أنا المواطن المنتصر "المهزوم".. أكتب لكم من فرط السعادة عن التضخم وأشياء أخرى!

أنا المواطن المنتصر "المهزوم".. أكتب لكم من فرط السعادة عن التضخم وأشياء أخرى!

اعذروني.. لم أعد أطيق صبراً، أريد أن أخبركم اني سعيد ومنتصر، وكم هو جميل شعور المنتصر؟، لذلك أقدم لكم هذه السردية المطولة، هذه المشهدية المفعمة بالغبطة، لأضعكم في تفاصيل صناعة نصري المؤزر.

قبل قليل فقط كنت في متجر لبيع (قطع غيار سيارات)، وقفت مذعوراً.. لا بل مذهولاَ.. لا لا مزهواً.. نعم هذه هي العبارة الأنسب "مزهواً"، وأنا أتقاضى ثمن "بطارية" سيارتي القديمة، بعد أن استهلكتها عن آخرها لسنتين وشهر بالتمام والكمال، تخيلوا معي بعد سنتين وشهر استرديت ثمن البطارية (القديمة والفارغة والتالفة) من نفس التاجر وبنفس القيمة.. أربع وعشرون ألفاً عداً ونقداً أخذتها عنوةً بقوة العرض والطلب، من تاجر بيع قطع الغيار، نظرت في عينيه وهو يعد النقود، نظرت بقوة، ويداه ترتجفان.. كلا.. في الحقيقة لم ترتجفان إنما أنا من كنت أهز رأسي من فرط السعادة والزهو.

الان تعالو لأضعكم في تفاصيل المشهد، تعالوا وشاركوني فرحتي بهذا النصر الساحق، الذي لم يكن ليتحقق لولا حنكة فريقنا الاقتصادي في إدارة شؤوننا.. واعذروني على الإطالة:

المشهد رقم 1
"بعد أن استنفذت كل محاولات التحايل لإطالة عمر بطارية السيارة، وبعد أن خذلتني مراراً وتكراراً، استجمعت كل قوايا المادية والنفسية، واتخذت قراراً بالتغيير -نعم التغيير- واتجهت إلى "زقاق الجن" أو بلكنة أهل الشام "صئاء الجن"، دخلت إلى عقر دارهم وأقصد "التجار".. نعم ومن غيرهم يسكن هذا الزقاق -الجن بريء هذه المرة- وقفت بباب المتجر متسلحاً ببعض أمل علَّ نتائح فحص "البطارية" تسفر عن إمكانية إطالة عمرها ولو لأشهر، لكن لا.. خاب أملي.. وبدأ "الصانع" بانتزاع الأكبال.. وهنا وقفت مذعوراً.. للأمانة أحسست أنه ينتزع أوردة قلبي لا "الأكبال".. حينها عدت إلى صاحب المتجر المنشغل بعد النقود وراء طاولته.. أوراق نقدية كثيرة كان يعدها.. رزم.. رزم.. يضعها في آلة عد النقود فتطلق صوتاً أشبه بصدا تصفيق الجماهير الكادحة في حفلات الرفاق الخطابية  خلال مناسبات النصر على الأمبريالية العالمة، وطلبت واحدة من نفس الماركة، فأخبرني أن هذا النوع لم يعد متوفراً، ولديه نوع آخر من نفس بلد المنشأ  لكن ليس بنفس الجودة (للأمانة الرجل ضميرو صاحي)، سألته: "كم ثمنها؟.. فأجابني: بمئتي ألف ليرة سورية، وهنا وقفت مذهولاً، هل تطور سعرها إلى هذا الحد؟!.. منذ عامين وشهر فقط اشتريتها بأربعة وعشرين ألفاً!.. ناولته رزمة فيها أربعين ورقة نقدية من فئة الخمسة آلاف، فوضعها في العدادة وعاد التصفيق لكن لم يدم طويلاً هذه المرة!، أثناء ذلك بادرني بسؤال هل ستبيع البطارية القديمة لنا؟، فسألته وهل تشترون بطارات قديمة؟.. نعم وسعرها بحسب وزنها يبلغ حوالي 23 ألف ليرة.. وهنا انتفخ صدري قليلاً بالهواء وانفرجت أساريري وكأني وقعت على كنز.. فقلت له بصرامة: "لا.. أنا أريد 24 ألفاً.. فابتسم ببلادة وقال: "رح أعطيك 25 ألف.. انت زبون قديم.. فقلت بإصرار: لا.. أنا أريد فقط 24 ألفاً لا أقل ولا أكثر.. فبذلك أسترد ثمنها الذي دفعته لك منذ عامين وشهر!.. فضحك من قلبه هذه المرة: "تكرم يا سيدي"، وبدأ يعد المبلغ يدوياً من الرزمة التي أعطيته إياها.. فسألته ماذا تفعل؟.. قال: "أعد لك النقود.. (المحتال يريد أن يفسد علي فرحتي بالنصر.. يحاول أن يوحي لي أني دفعت له ثمن البطارية الجديدة 200 ألف واسترديت ثمن القديمة 24 ألف فيكون الفارق لصالحه بـ 176 ألف).. طلب منه أن يتوقف وأردفت: "إنسى أني اشتريت منك واحدة جديدة.. ولنفترض أني فقط جئت لأبيعك البطارية القديمة.. والآن افتح الصندوق وناولني 24 ألفاً ومن فئة الـ 500 ليرة رجاءً.. وعد المبلغ على العدادة لا يدوياً.. هيا هيا لا تنظر إلى هكذا.. فأخرج بتململ واستغراب رزمة من فئة الـ 500 ووضعها بالعدادة وعندما وصل العدد إلى 48 ورقة نقدية سحب باقي الرزمة.. أخذت من يده النقود ووضعتها في جيبي وعادت منتفخة أكثر مما كانت، فأنا أعطيته أربعين ورقة نقدية وأسترجعت 48 ورقة!، ولأزيد من حنقه أخبرته إني سأعود بعد سنتين، لأبيعه هذه البطارية بعد أن تتلف بمئتي ألف ليرة.. من يدري أليس النصر صبر ساعة أنا سأنتظره سنتين!

المشهد رقم 2
خرجت من المتجر وركبت السيارة، (أقلع المحرك من أول محاولة) فهي مثلي سعيدة، ومنصرة أيضاً.. حرصت في طريق عودتي أن أطيل المسافة.. ألم أقل لكم إني سعيد؟.. واخترقت وسط دمشق والتففت حول ساحة المحافظة دورتين كاملتين، ومن فرط سعادتي أطلقت "زمورين" في الهواء بالقرب من وزارة الاقتصاد، ثم اتجهت إلى ساحة السبع بحرات، وأمام مصرف سوريا المركزي ووزارة المالية ألطقت "رشقة زمامير"، أحببت أن أشارك صناع القرار الاقتصادي وواضعي السياسات المالية والنقدية بهذا النصر العظيم.

المشهد رقم 3
في طريقي إلى المنزل، استوقفني الازدحام أمام أفران ابن العميد وتذكرت أني بحاجة إلى الخبز، إلى اليمين يقف باعة الخبز، لوحت لاحداهن فاقتربت.. بكم الربطة؟.. بألف.. اعطني اثنتين، أخرجت بزهو من جيبي المنتفخ رزمة "الخمسميات" وناولتها أربع ورقات زرق، فأنا سعيد ومنتصر وكان علي أن استبعد نفسي من شرائح المدعومين ككبار المساهمين والمكلفين تماماً، تابعت ووجدت نفسي وجها لوجه أمام وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، هممت بالنزول لأخبر الوزير بهذا الانجاز التاريخي فهو مثلي عدو التجار والمحتكرين، لكن تراجعت حسبت أنه مشغول بحل مشكلة الازدحام على أفران ابن العميد، وخشيت أن لا يهتم لنصري ويعتبره شخصياً بينما هو يبحث عن نصر شعبي!.

المشهد رقم 4
انحرفت إلى اليمين وطالعتني بسطات (الموز والرمان والبرتقال) المنتشرة إلى يمين الطريق ووقفت عند واحدة وسألت البائع بكم الموز؟.. في بـ 4000 وفي بـ 5000 .. أعطني 2 كغ من صنف الـ 5000، وأعطني 3 كغ رمان حلو لا حامض ولا لفاني، وصندوقة "كرمنتينا" كاملة فأنا اليوم سعيد ومنتشي بالنصر.. كم الحساب؟.. 22 ألف.. سحبت رزمة النقود وبدأت بالعد.. عددتها كلها.. صفنت قليلاً.. ثم سألته بخجل هل يمكن أن أعيد رمانة واحدة؟!.. حاولت أن أبقي دليل واحد على النصر الذي حققته  في متجر قطع الغيار.. الان كم أصبح الحساب؟.. أصبح 20800 ليرة.. فناولته 21 ألف من رزمة "الخمسميات" فتناول حبة كرمنيتينا من صندوقة أخرى ووضعها في صندوقتي.. لا تواخذنا معلم ما عنا "ميتينات" ويقصد الورقة النقدية من فئة 200 ليرة.. بقي معي ورقتين نقديتين فقط، وزال الانتفاخ من جيبي نهائياً، قلت في سري سأضعهما في مطمورة الأولاد، وبدأت أشعر وكأن جذوة الانتصار بداخلي بدأت تنطفئ، وتذكرت أول مبلغ نقدي وضعته في تلك "المطمورة".. كان منذ سنتين وهو 25 ألف، أكبر من ثمن بطارية في ذلك الوقت!، ورحت أفكر يا ترى كم صار المبلغ؟.. وأنا في غمرة التفكير كنت أسمع أصوات "زمامير" السيارات خلفي تتعالى.. خلت في بادئ الأمر أنهم مثلي سعداء قبضوا ثمن بطارياتهم "التالفة" وانتصروا على تجار قطع الغيار، ثم انتبهت أن الاشارة خضراء وأنا أعترض طريقهم!!.. 

المشهد رقم 5
سارعت إلى المنزل ودخلت من فوري إلى غرفة الأولاد وفتحت المطمور وبدأت بالعد.. أوراق نقدية كثيرة من مختلف الفئات وقطع معدنية لم أستعملها منذ زمن فئة الخمسين والخمس وعشرين ليرة، وبعد العد كان المبلغ صادماً لقد تطور من خمسة وعشرين ألف إلى مئة وتسع وتسعين ألف، ومع الألف المتبقية من رزمة "الخمسميات" يصبح  إجمالي المبلغ مئتا ألف ليرة!!، تماماً هو سعر البطارية الجديدة!، ورغم شعوري بالهزيمة والخذلان، أعدت النقود إلى "المطمور" وقررت بألا أخبر أطفالي بهذه الحسبة، ودعوتهم للاحتفال بوصول حجم مدخراتهم إلى مئتي ألف ليرة سورية، والان وفي هذه الأثناء نتباحث سويةً في التخطيط لصرف هذه الميزانية، نحدد كم سنخصص للإنفاق الجاري، وكم للاستثماري!.

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني