غياب العدالة في توزيع المازوت على الكازيات.. وسرافيس ريف دمشق تبيع مخصصاتها

غياب العدالة في توزيع المازوت على الكازيات.. وسرافيس ريف دمشق تبيع مخصصاتها

تحقيقات

محمد الحلبي - رولا نويساتي
غياب العدالة في توزيع المازوت على الكازيات.. وسرافيس ريف دمشق تبيع مخصصاتها..
أزمات متلاحقة بتنا نعيشها اليوم ليس آخرها أزمة المازوت التي أخذت تمس وسائل النقل الجماعي (السرافيس – باصات النقل الجماعي) بشكل كبير، ما أدى إلى انعكاسات سلبية على الحياة اليومية للمواطن، الذي بات يمضي يومه في الشوارع راكضاً خلف الميكرو باصات عله يصل إلى وجهته، وما زاد من أزمة النقل على دمشق عموماً، وعلى ريفها خصوصاً، هو الفارق الكبير بالسعر بين المازوت المدعوم المخصص للنقل، والمازوت المخصص للقطاع الصناعي والتجاري، والذي ساهم بحصول ازدحام من قبل وسائل النقل على محطات الوقود، ودفع ببعض ضعاف النفوس من مالكي السرافيس ووسائل النقل الأخرى التي تحصل على مادة المازوت المدعوم للمتاجرة بمخصصاتهم المدعومة وبيعها بالسوق السوداء دون أن يحركوا آلياتهم أو يعملوا على خطوط النقل المخصصة لهم، ما أدى الى قلة وسائل النقل الجماعي التي تعمل على خطوط النقل وحصول ازدحامات خانقة على الكازيات..

مواطنون في مهب الريح

سامر طالب في كلية العلوم السياسية أشار إلى أنه يحتاج يومياً من الساعتين إلى ثلاثة ساعات ليصل من جامعته إلى منزله الكائن في منطقة التل، بسبب قلة عدد السرافيس التي تخدم الخط خاصة في وقت الذروة، والناس أصبحت تقف في طوابير يومية ما يقارب ثلاث ساعات لتصل إلى دوامها، والبعض يستقل بيك آب للوصول إلى مكان عمله، فلم تعد الناس قادرة على دفع أجارات التكاسي التي أصبحت تكسر الظهور، والوضع أصبح سيء للغاية، وهذا الأمر خطير جداً على البلد كما أوضح سامر..

فيما أكد مروان الذي يعمل موظفاً أن غالبية أصحاب السرافيس باتوا يقومون على العمل ضمن جزء من خطهم بدلاً من تخديمه بالكامل، وبذلك يتقاضوا ضعف أجرتهم، بعد أن يقسموا خطهم إلى قسمين..

في حين قالت مروة طالبة في كلية الحقوق: تعبت من الركض خلف السرافيس كل يوم لأصل من بيتي الكائن في منطقة الهامة إلى جامعتي، وبالعكس، فغالباً ما يقول لنا السائق ( مالي طالع.. ما معي مازوت ) ناهيك عن المدافعات التي تحصل أمام السرافيس حتى ينال أحدنا مقعداً فيه..

أما أبو أيمن فقد أوضح للمشهد بأن الحق لا يقع بكامله على عاتق سائقي السرافيس، فأنا للتو نزلت من ميكروباص ضاحية قدسيا الذي أقسم سائقه بأنه لن يعمل عليه بعد اليوم، بعد أن أوقفه شرطي مرور وأخذ كل ما بحوزته من مال..

أما بالنسبة لباصات النقل الداخلي فللحقيقة أنا أتعوذ من الشياطين حين أراه، فإن استطعت الصعود إليه ترى الذين يقفون أكثر بضعفين من الجالسين على المقاعد، وهذا ما يساعد ضعاف النفوس إلى التحرش الجنسي داخل الباصات، والتي كثرت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة..

أشكيك لمين

أبو أحمد صاحب سرفيس يعمل على خط جرمانا في ريف دمشق أكد أن وزارة النفط قد خفضت الكميات المخصصة للتعبئة اليومية من 40 ليتراً إلى 30 ليتراً، ومؤخراً توقف التوزيع اليومي وتحول إلى مرة كل يومين، ما جعلنا ننتظر على محطات الوقود لعدة ساعات حتى يتم تأمين المادة، أو أن نشتري المادة من السوق السوداء بـ 700 ليرة سورية لليتر الواحد..

فيما قال ياسر سائق ميكروباص على خط ضاحية قدسيا: إن العمل لم يعد مجدياً بظل هذه الأزمة، لأننا نتعطل عن العمل لساعات طويلة أو ليوم كامل في سبيل تأمين مادة المازوت، وهذه خسارة كبيرة بالنسبة لنا.. وفوق كل ذلك نتهم ببيع مخصصاتنا من المازوت، كيف لي أن أبيع مخصصاتي وأنا لم أحصل عليها بالأصل، فعلى سبيل المثال  خلال الشهر الماضي لم أتمكن من تعبئة الوقود سوى لستة مرات فقط، وبطاقتي الذكية خير دليل على صحة كلامي..

أما أبو عدي سائق ميكرو باص على خط قدسيا فقد قال للمشهد: أنا لا أستطيع العمل سوى خمس سفرات في اليوم كحد أقصى، بسبب نفاذ مخصصاتي من المازوت، ما قد يدفع ببعض المواطنين لتحريك شكوى ضدي لعدم استطاعتي تخديمهم.. لأقف بعدها باقي يومي أمام إحدى الكازيات علي أحظى بتعبئة خزان وقودي لأعمل في اليوم التالي..

غياب العدالة

صاحب أحد محطات الوقود المخصصة لتعبئة مادة المازوت في ريف دمشق فضل عدم ذكر اسمه يقول للمشهد: محطتي تغذي السرافيس العاملة على بعض خطوط ريف دمشق، حيث يقدر عدد السرافيس العاملة على تلك الخطوط بنحو 245 سرفيساً، لهم مخصصات يومية 30 ليترا" لكل ميكروباص 12 راكب، و40 ليتراً لكل ميكروباص فوق 14 راكب.. وبذلك أصبحت مخصصاتنا عشرة طلبات شهريا" بقرار من محافظة ريف دمشق، لكن بعد أزمة كورونا تغير الأمر كثيراً، فلم يعد يصلنا سوى 20 إلى 30% فقط من مخصصاتنا المفروضة، أي ما يعادل طلبين لثلاثة طلبات شهرياً، وبالتالي أصبحنا لا نستطيع إعطاء مادة المازوت لجميع الميكرو باصات..وأنا استعجب كيف أن محروقات مدينة دمشق منضبطة إلى حد كبير، رغم أن مخصصاتها تفوق مخصصات ريف دمشق..

أما صاحب محطة وقود (مازوت) أخرى في ريف دمشق، فقد أشار بأن محطته تغذي ما يقارب التسعة خطوط، وعدد السرافيس العاملين على تلك الخطوط ما يقارب 280 سرفيسا"، وعلى الرغم من أني تقدمت بكتاب رسمي لمحافظة ريف دمشق، وجاءني مع الموافقة بتقديم 10 طلبات لي شهر ياً من مخصصاتي لمادة المازوت، إلا أنه حتى الٱن لم أحصل سوى على طلب واحد فقط في الشهر- والحديث لصاحب الكازية، الذي أضاف: عندما قمت بمراجعة مديرية محروقات ريف دمشق لتزويدي بمادة المازوت اللازمة منعا" من تضخم أزمة المواصلات، أدلى مدير المحروقات أمامي بسيل من الحجج الواهية التي لاتنتهي، ليقوم أخيراً بإعطائي وعوداً دون تنفيذ أي منها.. لكن الغريب في الأمر كيف أن محطتي لم تصل مخصصاتها إليها في حين أن محطة مجاورة لي تصلها المخصصات كاملة" دون أي نقصان (وفوقها حبة مسك)، وهذا ما أكده لي عدد من سائقي الميكرو باصات..

فيما قال صاحب محطة وقود ثالثة لتعبئة مادة المازوت في ريف دمشق: أصبح لي ثلاثة أسابيع دون تعبئة أي ليتر في خزان محطتي، فكثيرا" ما اتهمت ببيع مخصصاتي من مادة المازوت بالسوق السوداء، أو أكثر من التسعيرة التي فرضتها الحكومة علينا، وأنا بدوري سأعطي صك البراءة لنفسي أمامكم وإليكم الدليل، فعندما يلبوا لي في الوقت الراهن طلبين أو ثلاثة طلبات من أصل عشرة طلبات فأنا لا أستطيع تلبية سوى حاجة بسيطة من احتياجات الميكروباصات، وبذلك لا أستطيع بيع مخصصاتي من المازوت، فالطلبات التي تصلني يتم توزيعها بإشراف مدير الخط، وهو أدرى بالميكرو الذي يعمل من الميكرو الذي لايعمل..

أزمة ثقة

حملنا هموم المواطنين من أصحاب محطات الوقود إلى السائقين إلى الركاب واتجهنا بها إلى رئيس بلدية منطقة قدسيا بريف دمشق علنا نجد لديه جزءاً من الحل نطفئ به النيران المشتعلة في قلوب السوريين جراء هذه الأزمة، لكن للأسف عندما علم بقدومنا ذهب خارج البلدية.. عله ذهب في جولة مستعجلة كما هي عادة مسؤولينا الأكارم، وحل عوضا" عنه المحاسب في البلدية الذي رفض التحدث إلينا هو الآخر بحجة أنه لا يوجد من سيصغي لكلامنا.. فأغلب مسؤولي بلدنا (أذن من طين، وأخرى من عجين)

وعندما يئسنا اتجهنا إلى مختار المنطقة الذي رفض هو الآخر التحدث إلينا، حيث قام بالاتصال بنظيره المختار الآخر، الذي بدى وكأنه (لا بحل ولا بيربط)، فعلى ما يبدو منطقة قدسيا تحتاج لمختارين وربما لأربعة لتحل المشاكل الغارقة فيها كأزمة المواصلات والنفايات العائمة التي ذكرتني بأزمة نفايات شقيقتنا لبنان..

وأمام موجة الإحباط العارمة التي أصابتنا لم نجد أمامنا سوى مراقب خط سرافيس المنطقة، ليقوم هو الآخر بالفرار من أمامنا دون أن ينبس ببنت شفة.. فعلى ما يبدو أن أزمة الثقة بين المواطن السوري ومسؤوليه لم تأتي من فراغ..

بعد أن أغلقت جميع الأبواب في وجهنا بمنطقة قدسيا في ريف دمشق، لم نجد منجى سوى التوجه إلى الأستاذ فيصل طريف مدير فرع محروقات ريف دمشق علنا نجد ضالتنا عنده وبالفعل استقبلنا مشكورا"..

سألناه عن سبب غياب العدالة في توزيع مخصصات المازوت لمحطات الوقود؟!!..

فقال: نحن نقوم بتوزيع المازوت حسب الحاجة، أما بالنسبة لبعض الكازيات التي لم تصلها مخصصاتها من المازوت حتى الآن، فقد وجهنا السيد محافظ ريف دمشق بأن نقبل عشرة طلبات بالشهر لكل محطة، واعتباراً من الشهر الحالي سنقوم بتنفيذ القرار..

و بالنسبة لمراقبة ومحاسبة من يقوم بأخذ مخصصاته من المازوت وبيعها فقال طريف: نحن لسنا جهة رقابية، فهناك جهات أخرى مسؤولة عن هذا الشيء، كلجنة المحروقات في المنطقة، نحن نحاول معالجة كل منطقة على حدى وبالتناوب، فمثلاً عندما وقعت أزمة المازوت في منطقة جرمانا أرسلنا إليها صهاريج خاصة من مراكزنا كحل إسعافي بعد أن قمنا بالتنسيق مع مديرية الناحية ورئيس البلدية، كما فعلنا أيضاً بمنطقة الكسوة منذ فترة..

على طبق من فضة

هناك العديد من الحلول التي طرحت على طبق من فضة لحل أزمة المواصلات، ولم تؤخذ بعين الاعتبار، كتقنية الـGPS  التي طرحتها مديرية النقل والمرور السنة الماضية بالتنسيق مع محافظة دمشق، والتي  يتم من خلالها مراقبة عمل وسائط النقل ومدى التزامها بالمسارات المحددة لها، وبالتالي  ضبط تسرب السرافيس التي لا تعمل على الخطوط بشكل فعال.. كما تم طرح حل سريع وبسيط لتفادي تضخم أزمة المواصلات وهو وضع مراقب في بداية خط السيرفيس ونهايته مع ختم، يتم من خلاله حسر الميكروباصات التي تعبئ المازوت وتعمل على الخط لتخديم المواطنين، من الميكروباصات التي تقوم بتعبئة مخصصاتها وبيعها..

فلماذا لاتؤخذ هذه الحلول على محمل الجد وتنفذ حتى ينعم المواطن السوري بأدنى حق من حقوقه في هذا البلد، بعد ما ذاق ما يكفيه من ذل وقهر.. سؤال نضعه على طاولة المعنيين ونرجوا الإجابة عليه؟!!..

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر