لماذا فشلت التنمية؟!..

لماذا فشلت التنمية؟!..

أسئلة كثيرة تلح على ذهن الكثير من السوريين ومنها، لماذا تفاقمت الفجوة الاقتصادية بين شرائح الناس في السنوات الأخيرة؟؟؟؟ لماذا سورية دائما في ذيل القائمة بالنسبة لمؤشرات التنمية .... بينما تتصدر قائمتي الفساد والفقر؟؟؟ لماذا لم تحقق جهود التنمية في سورية نهوض اقتصادي ملموس؟؟؟ كيف يمكن البدء بكسر الحلقة المفرغة المكونة من الفقر والركود الاقتصادي والحصار الاقتصادي؟

الإجابات الأسهل والأكثر تكرارا على تلك الأسئلة، أن المؤامرات المحاكة ضدنا من الآخرين (الأعداء والأشقاء) تتحمل جل المسؤولية عن إخفاقاتنا الاقتصادية، وحالة الفقر والبؤس التي تغلف حياتنا، إجابة أخرى، تتعلق بمواردنا القليلة وإمكانياتنا المحدودة ... فكلام المسؤولين دائما يذيل بــ "حسب الإمكانيات".

قد يعود فشل التنمية في الدول بشكل عام لعوامل طبيعية كالفيضانات والزلازل وغيرها، أو بسبب عدم الاستقرار السياسي الذي ينجم عن الحروب أو الاضطرابات الأمنية والتهديدات الخارجية، حيث تؤدي مثل تلك الحالات إلى زعزعة الثقة بالوضع الاقتصادي والتشكيك في قدرة البلد على الإنتاج كما تؤدي العمليات العسكرية إلى تدمير البنى التحتية والمناطق السكنية والتجارية والمؤسسات الإنتاجية، إضافة إلى حالة الفوضى التي تعمق الفساد ويسيطر فيها أمراء الحرب على مفاصل الاقتصاد، وحصل انكماش في الناتج المحلي الإجمالي.

في سورية، حاولت الدولة تحقيق التنمية بكل أبعادها الاقتصادية والبشرية عبر خططها الخمسية منذ ستينات القرن العشرين، وكان هناك مشاريع كبيرة لخدمة تنمية الزراعة والصناعة في سورية، يمكن تلخيص أهم الأسباب التي أعاقت جهود التنمية:

1. سيطرة الاقتصاد الريعي: حيث اعتمدت الموازنة السورية على النفط ,وكانت نسبة إيراداتها منه بحدود 26% من الإيرادات المحلية وهذا استمر حتى موازنة 2012 (بعد الحرب) , ليس الدولة فقط اعتمدت على الريع , بل  الناس أيضا اعتمدوا على ريع أموالهم المودعة بالبنوك  كان سعر الفائدة بحدود 8%, مشكلة الاعتماد على الريع أن الدولة التي تعتمد على الريع تكون هشة وعرضة للمتغيرات الخارجية. 

2. الدولة مالك كبير فاشل لا يجيد إدارة أملاكه , من أسباب انخفاض إيرادات الدولة , وعدم وجود ذراع استثماري للدولة يلعب دور المالك الوحيد لأملاك الدولة ويقوم بإدارتها بشكل فعال وكفوء يفسر تبعثر أملاك الدولة ولا أحد يعرف شيئا عنها ، فهي حاليا موزعة بين الوزارات المختلفة، وعوائدها منخفضة جدا ولا تتناسب إطلاقا مع قيمتها الفعلية.

3. التعيين السياسي لإدارات المؤسسات المملوكة للدولة ، وتعتبر طريقة إدارة العنصر البشري في هذا القطاع سبب مهم لفشله وخسائره الكبيرة , حيث تتولى القيادات السياسية تعيين المدراء العامين لمعامل ومؤسسات القطاع العام بغض النظر عن الكفاءة والجدارة. 

4. غياب شبه كامل لأسس الحوكمة ا لمعروفة " العدالة والمسؤولية والمساءلة والشفافية" , فإذا تفحصنا  تقييم الأداء , نجده يتم من أجل زيادة الراتب كل سنتين , وغياب أي مؤشر الإداء بالنسبة للوظائف أو ما يسمى  عالميا KPI  ،(Key Performance indicator), وبما أنه لا يوجد تقييم أداء فمن الطبيعي أن لا يكون مساءلة أو محاسبة , 

5. دور المؤسسات الدستورية: باهت وشبه مفقود سواء الأحزاب أو النقابات المهنية أو الاتحادات للعمال والفلاحين ..... وغيرها، مثال: لم يكن لاتحاد الفلاحين أي موقف حيال تحرير أسعار الأسمدة والأعلاف والمشتقات البترولية، كل هذه الكيانات وجودها يقتصر على ممارسة أدوار روتينية لا تؤدي إلى دور فاعل في تحقيق التنمية.

6. انتشار وتجذر الفساد في كل مؤسسات الدولة: بشكل أدى إلى انخفاض كبير في الإيرادات العامة وخصوصا الحصيلة الضريبية والجمركية، و يكفي إجراء مقارنة سريعة بين إيراداتنا من الرسوم الجمركية  وبين إيرادات لبنان الأصغر مساحة وأقل بعدد السكان، الحصيلة اللبنانية السنوية أكبر من الحصيلة السورية بالرغم من انخفاض التعرفة الجمركية  في لبنان ، وكذلك الأمر بالنسبة لمجموع الإيرادات الضريبية أو بالنسبة لحصيلة المرافق العامة مثل مقارنة مرفأ بيروت بمرفأ طرطوس أو اللاذقية والفساد منتشر في كل المؤسسات وليس في الجمارك فقط.

7. الحرب السورية شرسة بدأت في عام 2011 , كلفتها باهظة جدا بشريا وماديا , وخسائرها المادية شملت البنى التحتية والمنشآت الإنتاجية,  لم تسبب إعاقة جهود التنمية فقط , بل أضافت أعباء جديدة وكبيرة  على كاهل الدولة والمواطنين ، فقد نهبت الدول المعتدية ولا سيما الولايات المتحدة وتركيا والميليشيات المسلحة جزءا كبيرا من ثروات سورية  الطبيعية مثل (آبار البترول والقمح ) , في المناطق التي ما تزال  خارج سيطرة الدولة ، إضافة للحصار والعقوبات الاقتصادية  التي طالت تجارتها الخارجية ومؤسساتها, وجعلت السوريين يدفعون أعلى من السعر العالمي للسلع التي يستوردونها ,  كل ذلك سبب مزيدا من الفقر وقوض جهود التنمية. 

 

للخروج من عنق الزجاجة ومواجهة الصعاب الاقتصادية والسير بثبات في طريق تحقيق التنمية بأشكالها المتعددة، لا بد من توفر العوامل أساسية التالية:

• الاستقرار السياسي يعتبر شرط لازم وغير كاف لتحقيق التنمية أو السير باتجاهها والدول التي تعاني من حروب أو عدم استقرار فإن أوضاعها الاقتصادية تصبح سيئة للغاية. 

• أن تكون أركان الحوكمة وخصوصا المساءلة والتقييم والشفافية... الأعمدة الرئيسية التي تحكم جميع مؤسسات الدولة الإدارية والاقتصادية، ركائز الحوكمة مقدمة وشرط لازم لتحقيق التنمية.

• توحيد أملاك الدولة في مؤسسة واحدة وإدارتها بطريقة كفوءة، مما سيشكل رافدا مهما للإيرادات العامة، ويمنح الدولة القدرة على التدخل الإيجابي لتحقيق النهوض الاقتصادي. 

• حماية وتشجيع الإنتاج المحلي ومن أجل تحقيق ذلك، لابد أن تجري مراجعة السياسات التجارية بمجملها المتعلقة بالاستيراد والتصدير والاتفاقيات التجارية وتسهيل إجراءات الترخيص والوصول إلى التمويل. 

أخيرا ... إن الذهنية التي تقرر السياسات الاقتصادية في كل المجالات في البلد، يجب أن تكون مختلفة، لا يمكن العمل بعقلية تقليدية وروتينية وتوقع نتائج مختلفة.

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني