حكومة رخيصة!

حكومة رخيصة!

حديث الشارع اليوم في سورية هو الغلاء العام لكل السلع و تدني الدخل والقدرة الشرائية للمواطن يشكل كبير، ,بعبارة أخرى إنه الفقر، الذي اجتاح  كل الناس بمختلف شرائحهم و مناطقهم باستثناء قلة من الموسرين، بالطبع , للمستوى المعيشي المتدني الذي انحدر إليه الناس أسبابا موضوعية, من بينها  الحرب اللعينة أو الحصار والعقوبات الاقتصادية  وأسباب أخرى , مهما كانت الأسباب ,لا نستطيع أن ننكر أن  للوضع المعيشي المزري الذي نعيشه  تداعيات سلبية جدا على  الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي , وأهم انعكاس له سيكون على مؤشر الجريمة , حيث من المعروف أن معدل الجريمة يرتفع طردا مع ثلاثة عوامل : أولها , ازدياد نسبة الفقر, وثانيها : ارتفاع معدل البطالة  والأخير : اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء أو غياب العدالة الاجتماعية  , والعوامل الثلاثة موجودة ومتضافرة معا في سورية .
تحدث الكثير من الباحثين عن العوامل التي تؤدي الى الفقر، وأهمها: الفقر نفسه، الفساد ونقص الحوكمة والنزاهة  في المؤسسات , العجز المالي والتجاري , الظروف الجغرافية , الديموغرافية , انعدام  الاختراع والابتكار , نقص استخدام التكنولوجيا .
في كتابه " نهاية الفقر " يقول جيفري ساكس الاقتصادي الأميركي، " بأن الفقر هو بحد ذاته يعتبر فخا ومسارا نحو الفقر الأشد , لأن الناس المعدمين تذهب كل طاقتهم  إلى البقاء على قيد الحياة , ولا يستطيعون توفير أي شيء للمستقبل " , إضافة إلى  أن انخفاض  القدرة الشرائية  للمواطنين يؤدي إلى  تدني الطلب الكلي وهذا بدوره أهم سبب لإحباط  المشاريع الإنتاجية , وهذا يسبب  الركود الاقتصادي على مستوى البلد .  
ربما السبب الأساسي للفقر, هو الفساد والفشل في إدارة مؤسسات ومشاريع الدولة , أما  الطبيعة الجغرافية للبلد كسبب للفقر , تدحض  هذه المقولة  جغرافية كثير من الدول ومنها اليابان التي معظم أراضيها بركانية ولا تصلح للزراعة  , بل أن عندهم مشكلة حقيقية بالمساحات المتاحة ومع ذلك حققت اليابان نهضة صناعية وتكنولوجية عظيمة , كذلك سنغافورة الجزيرة الصغيرة جدا التي  تعاني من ضيق المساحة وقلة الأراضي التي يمكن زراعتها , إذا أن مساحتها لا تتعدى ال  710 كم مربع ,و تستورد 93% من طعامها، على الرغم من ذلك فإن الزراعة الكثيفة وفق طرق حديثة تزيد يوما بعد يوم وتلقى اهتمام الحكومة وتشجيعها ,  يعتبر  مشروع  “سكاي جرينز”  للزراعة العمودية مثال على تجاوز عقبة محدودية الأراضي واعتماد الزراعة الحديثة , حيث تم بناء  أبراج ارتفاعها تسعة أمتار وتروى بطريقة ذكية ويمكن تحريكها لتحصل على الضوء والشمس  , لتتمكن من إنتاج خمسة أضعاف ما تنتجه المزارع التقليدية من الخضار، إذ ينتج مشروع “سكاي جرينز”  حوالي 1 طن من الخضار كل يومين  لوحده, الأمثلة التي وردت آنفا تؤكد أن معظم العقبات يمكن التغلب عليها مهما كانت , ماعدا الفساد والفشل الحكومي , لأنه ببساطة يجعل الدولة عاجزة عن تأمين المستوى اللائق من الحياة لشعبها نتيجة هدر ونهب الموارد والإمكانيات  في أي بلد .
إن ضعف مؤسسات الدولة وانتشار الفساد فيها مرتبط بشكل كبير بمستوى الرواتب الحكومية، والرواتب الحكومية تتعلق بوفرة إيرادات الدولة التي  تنخفض بشكل كبير نتيجة الفساد الحكومي وهكذا .... نجد أنها دائرة مغلقة، فكيف يمكن أن نضمن نزاهة  موظف في دائرة ما وراتبه الشهري لا يكاد يسد رمقه, ولا يكفي احتياجاته الأساسية لأسبوع واحد .
يروي لي السفير الروسي في ماليزيا أنه في تسعينيات القرن الماضي زار مؤسس سنغافورة ورئيس وزرائها " لي كوان يو" روسيا,  ورافقه باعتباره سفيرا لبلاده في سنغافورة،
سأل لي كوان يو, مضيفه  الروسي الرئيس يلتسين , ما أخبار الاقتصاد لديكم  ؟؟؟؟
أجاب يلتسين : نمضي بخطوات الإصلاح الاقتصادي بشكل مقبول, ولكن مشكلتنا الكبرى تكمن في الفساد الحكومي,
 فقال لي كوان يو :  " لا بد أنها حكومة رخيصة .....  بمعنى أن راتب الموظف الحكومي قليل جدا " ,واستأنف :
" إن  محاربة الفساد تبدأ من جعل كلفة إفساد الحكومة غالية , وهذا غير ممكن إذا كانت الحكومة رخيصة هذا اولا ...  ومن جهة ثانية جعل الكلفة على من يتم افسادهم عالية جدا، كأن يكون كلفة الفساد السجن لعدد من السنوات إضافة إلى غرامات كبيرة " .
فكيف الحال، إذا كان راتب الوزير أو المدير العام لا يتجاوز ما يعادل 100 دولار في الشهر بسعر البنك المركزي، ألا تكون الحكومة رخيصة ... ؟؟؟  لعل أهم متطلبات تحقيق النزاهة,  راتب شهري يكفي ليعيش الموظف حياة كريمة، وإلا ستسير النزاهة بدون سيقان  ...مثل الكثير من الأشياء في وطني .

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني