قد لا نحظى بحكومة صادقة.. على الأقل نريدها "تجيد الكذب" !

قد لا نحظى بحكومة صادقة.. على الأقل نريدها "تجيد الكذب" !

قد تضطر الحكومات للكذب أو لنقل المناورة على قول الحقيقة، في بعض التفاصيل أو الأرقام أو القضايا، هي تناور ريثما تتفادى مشكلة ما، طبعاً إن كان في افشاء حقيقتها ما قد يفاقمها، كأن يحدث نقصاً طارئاً في مخازين مادة أساسية، فتقول عبر إعلامها أو أحد الناطقين باسمها، بأن خللاً ما حدث في توزيع هذه المادة ومنع وصولها بالشكل المطلوب الى بعض منافذ البيع، أو الى كل المنافذ، وأن العمل جار على تلافي الخلل في غضون ساعات أو أيام، هي لا تريد أن تكشف أن المخازين من المادة وصلت الى حدود مقلقة، هي لا تريد أن يصاب المواطنين بالهلع، الأهم هي تعلم أنها قادرة على تلافي المشكلة في وقت قريب.

لم تزعجني بعض كذبات المسؤولين، حول سبب رداءة الخبز، وأسعدني تمكنهم في غضون أسبوع من تجاوز المشكلة نسبياً، ولو أنهم لجأوا الى رفع سعره، وربطوا ذلك بتحسين جودته.

في واحدة من أسوأ الفترات التي مرت خلال الحرب، وجه وزير التجارة الداخلية الاسبق "جمال شاهين" مذكرة الى رئاسة مجلس الوزراء تقول ان مخازين "الطحين" في بعض المحافظات بدأت بالنفاذ وتكفي على ما أذكر (يومين في حمص وثلاثة أيام في حماة ونحو اسبوع في دمشق.. بينما تتكدس المخازين في المحافظات الشرقية)، أظنكم تذكرون تلك الفترة في شتاء العام 2015، عندما أكلنا الخبز الاسود، وتخلص بعض أهالي حمص من الخبز بسبب رائحته الغريبة، كنت أراقب على مدى أيام من تلك المذكرة، تصريحات الحكومة حول أزمة الخبز، ووعودها لحل هذه المشكلة، كانت الناس تذهب الى الافران، وتقف في طوابير لكن في النهاية تحصل على خبزها، وهو وان كان اسوداً وغير صالح للاستخدام في اليوم التالي وأحياناً في نفس اليوم، لكنه يبقى خبزاً، وقتها يبدو أن الجهات المعنية قررت أن تخفف من نسبة الاستخراج أو ربما خلطت الطحين بالنخالة، لا يهم، الاهم حينها أن لا يعود أحد الى عائلته بدون خبز، وللأمانة: "لم تزعجني بعض كذبات المسؤولين، حول سبب رداءة الخبز، وأسعدني تمكنهم في غضون أسبوع من تجاوز المشكلة نسبياً، ولو أنهم لجأوا الى رفع سعره، وربطوا ذلك بتحسين جودته.

مشكلة السوريين مع حكوماتهم خلال الأزمة ليست بسبب أنها حنثت بوعودها مراراً وتكراراً حول تحسين مستواهم المعيشي وحسب، انما في في إصراها على اطلاق الشعارات الرنانة والعمل على الأرض بما يناقضها تماماً

 

ثمة ما يدفع المواطن لاحترام أو لنقل الصفح عن كذبات الجهات الحكومية، شرط ألا تتخذ من الكذب نهجاً وشعاراً، وان اضطرت "للكذب" في حدود المعقول عليها أن تنتقي كذبة لبقة ذكية ومقبولة، تحترم عقل المكذوب عليهم، فليس من شعب على وجه الأرض يطمح بحكومة صادقة بالمطلق، وسيشعر ببعض الرضى في حال كانت تتقن فن المناورة، أو لنقل أنها بارعة في اختراع "كذبة حميدة".

مشكلة السوريين مع حكوماتهم خلال الأزمة ليست بسبب أنها حنثت بوعودها مراراً وتكراراً حول تحسين مستواهم المعيشي وحسب، انما في في إصراها على اطلاق الشعارات الرنانة والعمل على الأرض بما يناقضها تماماً، كأن تصرح الحكومة بأنها ستخفض تكاليف الانتاج وصولاً لتخفيض الاسعار، وفي اليوم التالي ترفع أسعار المشتقات النفطية، والاسمنت، والحديد، والكهرباء والماء.. الخ، حدث ذلك في غير مناسبة، مؤخراً اجتمع وزير التجارة الداخلية بالصناعيين وطالبهم بتخفيض الاسعار، وزيادة الانتاح، هذا الاجتماع الذي انعقد بعد ساعات من رفع أسعار (البنزين والمازوت) ليس سوى مناورة على حقيقة أن الاسعار لن تنخفض في ظل ارتفاع تكاليف الانتاج، وأن عجلة الانتاج لن تدور بدون توفر جميع مستلزماته، ثم يأتي الدور على وزير الصناعة ليقول انه لا سبيل للمواجهة الاقتصادية الا بالانتاج، بينما كل اجراءات الفريق الاقتصادي مؤداها خنق قطاعات الانتاج بدءاً من تقييد حركة رؤوس الأموال وصولاً الى اضعاف القوة الشرائية!.

تتأخر الجهات المعنية باستمرار بتسليم مخصصات "البطاقة الذكية" من الرز والسكر والمازوت والبنزين والغاز، ثم تناور، وتمضي أشهر في داراسة ملف الدعم والشرائح المستحقة، وتطلق مئات التصريحات عن كلفة الدعم المقدم!، وعن جهودها في سبيل ايصاله لمستحقيه!، تناور أكثر في أرقام الصادرات، لاعتقادها أن ذلك يقع في ميزان أعمالها، بينما في الحقيقة هي إن صدرت تصدر كل ما يفيض عن قدرة المواطن الشرائية، وليس نتيجة ارتفاع معدلات الانتاج.

قرار السماح بتصدير "الثوم" مثلاً والهالة الاعلامية التي روجت له بأنه سيمنع خسارة الفلاحين، يصبح بلا طعم ولا رائحة (مجرد تشليف) عندما يتكشف أن توقيته لن يسمح بتصدير كيلو غرام واحد، (فالانتاج المتزامن مع سريان مفعول القرار، انتاج من النوع البلدي وغير القابل للتصدير أصلاً.. كما أن الاسواق المستهدفة خلال فترة الشهرين تكون مكتفية)، في حين أن قرار منع تصدير هذه المادة خلال الفترة السابقة لم يصب في صالح المستهلك فأطنان من محصول السنة الفائتة بقيت مكدسة في البرادات، على ما يؤكد مصدرون!!.

بيان "الاتصالات" وتبريرها قرار رفع الأسعار كان وقعه على الناس أسوأ بكثير من القرار ذاته!.

تعود الهيئة الناظمة للاتصالات لتستخدم نفس المبرر الذي سبق واستخدمته وزارة الكهرباء عندما رفعت أسعارها، تحاول "الاتصالات" أن تقنع الناس أن قرار رفع اسعار المكالمات والخدمات، اتخذ لتتمكن الشركات المشغلة من الاستمرار، في حين أن أرباح تلك الشركات تبدو "خيالية" مقارنةً بخدماتها الرديئة، والـحقيقة بيان "الاتصالات" وتبريرها قرار رفع الأسعار كان وقعه على الناس أسوأ بكثير من القرار ذاته!.

على رداءة فكرة تشكيل لجنة لتهيئة الرأي العام قبل اتخاذ القرارات التي تمس حياة الناس المعيشية، والتي أوحت للشارع أن الأسوأ لم يأت بعد، الا أنها كانت تحمل شيء من الايجابية بأن هذه الحكومة لا زالت تقيم بعض الوزن لرأينا!، بمعنى أننا قد نحظى ببعض المبررات اللطيفة المهذبة لصدور قرارات قاسية، وهو ما لم يحدث، انما على العكس، ارتفع منسوب اللامبالاة حيال رأي الناس ومشاعرهم.

على كل حال قد لا نحظى بحكومة صادقة، لكن على الأقل نريدها "تجيد الكذب" لا لشيء فقط لتشعرنا أنها لازالت تكن لنا بعض الاحترام، وتحسب لعقلنا ورأينا وموقفنا بعض الحساب.

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني