دور العجزة: بين القبول والرفض والحاجة والعقوق!

دور العجزة: بين القبول والرفض والحاجة والعقوق!

تنتشر دور المسنين في البلدان الغربية بشكل كبير والتي تعد جزءاً من ثقافة هذه البلاد فعندما يكبر الآباء في السن لا يجدون من يرعاهم نظراً للروابط العائلية الضعيفة، لدرجة أنهم يجمعون المال طوال حياتهم تحسباً لمثل هذا اليوم الذي سيمكثون فيه بدون أولادهم.

لكن من المثير للدهشة هو انتشار هذه الدور في بلادنا العربية ومنها سورية أيضاً، ولا يخفى على أحد أن الإسلام أعطى أهمية كبرى للوالدين في حياتنا وحثّ على برّهم والعناية بهم في الكبر وعدم الضجر منهما مهما كان الأمر، وفي ذلك نزلت الآية الكريمة حيث قال الله تعالى ”وَقَضَى رَبُّكَ ألَّا تَعْبُدُواْ إلَّا إيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَاناً إمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيماً ( 23 ) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَاِني صَغِيراً“.

فهؤلاء هم من اعتنوا بنا في صغرنا وقدموا لنا العون والمساعدة ووهبوا لنا من حياتهم وقوتهم وشبابهم، فعند تقدمهم في العمر يجب أن نكون بجانبهم ونهتم بصحتهم وباحتياجاتهم حتى نجعلهم سعداء كما أسعدونا يوماً.

ودور المسنين هي الحل النهائي لكبار السن الوحيدين أو عندما ترغب الأسرة من التحرر من التزاماتها ومسؤولياتها تجاه المسن أو بسبب ضعف دخل الأسرة وعدم تمكنها من الإيفاء بمتطلبات المسن الصحية وغيرها أو شعور المسن بأنه غير مرغوب به بمنازلهم لذا يفضلون الابتعاد عن البيت واللجوء إلى الدار.

ولمناقشة هذا الملف التقت المشهد رولا يعقوب يونس مدربة الدعم النفسي الاجتماعي حيث أكدت أن دور العجزة تقدم العلاج اللازم والفحص الدوري للمسنين غير أنها تهتم بصحة المريض النفسية ليقضي ما تبقى من عمره في سلام، كما تساعد على إشراك المسن في الأنشطة المختلفة سواء أنشطة اجتماعية أو أنشطة ترفيهية ليشعر أنه مازال جزءاً فعّالًا في المجتمع.

إلى جانب ذلك فهي تقدم التعامل اللطيف وتعين مختصين للاستماع للمسّن في حديثه، ففي أحيان كثيرة يشعر المسّن بالضجر والملل الزائد لعدم تفرغ أقربائه للحديث إليه مما يدخله في حالة من الحزن والاكتئاب، فيكون دور المختص هنا هاماً لإخراجه مما فيه من حزن.

وعادةً ما يدخل المسّن في حالة اكتئاب نفسي عندما يدخل للدار وذلك لأنه يعتبر هذه الدار هي المرحلة الأخيرة قبل الموت ولذلك فهو يحتاج وقتها لإعادة تأهيل نفسي وعناية دائماً حتى يشعر أن هناك فائدة من حياته.

وعلى الرغم من انتشار دور المسنين في البلاد العربية إلا أن هذا لا ينفي الروابط القوية التي لازالت موجودة بين أفراد العائلة، ويكون وجود المسّن في الدار فقط لعدم وجود من يهتم به، ويقوم أبناؤه بزيارته بعد تواجده في الدار ليشعرونه أنهم مازالوا بجانبه وأنه لازال يمتلك مكانة خاصة لديهم، فتذكر فضل الوالدين ومراعاتهم دائماً واجب علينا جميعاً حتى نوفي حقهم.

ولفتت يونس إلى الآثار النفسية للمسن في دور العجزة وهي:

قد يعاني المسن من الحزن والأسى والظلم والكآبة بسبب تخلي أولاده عنه أو أقاربه وإحساسه الشديد بأنه مرفوض مما يجعله يدخل في دوامة الفراغ الكبير والعزلة والوحدة القاتلة والفراق لمن يحب ومن قضى في رعايتهم أيام شبابه وقوته كما أنه يعيش في حالة رفض للواقع وكل هذه المشكلات النفسية قد تتطور لتصبح اضطرابات نفسية متمثلة بالاكتئاب والانطواء والقلق والخرف وقد يصاب البعض بالزهايمر والخوف من الموت وبالتالي تزداد لديهم الأمراض الجسدية نفسية المنشأ مثل حدوث إنخفاض أو إرتفاع في مستويات السكر، وأمراض القلب و الأعصاب مما يعكس آثاراً سلبية على المسن خاصة أنه يحس أنه وحده في هذه الحياة كما أنه قد يظهر بعض العدائية والعنف ورفض تناول الدواء أو الطعام واضطرابات النوم.

ففي بعض الحالات الموجودة في دور العجزة كالسيدة (س. ا) وضعها أولادها في الدار ولم يسألوا عنها ورُميت فيه كأنها قطعة أثاث بالية وظلت تعيش في حالة ترقب من أن أولادها سيزورونها ففضلت البقاء في غرفتها والانطواء على ذاتها حالمة بذلك اليوم وأصبحت تعاني من أمراض جسدية عدة، والسيدة (ف. ع) أودعت في الدار من قبل إخوتها ونسوا وجودها أصلا كونها غير متزوجة وأصبحت كبيرة في السن مما جعلها تعيش حالة من الهذيان وتتصور أشياءً لم تحدث أصلا وتتوهم بإصابتها بأمراض خطيرة قد تودي بحياتها،

وهناك من كان له شأن كبير في شبابه كالسيد (أ. م) لكن جار عليه الزمن ووضع في الدار عندما أصبح بحاجة لمن يقدم له الرعاية بالأخص كونه تعرض لحادث ولم يعد بمقدوره القيام بأموره الشخصية وأمثلة كثيرة في دور العجزة.. مما جعله يشعر بالعجز الكامل ترى في عينيه حزناً وألماً شديدين.

وحول كيفية تقديم الدعم النفسي الاجتماعي للمسن.. أضافت يونس:

من خلال المحافظة على الصحة النفسية والعقلية للمسن وتعزيز سعادته وإشباع حاجاته الفيزيولوجية والاجتماعية والتفهم الوجداني للمسنين حتى يتمكنوا من التكييف مع مجتمعهم الجديد حتى يشعروا بالسيطرة على حياتهم وتخفيف الضغوط والخبرات المؤلمة والمساعدة على حل المشكلات وأهم مصادر الدعم النفسي الاجتماعي هي:الاسرة،الاصدقاء، المؤسسات المجتمعية، والتشبيك مع صناع القرار لتوفير كل ما يستلزم للمسن لكي يعيش حياة كريمة.

وأخيراً: مرحلة الشيخوخة في حياة الإنسان لها استحقاقاتها الخاصة التي يجب أن يراعيها الأبناء والمجتمع على حد سواء، وقليلون هم الذين يهملون في أداء الواجب نحو الآباء في مرحلة الشيخوخة. ومع ذلك فهناك حالات مؤسفة يتخلى فيها الأبناء عن رعاية والديهم بحجج مختلفة وذرائع شتى ويكون مصيرهم دور المسنين يقضون فيها بقية حياتهم بألم وصمت وعذاب داخلي مرير.

 مهام دار المسنين 
 وعن مهام دار المسنين ذكرت يونس أنه: يتكفّل القائمون على دور المسنّين بتقديم العديد من الخدمات للنزلاء، من هذه الخدمات ما يأتي: تلبية الحاجات الأساسية، وتضم كافّة احتياجات كبار السن، كالمسكن، والملبس، والمأكل. تقوية الأواصر الأسريّة والعلاقات الاجتماعية، حيث تحاول الطواقم العاملة في دور المسنين تعزيز الروابط الوجدانيّة بين المسن وعائلته، وتشجيعه على الانخراط مع بقيّة النزلاء. القيام بأنشطة ترفيهيّة، وثقافيّة، كالأنشطة الدينيّة، والرياضيّة التي تُدخل البهجة إلى قلب المسن، وتشغل وقته بما هو مُفيد ومسلّي. توفير الرعاية الصحية الملائمة، وتشمل توفير العلاجات، والخدمات الطبيّة التي تُحسّن من صحّة المسن النفسية، والجسدية على حد سواء، حيت تتكون الرعاية للمسنين من خمس عمليات متداخل ومتكاملة وهي:

 1 - المساندة: وهي عملية مهمة لتنمية الصحة النفسية والاجتماعية لدى المسن بأساليب متعددة كالابتسامة والهدايا والتفهم الوجداني والاستماع للمسن وإدخال السرور لقلبه.

 2 - التشجيع: تشجيعه على ممارسة أدواره الاجتماعية والقيام بما يقدر عليه ويستمتع بها

 3 - المساعدة: وتتضمن جميع النواحي التي يحتاجها المسن

 4 - الحماية

 5 - الخدمة: وهي مساعدته على قضاء حاجاته الاساسية.

 إلا إن بعض دور المسنين تفتقر إلى التنظيم والنظافة وسوء الخدمات فيها لعدم وجود المختصين وعدم وجود اي انشطة اجتماعية او ترفيهية او ثقافية فضلا عن فقدان الرعاية النفسية.

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر