رياح الأزمة الأخلاقية تعصف بالمجتمع السوري..

رياح الأزمة الأخلاقية تعصف بالمجتمع السوري..

مرأة ومجتمع

المشهد - رولا نويساتي
عندما رسم أفلاطون في ذهنه فرضية وجود المدينة الفاضلة، من المؤكد أنه لم يستطع حينها الارتقاء بتفكيره بأننا سنصل إلى هذا الزمن من الفساد الذي يدفع بنا للإنغماس رويداً رويداً في الانحلال الأخلاقي..
وإذا ما عدنا إلى العصر القديم (أي زمن الفلاسفة) نرى أن العديد من الفلاسفة والمفكرين أكدوا على طبيعة الذات البشرية، وحاجتها للتحول من النزعة الفردية إلى الاختلاط الجماعي والبحث عن الاندماج، فالمجموعات البشرية تشكل فيما بينها ما يعرف بسوسيولوجيا المجتمع، فيما يعتبر المجتمع (كرمز) هو هيكل يجمع بين طياته عموم البشر، باختلاف الجنس والعمر والدين، تجمع بينهم روابط القيم والأخلاق، حيث أن الإنسان يستمد القيم والقواعد التي يتعامل بها مع أفراد المجتمع من عدة مصادر مختلفة أهمها الأهل الذين يستمد منهم التربية والأخلاق والوازع الديني، الذي يأتي كأول مصدر تشريعي للقيم النبيلة، والتي تدعو إلى التسامح واحترام الآخرين والابتعاد عن الرذيلة، إلا أن القيم الإنسانية الفاضلة في وقتنا الحالي قد شهدت تدهورا" واضمحلالاً كبيرا" داخل المجتمع..
 في حين أن مجتمعنا يشهد انحداراً أخلاقياً كبيراً، بعد أن أصبح الإنسان عبداً  لغرائزه، باحثاً عن اللذة والمتعة بأي وسيلة من الوسائل، وبأي شكل من الأشكال، وقد أصبحت النزعة العدوانية سائدة كخطاب داخل المجتمع، كما أن خطاب العنف والدم قد أصبح رائجاً بكثرة هذه الأيام، ربما تعبيراً عن رفض الواقع المعيشي الذي فرض علينا، فقد أصبحنا نشاهد جرائم بشعة في وضح النهار دون أي خوف أو رادع..
المؤسف بالأمر هو أن أغلب الأسر والتي تعتبر الحاضن الأول للفرد شهدت في الآونة الأخيرة  تفككا" بسبب العاصفة التكنولوجية التي نعيشها دون رقيب ولا حسيب..
أما عماد الأسرة ألا وهو الأب فقد تهشمت صورته خاصة أمام أبناءه، فلم يعد الأب  ذالك الشخص القوي الذي يزعزع عرش المنزل لمجرد وجوده فيه، ولم يعد ذاك المنقذ أو حتى الملهم لأطفاله، بل أصبح الأبناء خارج دائرة السيطرة الأبوية، ليكون الشارع هو الحاضن والمربي الأول، وبذلك تكون دروس الرذيلة والغش والانتهازية هي من أهم  الدروس التي يتلقاها الفرد وبالمجان، ليحصل بعدها المجتمع على نتيجة وخيمة وكارثية يطغى من خلاله قانون الغابة، والذي أصبح هو القانون السائد في مجتمعنا..
تلك المؤشرات التي ذكرتها آنفاً تؤكد بأن البلد يعاني من أزمة أخلاقية واسعة النطاق، تحتم علينا فهمها ومعالجتها في سياق أوسع من الصراع السياسي القائم في البلد منذ عدة سنوات، وتعود أسباب هذه الأزمة إلى أن السوريين عانوا من قهر وظلم خلال  السنوات التسع من الحرب، ما أدى إلى إضعاف الشعور بالمسؤولية الأخلاقية في المجتمع، إضافة إلى انجرار بعض الأشخاص من ضعاف النفوس وراء العديد من المجموعات المسلحة أدى إلى جعل مكونات الشعب تتخذ  هويات متخاصمة لا  تتمتع  بشعور عميق بالانتماء للآخر ضمن مفهوم المواطنة، وهذا ما يؤدي الى إضعاف الشعور بالمسؤولية الإجتماعية اتجاه الوطن والشعب في سياقه العام..
في حين أن التطرف والعنف الديني أدى الى موجة من ردود الفعل العنيفة، خاصة من قبل الجيل الحديث، وعادة حين تكون القيم الأخلاقية مرتبطة بنيوياً بالتدين، فالخروج عن هذا الأخير  سيعني سقوط المنظومة الأخلاقية والتحرر منها أيضاً، إضافة إلى أن التدين لا يعنى للكثيرين في المجتمع السوري سوى الإلتزام بالشعائر والطقوس، أما الأمور الأخلاقية فهي غالباً ما تكون خارج  دائرة الاهتمام والأولوية..
وإذا ما أردنا حلاً قانونياً لمشكلة الإنحطاط الأخلاقي نجد أن المشرع السوري لا ينظر بعين الإعتبار إلى هذه المشكلة الإجتماعية التي تتطلب منه تشريع قوانين وبناء مؤسسات فعالة لمعالجة ضحايا الإنحطاط الأخلاقي.
فبرأيي ثمّة ضرورة ملحة للعمل على مخطط تربوي شامل يدرب الجيل الجديد على الالتزام بالمسؤولية الأخلاقية والسلوك الصالح اجتماعياً، ويمكن للإعلام أن يلعب دوراً هاماً في تثقيف المجتمع حول  مسؤولياته الأخلاقية..

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر