"هيبة الدولة" وحرية التعبير

"هيبة الدولة" وحرية التعبير

لا شك أن الكلمة مسؤولية فهي تعبير عن رأي وموقف، وكثيراً ما تكون الكلمة أشد فتكاً من الرصاصة بالنظر إلى مطلقها وموقعه وأثره في المجتمع المحلي والعالمي، وبالرغم من ذلك حرصت معظم دساتير الدول على ضمان حق الفرد في التعبير عن رأيه بالكلمة ووضعت ضوابط قانونية تتحقق فيها المعادلة الحساسة جداً بين حرية الرأي والتعبير من جهة وحماية الدولة والمجتمع والأفراد من التشهير والإساءة من جهة ثانية.

هل هناك حرية رأي مطلقة في أي دولة من دول العالم؟ قد يقول البعض نعم وأنا أشك في ذلك. فهل يندرج ما نشرته صحيفة شارلي إيبدو الفرنسية عن الرسول الكريم يأتي في إطار حرية التعبير؟ وماذا عن الرسوم الكرتونية للرسام الدنماركي للرسول محمد؟ إذا كانت كذلك فما حال من يكتب عن الهولوكوست في أوروبا تشكيكاً أو اتهاماً ؟ هل ستطبق الدول الأوروبية نفس المعيار تحت مبدأ حرية الرأي؟ 

في الحالة الأولى دافعت الحكومات الغربية عن الناشرين تحت عنوان حرية الرأي والتعبير المكفولة بالدستور والقانون وفي الحالة الثانية حُكم بالسجن سنة على الكاتب والمفكر الفرنسي روجيه غارودي بتهمة معاداة السامية أي بعبارة أدق ( معاداة الصهيونية).

ما سبق هو مقدمة لمناقشة ما ورد في مشروع قانون الجريمة الإلكترونية الذي يناقشه مجلس الشعب هذه الأيام وقد ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالحديث عنه والانتقاد لبعض المواد التي ينص عليها مشروع القانون دون غيرها، نظراً لحساسيتها للمواطن السوري الذي اعتاد استخدام وسائل التواصل كمتنفسٍ له لتوجيه النقد والاتهام لما يراه خاطئاً أو من يعتقد أنه مخطئاً.

ومما لاشك فيه أنّ مشروع القانون الذي نشرت بعض فقراته يحتوي مواد مهمة تحفظ حقوق الناس وتحميهم من أي انتهاكات وعمليات ابتزاز عبر الإنترنت وتطبيقاتها، لكن حديث الناس تركز حول المادة المتعلقة بالعقوبات لمن ينشر أخباراً كاذبة تمس هيبة الدولة.

لكن ما معنى "هيبة الدولة"، وما هو بالتحديد هذا المصطلح الذي يطلقون عليه اسم "هيبة الدولة" وأن المساس به من قبل شخص أو الإساءة إليه بعبارة هنا أو خبر كاذب هناك ينتهي به في السجن لعدة سنوات؟

هل مفهوم "هيبة الدولة" عصي على التعريف والتحديد؟ 

بالبحث عن معنى كلمة "هيبة" في القاموس تجد أن معظم قواميس اللغة تجمع على أن جذرها من كلمة (هاب - يهاب ، هيباً وهيبةً ومهابةً) و (هابه: خافه وحذره/ هابه: أجلّه، عظّمه، احترمه) وهي بالتالي تعني الخوف والخشية والحذر والاحترام المقترن بالخشية، فهل على الناس أن تخاف وتخشى الدولة ومؤسساتها؟ ومما تخافها ولماذا؟ 

أسئلة قد ينأى الكثير منا عن الخوض فيها، لكن طالما العبارة موجودة في القانون فينبغي طرحها ومناقشة المفهوم من زوايا قانونية ومعرفية تجعل المواطنين أكثر اطلاعاً عليها كي لا يقعوا في المحظور.

إن معادلة حماية الدولة ومؤسساتها ومكوناتها من محاولات التشهير والإساءة والإثارة من قبل أفراد وأشخاص قد يستخدمون ضدها ضمن أجندات الدول المعادية مع الحفاظ على حرية الأفراد بالتعبير عن أرائهم وفق ما نصّ عليه الدستور، مهمة ليست باليسيرة لكنها ليست مستحيلة. هذه المعادلة تتشكل من فرض الدولة سلطة القانون على جميع المواطنين على قاعدة المساواة والعدالة وكذلك في تقديمها الخدمات وتأمينها للمواطنين بالشكل الذي يضمن حماية حقوقهم ويعزز ثقتهم بأن الدولة منجاتهم من تعدي الآخرين وظلمهم، مقابل أن يقوم الفرد (المواطن) بواجباته تجاه بلده (دولته) في العمل والإنتاج والدفاع عنه والالتزام بقوانينه، لتشكل هذه المعادلة عامل ردع عام من إمكانية التطاول على هيبة الدولة بمؤسساتها ووزاراتها التي ينظر إليها المواطن باحترام.

هيبة الدولة من هيبة القانون

فهيبة الدولة إذاً تأتي من فرض سيادة القانون وتطبيقه على الجميع بدون استثناء ومنع التجاوز عليه سواء بالكلام أم بالفعل ومعاقبة من يفعل ذلك، وهذا ينطبق أيضاً على موظفي الدولة القائمين على إنفاذ القانون وتقديم الخدمات والذين يمثلون - بالنسبة للمواطن - الوجه المادي أو الفيزيائي للدولة والذين قد يمارسون أفعالاً وتصرفات أثناء ممارسة وظائفهم تنال من صورة الدولة وتسيء لهيبتها أمام المواطنين.

بهذا المعنى فإن غالبية المواطنين ضد المساس بهيبة الدولة وكل من يحاول التجاوز عليها، لكن في نفس الوقت على الحقوقيين ورجال القانون ومن يعمل في الشأن القانوني وأهل الاختصاص (وأنا لست منهم) أن يضعوا في القانون تعريفاً دقيقاً وحدوداً لمصطلح "هيبة الدولة" (إذا ما بقي ضمن القانون المقترح) تسهل على الناس عدم التجاوز عليها من جهة وتساعد القضاء في تحديد الجريمة إذا ما وقعت من جهة ثانية، وألاّ يبقى المصطلح هلامياً يمكن أن يطال كل من يكتب رأياً نقدياً مفيداً للدولة ومؤسساتها أو من يكتب عن حالات فساد فيها.

تحديد المفهوم يحمي الدولة والمواطن.

إن هذه المهمة تقدم خدمة للدولة ومؤسساتها وتساهم في تكريس احترام الدولة وهيبتها ومنع التجاوز عليها عمداً كان أم دون قصد وخصوصاً في زمن وسائل التواصل الاجتماعي التي جعلت معظم المواطنين ناشرين لا يتمتعون بالخبرة الكافية التي تحصنهم من الوقوع بين مطرقة القانون الجديد وسندان عقوباته القاسية دونما إدراك منهم لمخاطر ما ينشرون أو يكتبون. 

ختاماً يمكن القول أن هيبة الدولة تنشأ من الثقة المتبادلة بين المواطن ومؤسسات الدولة وتكريس مبدأ سيادة القانون على الجميع، وهذه مهمة تتبوأ الدولة فيها المسؤولية الكبرى، فمنها تكسب احترام المواطن وتفرض هيبتها واحترامها على الجميع.

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني