قانون قيصر: حرب اقتصادية على الحلفاء والأعداء

قانون قيصر: حرب اقتصادية على الحلفاء والأعداء

مادلين جليس
ليس جديداً على أحد أنّ العقوبات الاقتصادية على سورية قديمة، منذ سبعينيات القرن الماضي، وليس كلّ ما يعاني منه السّوريون إلّا استكمالاً لتلك العقوبات.ولكن كيف يمكننا التغلب على القانون الجديد وتحقيق نتائج إيجابية؟

 فما فائدة أننا بلد زراعي بامتياز دون أن نستفيد من هذه الميزة! وما فائدة التّغني بالأيدي العاملة وبالصناعة السورية ما دامت هذه الصناعة لاتكفي حتّى حاجة السوريين؟ وقسم كبير منها يُهرّب للدول المجاورة، ومادمنا حين الحاجة إليها لا نستطيع الاستفادة من ميزتها النّسبية؟

 التفاف بأثمان باهظة

 يرى الدكتور زياد عربش -باحث اقتصادي وأستاذ في كلية الاقتصاد- أنّ سورية تعرضت للعديد من الضغوط مسبقاً، بدءً من العقوبات على الشركات الأمريكية التي كانت تتعامل مع الدّولة السّورية في الطاقة والنفط تحديداً، ثمّ الحصار التكنولوجي عام ٢٠٠٤ ، ومن ثمّ حصار قطاع التّجارة والاستيراد والتّصدير والمال والتّأمين والمصارف والنّقل وطرق الإمداد، ثمّ والأهم شرعنة »استيراد « النّفط بقرار غير أخلاقي للاتّحاد الأوروبي عام ٢٠١٣ بشرائه مما يسمّى »المعارضة « في سلوك إرهابي وغير قانوني.

 لكن وبرأي عربش أنّ السّنوات المنصرمة أثبتت وجود مؤسّسات حكومية منتشرة قطاعياً وجغرافياً مع مركزيّة دور الدّولة في التّصدي للمخاطر.

 كما أثبتت قدرة القطاع الخاص السوري على التّأقلم والعمل بكفاءة في ظروف صعبة وارتفاع تكاليف الإمداد ومستلزمات الإنتاج واحتلال القوات الأمريكية والمجموعات التّخريبية للعديد من المصادر والموارد الهامّة في سورية، من النفط والقمح والقطن في شرق الفرات، إلى تخريب الأراضي الزراعية بريف إدلب.

 وعلى الرّغم من أنّ سورية استطاعت خلال السّنوات السّابقة وحتّى سنوات الحرب منها أن تلتفّ على العقوبات وتتكيّف معها، إلا أنّ ذلك قد لايكون مجدياً أو ممكناً الآن، حيث ترى سيروب: أنّ تكلفة الالتفاف والتّحايل هذه المرّة ستكون باهظة الثّمن، مما سيزيد من معاناة الشّعب السوري وتفاقم الأزمات الحياتية والمعاشية، وتكثيف المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، وسيشكّل عقبة أخرى أمام التّعافي الاقتصادي المأمول.

 تأثير ممتد

 ولذلك فكلّ هذا انعكست نتيجته بشكل مباشر على المواطن السوري، وهو مايراه بشار المنير الباحث الاقتصادي وعضو جمعية العلوم الاقتصادية، انعكاسه في صعوبة تأمين المواد الأساسية اللازمة لحياة المواطنين السوريين ما أدّى لارتفاع كبير في الأسعار، بعبارة أخرى انخفضت المداخيل الحقيقية والأجور لجميع السوريين مقابل الارتفاع الكبير في أسعار السلع والخدمات.

 تقول الخبيرة والباحثة الاقتصادية الدكتورة رشا سيروب: لا يجوز التّقليل من خطورة هذا القانون باعتباره عقوبات قسرية أحادية الجانب، فعلى الرّغم من أنّ العقوبات تقتصر على حجب الملكيّة إذا كانت ضمن أراضي الولايات المتحدة، غير أنّ مكتب مراقبة الأصول الأجنبية OFAC التابع لوزارة الخزانة الأمريكيّة يدير ويفرض العقوبات الاقتصادية والتّجارية على أساس السّياسة الخارجية الأمريكية، وأهداف الأمن القومي وتستند العديد من العقوبات على تعاون وثيق مع الحكومات الحليفة.

 فضلًا عن خشية الكثيرين التعامل مع سورية: فالبنوك وشركات التّأمين والشحن والمورّدين والتّجار الذين كانوا يتعاملون مع سورية سيحجمون -عند تطبيق القانون – عن التعامل معها خوفاً من احتمال انتهاكهم العقوبات الأمريكية أو الدّولية بدون قصد، حيث ينص القانون أنّ العقوبات تفرض على كل شخص ”يقدّم، عن قصد، بشكل مباشر أو غير مباشر، خدمات إنشاءات، أو خدمات هندسية كبيرة للحكومة السورية“.
 
 على الحلفاء قبل الأعداء
بينما رأت سيروب أنه ورقة ضغط سياسية، نجد عربش متوافقاً معها، حيث يرى أنّ ساكن البيت الأبيض يشنّ حرباً على الحلفاء والأصدقاء قبل الأعداء، فهو ينسحب من المعاهدات الدّولية، من اتفاقيات المناخ والصّحة العالمية ويضغط على منظمة التّجارة العالمية إلى الصين وروسيا وإيران .. الخ. وبالتالي »والكلام لعربش « فإنّ الشركات العالمية وبعد تدهور أسعار النّفط الخام، وتوقّف حركة النّشاط الدّولي والشّحن، وإغلاق العديد من الشّركات في كلّ أصقاع العالم »بسبب الحظر الصحي « فإنّ الجميع يتوق لاستعادة الأسواق والتّبادل الدّولي، فهل لكل دول العالم مصلحة بالامتثال لإملاءات الإدارة الأمريكية، بما فيها الصّين وروسيا والهند وغيرها؟ التّساؤل ذاته نجده عند الدكتورة سيروب فالعقوبات ستشمل الجميع بلا استثناء، وهنا تكمن المشكلة، إذ أنّ الاعتماد على الحلفاء أو الدّول الصديقة لم يعد ممكناً كما في السّابق، وتتساءل: هل ستضحي روسيا أو الصين بمئات المليارات من السندات الدولارية والاستثمارات المالية من أجل سورية؟!!

 ورقة ضغط سياسية

 من يرى أنّ هذا القانون اقتصادي بحت مخطىء حتماً، فمضامينه السّياسية أخطر بكثير، فهو كما ترى سيروب ورقة ضغط سياسية على سورية وحلفائها لمدة خمس سنوات، مع إمكانية التّفاوض المشروط، فالعقوبات لا تشمل فقط سورية بل الحلفاء العسكريين (روسيا وإيران)، ففي نص القانون »تفرض العقوبات على كلّ شخص أجنبي يعمل بصفة عسكرية داخل سورية أو باسمها أو حكومة الاتحاد الروسي أو حكومة إيران «، فضلًا عن أنّ القانون أجاز تعليق العقوبات من طرف رئيس الولايات المتّحدة في حال نفذّت سورية وحلفاءها بعض البنود.

 وقد أثبت قانون قيصر أنّ سورية ذات علاقة بالأمن القومي الأمريكي، سواء من خلال صدوره في قانون الدفاع الوطني للولايات المتّحدة الأمريكية، أو من خلال مقدّمته التي نصّت : «إنّ سياسة الولايات المتّحدة هي استخدام الوسائل الاقتصادية الدبلوماسية والقسرية لإجبار الحكومة السّورية.. والتعايش السّلمي مع جيرانها .«

 وتضيف سيروب: بالتّأكيد ليس المقصود بالجيران هنا (لبنان أو الأردن أو العراق أو فلسطين) بل يقصد الكيان الصهيوني، حيث تمّ سابقاً محاولة تمرير قانون قيصر ضمن مشروع قانون آخر وهو (تعزيز أمن الولايات المتّحدة الأميركية في الشّرق الأوسط)، والذي يشمل إضافة إلى قانون قيصر، مواد تتعلّق باتفاقية الدفاع الأميركية – الأردنية، ومواد آخر تتعلق بأمن إسرائيل، من هنا نجد مدى خطورة هذا القانون وكيف ترى أميركا سورية.

 

 المنعكسات الاقتصادية
 تضييق واختناق كبيران سيتوازيان مع تطبيق سيزر، فهو سيفرض على كلّ من يتعامل مع الحكومة السورية أو كيانات (أفراد أو شركات) خضعت سابقاً للعقوبات، وهنا تكمن الإشكالية برأي سيروب، إذ أنّ الاقتصاد منذ سنوات يعتمد على شريحة من رجال الأعمال (محتكرة) للنّشاط الاقتصادي، قامت أعمالها على التّعاقدات الخارجيّة مع جهات ومؤسّسات حكومية، ومعظم هؤلاء خاضعون للعقوبات، ممّا سيعيق لاحقاً أيّ نشاطٍ اقتصادي سواءٌ حكومي أو خاص.

 ولكن المكوّن الأساسي لمواجهة آثار الحصار والحرب برأي الدكتور عربش هو دعم الإنتاج وإعادة تبويب بنود التّجارة الخارجية لجهة المستوردات الأساسية، ولكن وعلى الرغم من بطء الإجراءات السياساتية في السّنوات الأولى للحرب، واستنزاف جزء مهم من احتياطي القطع إلّا أنّ عربش يرى أنّ تسارع الخطوات وإعادة هيكلة المستوردات كان ضرورة قصوى وسيبقى أولويّة الأولويات في الأشهر القادمة.

 ما الحل؟!

 الحل برأي سيروب داخلي فقد آن الأوان لتطبيق شعار »دعه يعمل.. دعه يمر « وكسر الاحتكارات الظاهرة والضّمنية، فاستمرار وجودها سيعيق أيّ خطوة أو إجراء من شأنه التّخفيف من منعكسات القانون.

 وبما أنّ الحل داخلي بحت فهناك سياسات اقتصادية من الواجب اتخاذها، يرى الباحث بشار المنير أنّ برنامج إحلال الصّناعات السورية بدلًا عن المستوردات واحداً من هذه السياسات، ولكنه يرى أيضاً أهميّة إضافة مواد جديدة إليه بالتّشاور مع المنتجين في القطاعين العام والخاص، ومساعدتهم في تسهيل حصولهم على القروض والمساعدات اللوجستية الأخرى، الأمر الذي يقودنا إلى إيقاف استيراد جميع المواد الكمالية وشبه الكمالية حتّى لو تهريباً فما يتطلّبه الوضع الآن هو التّركيز على الأساسيات.

 والأهم برأي المنير ألّا نلجأ إلى تعويض النّقص في إيرادات الخزينة من جيوب الفئات الفقيرة والمتوسّطة كما فعلت حكوماتنا قبل الأزمة وخلالها.

 والمطلوب تطوير وتنويع العلاقات مع الدول الصديقة ومحاولة فتح خطوط ائتمانية لتأمين مستلزمات الإنتاج والمواد التي لا نستطيع الحصول عليها من الأسواق العالمية خاصة الأوروبية.

 واقترح المنيّر عدّة نقاط يمكن العمل عليها لتخفيف الأضرار المتوقّعة بعد تطبيق قانون قيصر أولّها ضمان استلام محصول القمح مهما تطلب ذلك من مستلزمات لوجستية أو سياسية، والتّركيز على تصنيع المنتجات الزّراعية وتحفيز المستثمرين والمنتجين المحليين.

 _الإشراف المباشر على تحسين حقول النفط والغاز المتاحة، وتسريع العمل للاستفادة من الحقول في المياه الإقليمية بالاتّفاق مع الشركات المستثمرة.

 _تذليل جميع الصعوبات التي تعترض المنتجين الوطنيين ومساعدتهم في تأمين مستلزمات الإنتاج والحصول على القروض.

 _إعطاء الأولويّة لدعم وتطوير شركات ومؤسّسات القطاع العام الصناعي الرّابح والحدودي، ووضع إدارات خبيرة لقيادته والانتباه إلى أهميّة زيادة إنتاج معامل الأسمدة والعلف بالتّعاون مع الدول الصديقة.

 ويوافق المنير ما ذهب إليه عربش من مكافحة الفساد وإيقاف التهريب، لكنّه يرى أهميّة في تعديل بنود الموازنة والاعتماد على المناقلات بين اعتماداتها الرئيسية، بإيقاف مشاريع الإنشاء والسّياحة والعقارات، وإجراء مناقلة لنقل جزء من اعتمادات هذه المشاريع إلى قطاع الصناعة والزراعة والبنية التحتية.

 فجوة تتطلّب الحل

 ما فنّده المنيّر نجده واضحاً في حديث الدكتور زياد عربش الذي يرى أّنه لابدّ من إعادة صياغة السّياسة الاقتصادية وبمكوّنها الاجتماعي كأهميّة مطلقة، والتّصدي لمشكلة تفاوت توزيع الدّخل من مصدره إلى إنفاقه، مروراً بالضّرائب حيث أنّ استئصال الفساد وكبح جماح كلّ الممارسات الملتبسة يكتسب أهميّة اقتصادية ومجتمعية، خاصّة مع تنامي الطّبقات المهمّشة فمنها من ضحى بالغالي والنّفيس.

 فمواجهة الغطرسة الغربية تفرض المزيد من التّلاحم، وأن تسير سورية بسرعة واحدة، لا أن يكون فيها شرائح مهمّشة وأخرى تجني أرباح بطرق ملتبسة، أو باستغلال القانون والإجراءات والتحايل والاحتكار، من استغلال الدّعم المقدم للإنتاج إلى سعر الصرف لتمويل المستوردات إلى العدالة الضّريبية ووصول الدّعم لمستحقيه والذي كان وسيبقى فجوة تتطلب الحل، فأيّ سياسة اقتصاديّة دون مكوّن اجتماعي ولاتعتمد مبادرات جريئة وجوهريّة _تشمل مكونات المجتمع وتأمين سبل العيش_ تبقى محصورة بإطار زمني ضيّق دون أفق تنموي.

 الكرة في ملعب الحكومة

 يبدو أنّ الحل يمكن أن يكون على شكل دعم تقدّمه الحكومة لأبنائها، لكن دعم بفوائد مسقبليّة من خلال الإنتاج الذي يسبّبه هذا الدّعم من زراعة أو صناعة، ومساهمته في الاقتصاد الوطني، وهو ما يذهب إليه الدّكتور عربش الذي يتساءل: ماذا يمنع من توظيف الموارد المالية المتاحة بقروض ميسّرة جداً، مع تخفيض تكاليف إعادة الإقلاع لأنشطة اقتصادية جوهرية في مناطق عديدة من سورية، ولو تمّ توزيع مجاني لأراضي الدّولة وبالتالي توسيع دائرة الإنتاج الزراعي والصناعي؟

 المرحلة القادمة ستكون الأصعب والخطوات فيها يجب أن تكون مدروسة أكثر، والقرارات صائبة أكثر، وهو ما يشير إليه المنيّر إذ يقول أنّ المرحلة الآن مرحلة اختبار لوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك التي لم تظهر سابقاً كحامية للمستهلك وكان تأثيرها شبه معدوم خلال سنوات الأزمة، وأيضاً خلال الإجراءات الوقائية لمنع انتشار فيروس كورونا.

 ويضيف: صمود سورية الآن متوقف على حسن الأداء الحكومي وعلى حسن التعامل مع مواجهة قانون قيصر.

 ويختم المنيّر: الكرة الآن في ملعب الحكومة، القانون فرض، لكن كلّ ما نتمنّاه ألا تتحمّل الفئات الفقيرة والمتوسطة عبء انعكاسه عليهم دون غيرهم.

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني