحي لنقابة المعلمين لتعذر الحصول على الأدوية على حساب التأمين!.


تمّ إبطال عقدي التأميني بعد التقاعد مباشرة وإلغاء البطاقة، وهذا أمرٌ مُستغرب وغير لائق كإجراء حكومي جائر بحق المتقاعدين


بينما يعمل الصحفي علي محمود جديد وفق مبدأ "صاحب الفكر لا يشيخ ولا يتقاعد"، وما زال اسمه متداولاً عبر مواد صحفية في عدة وسائل ومواقع إعلامية، وعن هذه التجربة يقول جديد للمشهد: "في الحقيقة لا يمكن التعويل على راتبي التقاعدي، فبعد أربعين عاماً في العمل الصحفي لا يتجاوز  103  آلاف ليرة فقط، ومع هكذا رواتب يرى "جديد" أن أغلب المتقاعدين في سورية لا يستطيعون الاقتراب من خط الفقر، لأنهم انزلقوا تحت هذا الخط وصولا للفقر المدقع.

وباستغراب شديد مترافق بعدم رضى، يتابع "جديد" حديثة: "تمّ إبطال عقدي التأميني بعد التقاعد مباشرة وإلغاء البطاقة، وهذا أمرٌ مُستغرب وغير لائق كإجراء حكومي جائر بحق المتقاعدين، فما هو الضرر فيما لو تمّ الإبقاء على عقد التأمين مادام المتقاعد مستعد لمواصلة دفع اشتراكاته التأمينية؟ّ!، كان من المفترض أن يُخيّر كل متقاعد فيما إن كان يرغب بالاستمرار في عملية الضمان الصحي شريطة الالتزام بتسديد ما يترتب عليه من أموال، أو لا يرغب، أو تُكلف سواء التأمينات الاجتماعية أو التأمين والمعاشات بصياغة عقدٍ تأميني جديد.

ويتابع قائلاً: "لم يكن الأمر يحتاج إلى كل هذه الوعود الفضفاضة التي نسمعها بين يوم وآخر عن مشروع التأمين الصحي للمتقاعدين، والمضحك المبكي في هذا الموضوع أن أمره يجري بتباطؤٍ شديد وكأن المتقاعدين شباباً أشدّاء لا مشكلة عندهم إن حصل هذا التأمين أم لم يحصل، في حين أن العديد منهم يقاسون مرارة الاحتياج للرعاية الصحية.

مدير هيئة الاشراف على التأمين: تأمين المتقاعدين صحياً من التأمينات الخطرة.. ونسعى ليكون إلزامياً!.

يشمل المرسوم التشريعي رقم 46 لعام 2011 متقاعدي الدولة والقطاع العام بالتأمين الصحي الاختياري للمتقاعد، ويشير الدكتور رافد محمد مدير عام هيئة الإشراف على التأمين إلى أنه منذ صدور هذا المرسوم حاولنا كهيئة الإشراف على التأمين وكمؤسسة عامة للتأمين تفعيل هذا المرسوم ولكن "الاختيارية" في التأمين تحكم على تطبيق التأمين بعدم النجاح حكماً، وهذا أمر تأميني متعارف عليه عالمياً في التأمينات الخطرة جداً.

ويضيف مؤكداً: "تأمين المتقاعدين اختيارياً، لا يمكن نجاحه، وكررنا الموقف منذ عام 2011 وحتى عام 2021 بضرورة تعديل المرسوم وأن يكون التأمين يشمل جميع المتقاعدين حتى نستطيع الانطلاق به رغم خطورته حتى لو ألزم جميع المتقاعدين.

ويتابع محمد: "عندما نؤمن /800/ ألف متقاعد عندها نستطيع القيام بهذا المشروع، وبنفس الوقت ينخفض قسط التأمين مع الأعداد الكبيرة، وينخفض العبء على المؤمَّن له الواحد وهذا جوهر القضية.

وبحسب مدير هيئة الاشراف على التأمين فإن عقود تأمين المتقاعدين اختيارياً الموجودة اليوم في المؤسسة العامة السورية للتأمين وعددها 4 عقود فقط، تخسر سنوياً وتضطر المؤسسة لرفع قسط التأمين السنوي للمتقاعد بأضعاف مضاعفة، ومع ذلك هذا العقد خاسر والسبب الأساسي هو ما يسمى بالانتقائية السلبية.

ويشير إلى أن عقد تأمين المعلمين المتقاعدين لعام 2021 كان قسط التأمين السنوي /90/ ألف ليرة وكان العقد خاسراً مالياً مع أنَ عدد المشتركين بالتقاعد بلغ حوالي /12/ ألف متقاعد، ويضف: "اضطّرت المؤسسة لرفع القسط ل /175/ ألف ليرة وبالتالي انخفض أيضاً عدد المتقاعدين المنتسبين للتأمين، وهنا الخطر المحقق الذي يجعل العقد خاسراً حكماً.

ويرى "محمد" أن المتقاعد ليس قادراً على دفع هذا المبلغ فالراتب التقاعدي قيمته حوالي /90/ ألف ليرة سورية تقريباً، وهذا العام الرقم /175/ ألف سيرتفع بالتأكيد، مما يشكل للمتقاعد عبئاً لا يتناسب مع راتبه، وبالتالي لن يشترك بالتأمين إلا الشخص المدرك أنه مهما دفع ففائدته من التأمين أكبر من القسط المدفوع.

مديرة التأمين الصحي والحياة في السورية للتأمين: عقدنا مع نقابة المعلمين خاسر بنسبة 200 %

بدورها تبين عزيزة قلّاع مديرة التأمين الصحي والحياة في المؤسسة السورية للتأمين بأن لدى المؤسسة حالياً عدة عقود للمتقاعدين مع نقابات (المعلمين والمهندسين والمهندسين الزراعيين والمحامين)، وتقول في تصريح للمشهد: "نحن نقدّم لهم تأمين صحي وتأمين حياة، ويختلف العقد من نقابة لأخرى حسب القدرة المالية للنقابة، وفي بعض النقابات بحسب اختيار الأعضاء.

وتتابع قلاع: "نحن كمؤسسة تأمين، مؤسسة اقتصادية، لا نستطيع أن نأخذ من المؤمن /100/ ألف ليرة مثلاً ونعوضه ب 5 مليون، يجب أن يكون هناك توازن بين السعر والتغطية، ومع ذلك فعقدنا مع تلك النقابات خاسر، فعلى سبيل المثال عقدنا مع نقابة المعلمين خاسر بنسبة 200 %، ومع ذلك نتمنى من الاتحاد العام لنقابات العمال، أن يشجع جميع النقابات للاشتراك بالتأمين الصحي، وأن تسعى النقابات كافةً لتأمين المنتسبين إليها.

إعداد مشروع صك لتأمين المتقاعدين كافةً

يتابع مدير هيئة الاشراف على التأمين حديثه حول مساعي الهيئة لإنصاف المتقاعدين ويقول: "نحن مدركون تماماً لأهمية تأمين المتقاعدين الذين قدّموا سني عمرهم في خدمة الدولة ولهم الحق والأولوية بالتأمين والرعاية صحية بعد التقاعد، وهذا ما دفعنا لإعداد مشروع صك لتأمين جميع المتقاعدين.
وبحسب "د.محمد" هذه الدراسة جرى العمل عليها في أواخر عام2021 وأوصت بها اللجنة الاقتصادية بناءً على مقترح من هيئة الإشراف على التأمين والمؤسسة العامة السورية للتأمين عن طريق وزارة المالية، وعُرضت على مجلس الوزراء الذي اقترح الموافقة على إصدار الصك التشريعي.

وفي تفاصيل هذا المشروع يكشف د.محمد: "المقترح يتعلق بالبدء مباشرة بتأمين صحي لجميع المتقاعدين، تشمل الإجراءات داخل المشفى أي العمليات الجراحية وأي إجراء ضمن المشافي على أن تتحمل الخزينة العامة للدولة دعم قسط التأمين بقيمة 90 % من القسط مهما بلغ هذا القسط فيما يتعلق بتغطية داخل المشفى وهذا يُعتبر دعم كبير جداً كمشروع صك تشريعي.

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر