رجل حكومة وبياع خضرة؟!... لماذا حكم على القطاع الحكومي بالفشل دائماً؟..

رجل حكومة وبياع خضرة؟!... لماذا حكم على القطاع الحكومي بالفشل دائماً؟..

تحليل اقتصادي

المشهد - محمد الحلبي


ما دفعني لكتابة هذه المادة هو إحدى اللوحات للفنان القدير ياسر العظمة، عندما تساءل عن فشل القطاع الحكومي في كل القطاعات التي يتدخل بها، وأنا أجيبه هنا " رجل حكومي وبياع خضرة ما بيمشي الحال"..
بات معروف لدى الجميع أن الشهادة الجامعية هي دليل أن صاحبها رجل متعلم، ومثقف، لكن الحياة العملية تختلف تماماً عما تعلمناه وقرأناه في الكتب، ومن هنا بإمكاننا القول أن الأسواق لا يمكن إدارتها من خلف المكاتب، فخفايا الأسواق أكبر من أن تدار بإصدار وسن القرارات عن بعد، ولعل هذا السبب هو السبب الأول لفشل القطاع الحكومي وعدم قدرته على منافسة القطاع الخاص من جانب، وازدهار السوق السوداء من جانب آخر، حيث  اتخذ تجار هذين الطرفين من القرارات الحكومية مطية لازدهار تجارتهم، فالأول -القطاع الخاص- كان ولازال يجبر الحكومة على دعمه، وسن القوانين والتشريعات التي تضمن له الاستمرار بالسيطرة والتحكم بالأسواق، وبالتالي تحقيق أرباحاً كبيرة تحت مسميات عديدة منها دعم المنتج الوطني مثلاً، حتى بات المنتج الوطني أغلى بكثير من مثيلاته في الأسواق العالمية، ويضطر المواطن إلى شرائه لعدم وجود البديل، وينطبق ويتضح هذا الكلام جلياً في الجانب الزراعي، حيث أن بعض الفواكه المستوردة أرخص بكثير أو تعادل في سعرها الفواكه والخضار المنتجة محلياً، أما تجار السوق السوداء فلهم في كل قرار حكومي باب رزق جديد، ولنكتفي الآن بذكر آخر قرار أصدرته الحكومة، ألا وهو إيصال الدعم إلى مستحقيه من من مادة البنزين عن طريق الرسالة الالكترونية، ولعل الحسنة الوحيدة في هذا القرار هو اختفاء طوابير السيارات من أمام الكازيات، أما سلبيات هذا القرار فلسنا بصدد ذكرها الآن على كثرتها، إذ أن ما يهمنا الآن هو معرفة نتائج هذا القرار وانعكاساته على السوق السوداء، حيث ارتفع سعر تنكة البنزين (العشرين ليتراً) في السوق السوداء من 40 ألف ليرة إلى 100 ألف ليرة سورية مع الساعات الأولى لصدور هذا القرار، ويضطر العديد من المواطنين لشراء البنزين من هذه السوق للاستمرار بأعمالهم، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على عدم دراسة كل جوانب القرار رغم جانبه الإيجابي الوحيد، وبإمكاننا أن نسحب هذا المثال على كامل مفاصل العمل الحكومي..

ماذا لو؟

لقد حفظ المواطن السمفونية الحكومية عن ظهر قلب، ربطة الخبز تكلف كذا ونبيعها للمواطن بسعر كذا.. جرة الغاز تكلف كذا ونؤمنها للمواطن بسعر كذا.. كيلو الكهرباء الساعي يكلف كذا ونبيعه للمواطن بسعر كذا..  ليتر المازوت يكلف كذا ونؤمنه للمواطن بسعر كذا....إلخ ومع ذلك نجد المواطن مضطراً للتعامل مع السوق السوداء لأن مكرمات الحكومة لا تصل إليه!.. إذاً ما الحل؟ 
 نقول هنا ماذا لو تم خصخصة بعض القطاعات الحكومية، وأن نعزز عبارة الحكومة الشهيرة - إيصال الدعم إلى مستحقيه- لكن بطريقة أخرى، وهنا يبرز دور العمل الحكومي من خلف المكاتب، وتفعل الشهادات فعلها.. وذلك برفع الدعم ظاهرياً وتعويضه بشكل نقدي وعلى البطاقة الذكية لكل فرد من أفراد الأسرة بشكل شهري ( أو حسب ما تراه الحكومة مناسباً) وهنا يصبح المواطن حراً بشراء واختيار المواد التي تناسبه، أما السوق السوداء فستختفي لأن أسعار السلع والمواد ستعود إلى أسعارها الطبيعية بعد رفع الدعم عنها، وسنورد مثالاً هنا.. قررت الحكومة أن الفرد بحاجة إلى 10 ربطات من الخبز شهرياً، والربطة الواحدة تكلف 600 ليرة، أي أن الحكومة تدعمها ب500 ليرة، وبالتالي هي تدعم الفرد ب5000  ليرة شهرياً من مادة الخبز فقط، ولنفترض أن هناك أسرة مكونة من 5 أشخاص، إذاً تستحق هذه الأسرة مبلغ 25 ألف ليرة شهرياً عن الخبز فقط، كما تدعم الحكومة الفرد بحوالي 2000 ليرة شهرياً من مادة السكر والرز، إذاً فهي تدعم الأسرة المكونة من 5 أشخاص بحوالي 10 آلاف ليرة شهرياً من هاتين المادتين أيضاً، تضاف هذه ال10 آلاف إلى مبلغ الدعم السابق، وبهذه الطريقة يتم حساب كلفة الدعم للفرد الذي يتحدث عنه المسؤولين من باقي المواد - الغاز، المازوت، الكهرباء، الماء ...إلخ-  وتجمع قيمها جميعاً وتعطى للمواطن نقداً، وبهذه الطريقة فقط يصل الدعم إلى مستحقيه، وبهذه الطريقة فقط نستطيع القضاء على السوق السوداء، لأن أسعار السلع ستعود إلى أسعارها الحقيقية كما أسلفنا، وبذلك تأخذ الحكومة دورها الحقيقي بإدارة اقتصاد البلاد بعقلية رجل حكومي، وتضرب بيد من حديد كل من يحاول خرق أو زحزحة أمن لقمة عيش مواطنيها.. وبالتالي يصبح المواطن حراً بشراء ما بناسبه من تلك المواد دون أن يخسر حقه بأي مادة منها، وقد أثبتت الأزمة أن كل رب أسرة في سورية يستحق أن يكون وزيراً للمالية، فهو يؤمن حياة أسرته من العدم، ويستحق أن يصل الدعم ليده ليتمكن من تأمين لقمة عيش أسرته بعيداً عن طوابير الخبز وانتظار رسالة الغاز وما شابه..

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني