الحكومة تنتظر المستثمرين الصناعيين...هل هي جدية؟!

الحكومة تنتظر المستثمرين الصناعيين...هل هي جدية؟!

المشهد- عشتار محمود
تصدر هيئة الاستثمار السورية بين الفترة والأخرى مقترحات وفرص استثمارية تضيفها إلى خارطتها الاستثمارية، معلنة عن الإمكانيات المتاحة من استثمار هذه المادة الأولية أو تلك... وآخرها كان الإعلان عن (توفر فرصة جديدة في قطاع الصناعات الاستخراجية في منطقة البسيط بمحافظة اللاذقية، باحتياطي يصل إلى 2.5 مليون طن، لإنتاج الفلدسبار من مادة السيانيت النفيليني) وهي مادة تدخل في صناعة السيراميك والخزف والبورسلان وإلخ... وقبلها مادة الزيوليت وغيرها.
يُضاف إلى ذلك أكثر من 80 مادة تقول الحكومة إنها يمكن أن تحل محل المستوردات بنسبة 70%... أي إذا أخذنا حجم مستوردات 2018 فإن تصنيع هذه الـ 80 مادة يمكن أن يوفر قرابة 3 مليار دولار سنوياً! ولكن أيضاً تنتظر الحكومة أن يبادر المستثمرون ليقوموا بالتصدي لمهمة تصنيع بدائل المستوردات هذه، وحتى ذلك الحين علينا أن ننتظر!
السؤال البسيط المطروح... كيف تتوقع الحكومة أن يبادر المستثمرون لوضع ملايين في السوق السورية في اللحظة الحالية؟! فالاستثمار لا يعتمد فقط على ما تقدمه الحكومات من حوافز في تشريعاتها، سواء قدمت أراضي أو تخفيضات ضريبية أو تسهيلات أخرى، بل يحتاج إلى ظروف طبيعية أقله ليفكّر مستثمر خاص بالإقدام على التصنيع!
فالظرف السوري لا يمكن أن يكون بأي شكل من الأشكال (بيئة استثمارية جيدة)، والأهم أنه من غير المنطقي أن يتم التعامل مع حل المشكلات الكبرى التي تواجه الاقتصاد السوري بعقلية (جذب الاستثمارات)، لأن واضعي السياسات عليهم أن يعلموا أنهم يتعاملون مع أزمة اقتصادية لا يمكن التعبير عنها بأقل من (الكارثة) طالما أن هيمنة الدولار أدت إلى انخفاض قيمة الليرة ومستوى الدخل، لتصل البلاد إلى 9 مليون غير قادرين على تأمين الغذاء الكافي!
إن الاستثمارات لن تتدفق طالما أن العملة الوطنية غير مستقرة، وتخضع لتقلبات المضاربة التي يقوم بها كبار حائزي الدولار ويمتهنونها كمصدر ربح... لأن العتبة الأساسية لدراسة جدوى مشروع هي القدرة على تقدير دقيق لتكاليفه وعوائده، وسيكون هذا صعباً في الظرف الحالي إلا إذا تم التسعير بدولار السوق السوداء ومع هامش أمان للارتفاع القادم، وهذا نظرياً مخالف للقرارات والتشريعات الرسمية ويمكن أن يتحول إلى نقطة ضغط على هؤلاء المستثمرين!
كما أنه من غير المنطقي أن يقوم أحد بالاستثمار في صناعات استخراجية أو تحويلية طالما أنه لا يستطيع أن يضمن القدرة على تلبية الطلب على إنتاجه، وهذا أيضاً صعب في الظرف السوري إذ إن السوق المحلية غير مستقرة مع تآكل القدرة الشرائية لعموم المستهلكين، وتباطؤ النشاط الإنتاجي والخدمي الذي يعتبر مستهلك للبضائع الصناعية المنتجة بأنواعها. أضف إلى ذلك أنّ التصدير إلى السوق الإقليمية أيضاً لا يزال غير مستقر ولم يتم فتح خطوط مستدامة عبر المعابر البرية في نصيب والقائم رغم أن كلاً منهما أصبح تحت سيطرة الدولة!
كما أن الإشارة التي تعطيها السياسات العامة عبر إيقاف القروض هي أيضاً إشكالية، ما يعني صعوبات في الحصول على تمويل وصعوبات في حركة الأموال من الحسابات المصرفية وبيئة عمل غير طبيعية.
إن هذه بمجموعها صعوبات ترتبط بالظرف الاقتصادي، يضاف إليها الصعوبات المرتبطة بالظرف السياسي وتحديداً العقوبات وما تفرضه من تعقيدات وكلف ومخاطر حتى على القطاع الخاص في عمليات تحويل الأموال وغيرها... إضافة إلى ما يرتبط بالفوضى الاقتصادية الداخلية مع توسّع التهريب والسوق السوداء وعدم القدرة على ضبطها جدياً، والكلف الاستثنائية وغير المتوقعة مثل كلف النقل والمدفوعات لنقاط العبور والجمارك وغيرها!
إن أي مراقب موضوعي للظرف الاقتصادي والسياسي السوري يعلم علم اليقين أنه لا يمكن أن تتم عمليات استثمارية كبرى ومتوسطة في القطاع الصناعي حالياً ولن يبادر أي مستثمر خاص بتوظيف أمواله داخل البلاد في هذه الظروف... ودون تبدلات سياسية وعوامل استقرار جدية للأزمة السوري ككل، فهل الحكومة لا تعلم هذا؟! وهل الكلام والدعوات للاستثمار هو مجرد شعارات طنانة؟! 
لا يمكن لأحد أن يقدم على الاستثمار بمعدل ربح منخفض في سورية إلا الجهات العامة، فمعامل الدولة قادرة على إنتاج بضائع حتى لو كان الفائض أقل من 15% بل وحتى 5% أي تنتج وتبيع على حدود التكلفة... ولكن هذا يتطلب بدوره تعبئة الموارد العامة واستثمارها في الصناعات وبدائل المستوردات حيث أمكن، وهذه الموارد إن لم تكن متوفرة في الخزائن العامة اليوم فهي موجودة في الخزائن الخاصة التي نهبت المال العام طويلاً، كما أنها متوفرة في ودائع المنظومة المصرفية التي يمكن وينبغي الاستفادة منها.
ولكن خطوات كهذه تحتاج إلى قرارات اقتصادية جريئة بالتراجع عن كل السياسات الليبرالية المستمرة منذ وقت طويل، ويتطلب استعادة الدور الاقتصادي لجهاز الدولة بعد أن تمّ سحبه عبر إفشاله بالنهب، ومن ثم بإيقافه وضوحاً. فمن يُقدم على خطوات من هذا النوع عليه أن يدخل بصراع مع قوى الفساد والمضاربة والاستيراد الاحتكاري ورغم أن هؤلاء دائرة ضيقة جداً إلا أن وزنهم في القرار الاقتصادي كبير ومحدّد حتى الآن.
 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني