الصناعات الدوائية على حافة الهاوية .. فما هي الأسباب والحلول؟

الصناعات الدوائية على حافة الهاوية .. فما هي الأسباب والحلول؟

المشهد – محمد الحلبي

قطار الحرب الذي أرغم السوريون على الركوب فيه لم يصل إلى محطته الأخيرة منذ أن انطلق عام 201، محطات بؤس وشقاء، ومحطات تجرع فيها المواطن السوري كؤوس مرارة الحياة، وهو يمني النفس بفرجٍ قريب، إلى أن وضعت الحرب الميدانية أوزارها، وقبل أن يتنفس الصعداء وجد نفسه محاصراً بحربٍ اقتصادية لم يعش ويلاتها حتى في أوج الحرب المدمرة التي عصفت بالبلاد، وما زاد الطين بلة جائحة – كورونا- العالمية التي لم يتوانَ دواعش الداخل عن استثمارها لمصالحهم الخاصة، إلى أن وصل الأمر إلى الصناعات الدوائية، تلك الصناعات التي وضعت الحكومات المتلاحقة تحتها خطوطاً حمراء إلى جانب الغذاء، لكن على ما يبدو أن تلك الخطوط بدأت تسقط الواحد تلو الآخر حتى أصبحنا على حافة الهاوية.

مواطنون مستاؤون

على باب إحدى صيدليات نقابة المعلمين في منطقة التجهيز بدمشق كانت طوابير من المعلمين ينتظرون دورهم لصرف وصفاتهم الطبية التي زادت أسعارها بشكلٍ مضاعف رغم الحسومات على وصفاتهم، انتقادات كبيرة طالت وزارة الصحة لعدم اتخاذها إجراءات حقيقية وواضحة للحد من التلاعب بأسعار الأدوية، وعدم المقدرة على ضبط أسعارها، فيما قال مواطنون آخرون أن أسعار الأدوية باتت تختلف من صيدليةٍ لأخرى حسب مزاج الصيدلاني ودون رادع رغم صدور تعميم من وزارة الصحة يقضي بإلزام معامل الأدوية بطباعة الأسعار النظامية على علب الأدوية، إلا أن هذا الإجراء لم يقنع المواطنين الذين أبدوا رفضهم المطلق لمظاهر الاستهتار والتسيب والفوضى في الأسعار، وتقاضي سعر الدواء بشكل مغاير للسعر الموجود على العلبة، فيما طالب مواطنون آخرون بإلزام كل صيدلاني بإعطاء فواتير نظامية مختومة بهدف القضاء على التلاعب بالأسعار، ولسان حالهم يتساءل: ما سبب كل هذا الارتفاع الجنوني بأسعار الأدوية؟

أسباب ومبررات

حاولنا التقصي عن أسباب ارتفاع أسعار الأدوية، ولنبدأ من حيث انتهى بنا المطاف مؤخراً من جائحة كورونا، حيث لجأ أصحاب العديد من معامل الأدوية إلى صناعة المعقمات والأدوية المضادة لمكافحة هذا الفايروس مثل الفيتامينات وهيدروكسي كلوروكين على حساب إنتاج الأصناف الأخرى من الدواء ما سبب بانقطاع العديد من الأصناف بالتوازي مع ارتفاع أسعارها.

وفي جانب آخر يرى الصيدلاني (ح،ع) أن اختلاف أسعار الأدوية الأجنبية والمهربة وارتفاع أسعارها بسبب اختلاف المصدر المورد، وتقاضي أجور وتكاليف جلب الأدوية التي كانت تصلنا غالباً من لبنان، أما الأدوية المحلية فعزا محدثنا السبب إلى ضعف الرقابة على الصيدليات بشكلٍ عام وعدم وجود شكاوى بحقهم، وأضاف أن ذلك لا يلغي أن أسعار الأدوية وتكاليف صناعتها باتت باهظة الثمن، وأشار إلى أن الصيادلة غير مخولين بضبط الأسعار، إذ أن المعامل تقدم كشوفاً بالأسعار ليتم عرضها على لجان مختصة من وزارة الصحة لتقوم بشراء المواد الأولية بالعملة الصعبة.

فيما عزا مصدر من وزارة الصحة أن المعامل والمستودعات التي لا تخضع لوزارة الصحة وتتبع لوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بحاجة إلى رقابة شديدة ويتوجب على الوزارة المذكورة مراقبتهم بشكلٍ جدي من جهة تسعير الأدوية.

أما الدكتور (أ،م) صاحب معمل أدوية فقال: لم يبقَ سلعة في البلاد إلا وارتفع سعرها، فكيف بنا بالأدوية، وهي من الحاجات الملحة والضرورية، خصوصاً إذا ما علمنا أن المواد الأولية الداخلة في صناعتنا هي مواد مستوردة بمعظمها، هذا عدا عن ارتفاع أسعار باقي ملحقات هذه الصناعة التي قد تغيب عن بال الكثيرين من علب كرتونية وعبوات وطباعة نشرات طبية، بالإضافة إلى زيادة أجور العمال، وارتفاع أجور وتكاليف النقل وخاصة بين المحافظات، فكل ذلك بحاجة إلى تمويل، وإلا سوف يتوقف معمله وباقي معامل الأدوية عن الإنتاج.

حلول إسعافية

أما عن الحلول فتابع الدكتور (أ،م) أن الحلول تكون بالدعم الحكومي لهذه الصناعة، ومساهمتها بتأمين المواد الأولية لها، وتحمل جزء من النفقات ليتم إيصالها إلى المرضى بأسعارٍ تتناسب مع الوضع الاقتصادي الصعب للبلاد، وبما يتناسب مع دخل المواطنين.

وختم محدثنا حديثه مشيراً إلى أن الدواء المحلي يبقى أقل سعراً من الدواء الأجنبي ويضاهيه بالجودة.

صرخة من تحت قبة البرلمان

صرخة مدوية أطلقها عضو مجلس الشعب السيد وضاح مراد عبر صفحته الشخصية على الفيسبوك منتقداً عمل الحكومة عندما قرع ناقوس خطر توقف معامل الأدوية عن الإنتاج فقال: 

فلتُقرع نواقيس الخطر جميعها الآن.. وأنا أقرعها.

نعم يا حضرة وزير الصحة ويا رئيس الحكومة ويا أيها الفريق الاقتصادي الجهبز!

الدواء والغذاء خط أحمر وخطير على الشعب، وأنتم فشلتم حتى الآن في الغذاء، وماضون بطريقكم لغلق مصانع الأدوية السورية التي كانت تغطي احتياجات السوق المحلية وبأرخص الأسعار، وتصدر إنتاجها لأكثر من ثمان وخمسين دولة.

نعم يا جهابزة.. أسبوع آخر وستُغلق جميع معامل الأدوية بعد أن تنتهي المواد الأولية الباقية فيها! كيف تطلب يا وزير الصحة أنت والحكومة من مصانع الأدوية تسعير الأدوية على سعر صرف الدولار بأربعمائة ليرة وتقول له دبر راسك بشراء الدولار من السوق وسعره فوق الألف وسبعمائة!

وكأنك تقول أغلق مصنعك.

أعطه الدولار بثلاثمائة وطالبه بتخفيض سعر الدواء للسوق المحلي.أزمة الدواء أخطر بكثير من كورونا التهويل! اصحوا فقد فات الأوان . 

إبرة بنج

نقيب صيادلة سورية الدكتورة وفاء كيشي وفي تصريحٍ لها أفادت أن النقابة ليس لها علاقة بموضوع تسعير الأدوية، إنما الجهة المعنية هي وزارة الصحة، وذلك وفق معايير محددة تقدرها هي، والنقابة تطبق التسعيرة، وتقوم بعملية المراقبة على الصيدليات، وهناك تشدد في هذا الموضوع، وعند وجود أي مخالفة يتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق الصيدلاني المخالف، ونوهت إلى أنه لم يأتِ إلى النقابة أي شكوى حتى الآن.

وأكدت كيشي أن هناك رقابة على الأدوية المهربة، وأن النقابة تعد حملة وطنية لمقاطعة الدواء المهرب بمختلف الطرق لما لها من آثار مضرة بالاقتصاد الوطني مع تأمين البديل اللازم..

نقطة نظام

في نهاية المطاف يجدر بنا الإشارة إلى أن معامل الأدوية في سورية كانت تلبي ما يقارب 90% من احتياجات السوق المحلية من الأدوية، حتى أن بعض المعامل بدأت بتصدير منتجاتها إلى دول الجوار ودول الخليج العربي، لكن الحرب الميدانية والاقتصادية والحصار الجائر على البلاد سبَّبَ تراجعاً كبيراً في هذه الصناعة التي تعمل الدولة جاهدة لإعادتها إلى سابق عهدها رغم الصعوبات التي تعترضها.

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر