ميخائيل غورباتشوف: رجل غير العالم

ميخائيل غورباتشوف: رجل غير العالم

موسكو - ناهل الخطيب

أقدم لكم رحلة قصيرة في حياة شخصية مثيرة للجدل في القرن العشرين ، سياسي سوفيتي دمر الاتحاد السوفيتي وكان محبوبا من الغرب.

ولد ميخائيل سيرغييفيتش غورباتشوف 2 آذار 1932م.  في شمال القوقاز ( ستافروبول) ، من أب ميكانيكي زراعي كان يعمل في مزرعة جماعية تابعة للدولة .
لم يكن غورباتشوف مناسباً جداً للقيام بدور عظيم ، ولكن بعد 80 عاما برز بين الشخصيات التاريخية في القرن العشرين بالدور الكبير الذي لعبه في إنهاء الحرب الباردة.
ففي عام 1980 أصبح أصغر عضو في المكتب السياسي وفي عام 1985 حل محل الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي وبدأ في اتخاذ الخطوات الأولى "لتحرير" أقوى دولة شيوعية من خلال " الغلاسنوست والبريسترويكا ". بدأ علاقات ودية مع القادة الغربيين - الرئيس الأمريكي رونالد ريغان ورئيسة الوزراء البريطانية مارجريت تاتشر.
وعلى الرغم من أن عهده انتهى في عام 1991 بانهيار الاتحاد السوفييتي ، فقد ظل مشاركا نشطا في الحياة العامة كسياسي ومعلق وببساطة أصبح  أحد المشاهير في العالم ..
بدا مشواره بعد دراسته في جامعة موسكو ، حيث درس القانون وتخرج عام 1953 في نفس سنة وفاة ستالين ، وكان عمر غورباتشوف حينئذ واحد وعشرين عاما ، ثم التحق بالحزب الشيوعي ، وكان يمثل الجيل التالي للثورة ، وتدرج  ميخائيل سريعا في مستويات الحزب ، ولاسيما أنه عرف بنشاطه وهمته في العمل ، فصار موضع ثقة القيادات المركزية في موسكو في عصر بريجنيف ، وكان يتولى رئيس جهاز المخابرات السوفيتية في ذلك الوقت أندروبوف الذي كان مطلعا على كافة الأمور ، ويدرك حقيقة الوضع الداخلي والخارجي ، ومدى تردي الأوضاع وتفشي الفساد بين القيادات الحزبية السوفيتية آنذاك ، ومدى التفوق الأمريكي الاقتصادي والتكنولوجي والعسكري.
وأراد أندروبوف إنقاذ ما يمكن إنقاذه ، فجمع حوله القيادات الشابة المخلصة لوطنها ، والتي لم يصبها العفن على حد تعبيره ، فكان في طليعة هذه القيادات " ميخائيل غورباتشوف.
نجح أندروبوف في معاونة هذه القيادات ومساندتها ، حتى تولت مناصب قيادية هامة. 
دفع أندروبوف بميخائيل غورباتشوف إلى اللجنة المركزية للحزب ، ثم إلى المكتب السياسي ، وأصبح  واحد ممن يحكمون الإتحاد السوفيتي ، ولكن قبل أن يتمكن أندروبوف من تطبيق سياسته في إصلاح الأوضاع السائدة ، وافته المنية فجأة سنة 1984م وخلفه تشيرنينكو ، وتوفي الآخر عام 1985م فأصبح ميخائيل غورباتشوف في الصدارة ، فتم اختياره أمينا عاما للحزب الشيوعي في اذار سنة 1985م. ومن ثم رئيسا للإتحاد السوفيتي سنة 1988م.
تولى ميخائيل غورباتشوف السلطة ومن الواضح أنه كان متعطشا للقضاء على الفساد ، فطرح على العالم اصطلاح " الغلاسونست " أي شعار " المصالحة والمكاشفة" ، فأطلق حرية التعبير لكشف الفساد والقضاء عليه ، وسريعا ما طرح اصطلاحا آخر وهو " البيروسترويكا " التي ترجمها الكثيرون إلى " إعادة البناء " فانتشرت انتشارا رهيبا وأعجب الكثيرون بذلك وأصبحوا يرددونها حتى وإن لم يدركوا معناها ، والجميع في الإتحاد السوفيتي كانوا سعداء بهذا الاصطلاح لأنه حمل لهم بشرى الإصلاح والتجديد والبحث عن الأفضل.
ولكن في هذه الفترة أعلن الرئيس الأمريكي آنذاك  رونالد ريغان ، بأن أمريكا لن تسمح لأي دولة أخرى في العالم بالتحول إلى النظام الاشتراكي ، وأنها ستبذل قصارى جهدها للقضاء على هذه الإمبراطورية الشريرة حسب تعبيره .
في الوقت نفسه تلقى ميخائيل غورباتشوف تشجيعا كبيرا من امريكا والغرب ، حيث عند زيارته لبريطانيا ولقائه  رئيسة الوزراء تاتشر امتدحته كثيرا على فكره المتسع وعلى مجهوده في حركة إعادة البناء ، وسرت موجة حماس عالمية لشعار " البيروسترويكا ".
وفي الداخل انطلق غورباتشوف بزيارات ميدانية مختلفة ، فكان يجتمع مع الفلاحين والعمال متحدثا إليهم ببساطة متنازلا للمستوى الشعبي ، سامحا لهم أن يخاطبونه باسمه بعيدا عن أية ألقاب ، فسحر الناس بتواضعه ، ناهيك عن اصطحاب زوجته راييسا أكثر الأحيان معه وهذا غير معتاد وشيء جديد بالنسبة لقادة الاتحاد السوفيتي.
ولكن للاسف الشديد في 25 كانون الأول عام 1991م انتهت " البيروسترويكا " إلى حل الإتحاد السوفيتي بعد أن أقنع غورباتشوف  الشعب السوفيتي بأن الديمقراطية هي الحل الوحيد ، والوسيلة الوحيدة للتغيير ، وبعد أن فتح قنوات للحوار بين السوفيت والغرب ، وبعد أن أسقط المحرمات المقدسات الشيوعية وتم التغيير بطريقة ثورية ، وبدأت التعددية السياسية، وحرية الأديان ، وسياسة الاقتصاد الحر والمنافسة ، وسمح بالملكية الخاصة ، ولكن " البيروسترويكا " لم تستكمل ان صح التعبير وضعفت سلطة غورباتشوف كرئيس للاتحاد السوفيتي بسبب محاولة الانقلاب من جهة واتفاق قادة روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا على حل الإتحاد السوفيتي من جهة أخرى ، فتم الحل بدون استكمال " البيروسترويكا ".
وسجل التاريخ تهاوي الشيوعية وسقوط الإتحاد السوفيتي وصاحب هذا السقوط مشاكل اقتصادية جمة ، فانخفض إحتياطي الذهب بشكل كبير  وارتفعت اسعار المواد الغذائية وظهرت وارتفعت البطالة التي لم تكن موجودة بالأصل وارتفع بجنون سعر صرف العملات الأجنبية ، وصار أكبر جيش في العالم يعاني من ضيق اليد ، فبدأت عمليات بيع السلاح ، وتداعت البحوث الفضائية بعد أن كان الإتحاد السوفيتي على قدم وساق مع الولايات المتحدة في أبحاث الفضاء ، وبدأت فترة انهيار النظام السوفيتي ، وكل هذا تم على يد غورباتشوف حتى أن لم يكن ذلك في قصده ، كما يروج الكثيرين من أنصاره مبدعين بأن لم تكن خطة ميخائيل غورباتشوف الاستسلام أمام النموذج الأمريكي ، إنما كان قصده أن يستكمل منح المزيد من الحرية للشعب ، وأن يستكمل التغيير المنشود.
ولكن عندما جاءت الأزمة الاقتصادية سنة 2008 و 2009م أتضح أن النموذج الغربي كان مجرد وهم ، وأنه أفاد الاغنياء بشكل رئيسي .
مع وجود الكثير من العوامل التي ادت إلى سقوط الاتحاد السوفيتي ، لكن غورباتشوف لعب دورا هاما  بقصد أو بغير قصد ..
ومع كل ذلك فقد نال ميخائيل غورباتشوف جائزة نوبل للسلام ...

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني