100 عام من الحرب التركية المستمرة: المياه مع سوريا حبيسة

100 عام من الحرب التركية المستمرة: المياه مع سوريا حبيسة

زياد غصن

القطع المتكرر لمياه الشرب عن أحياء مدينة الحسكة مؤخراً، خطوة ليست بالجديدة على السياسة التركية، القائمة في أحد ركائزها على التعامل مع المياه كورقة ضغط سياسية واقتصادية على الدول المجاورة.

 إذ رغم مرور 100 عام على أول اتفاقية تعاون لتقاسم مياه نهري دجلة والفرات، إلا أن الحكومات التركية المتعاقبة رفضت الالتزام بما خلصت إليه جملة الاتفاقيات المائية الموقعة مع كل من سورية والعراق، وآخرها كان في العام 1987 .

 وحتى عندما كانت سياستها الخارجية تقوم على ”تصفير“ مشاكلها مع دول الجوار، فإن أنقرة حافظت على مساعيها الرامية إلى الاستحواذ على القسم الأعظم من مياه نهري دجلة والفرات، بحيث لم يكد يمر عام واحد دون أن تخل بالتزاماتها حيال كميات المياه المتدفقة عبر النهرين نحو الأراضي السورية والعراقية. فضلًا عن استمرارها في بناء المزيد من السدود، وإقامة المشاريع الكبيرة ك .GAP ومع دخول سوريا والعراق مرحلة المواجهة مع التنظيمات المسلحة وفي مقدمتها تنظيم ”داعش“، تفردت الحكومة التركية، ولأسباب سياسية غالباً، في إدارة الملف المائي المشترك مع دول الجوار.

 فعمدت مراراً خلال سنوات الحرب إلى تخفيض مناسيب مياه نهر الفرات المتجهة نحو سوريا إلى حدودها الدنيا، والتي كانت وفقاً لسكان منطقة الفرات تهدد باستمرار تأمين مياه الشرب أو توليد الطاقة الكهربائية. وليس هذا فحسب. إذ وفق ما جاء في التقرير الوطني للتنمية المستدامة الصادر مؤخراً، فإن“ قيام تركيا وبشكل مخالف للاتفاقات الثنائية الموقعة بتخفيض الحصة السورية من نهر الفرات لأسباب سياسية“ كان أحد العوامل الرئيسية، التي أدت إلى تراجع ملحوظ في المساحات الزراعية المستصلحة والمروية بين عامي 2011 و 2015

 لم تبرد بعد!

 تراجع كميات المياه المتدفقة عبر نهر الفرات، مثل تحدياً جوهرياً للعلاقة السورية التركية على مدى عدة عقود من الزمن. ورغم نجاح دمشق وتركيا في التوصل إلى اتفاق ثنائي في العام 1987 يتضمن تعهداً تركيا بضخ ما يقرب من 500 م 3 في الثانية من المياه باتجاه سوريا، وذلك لحين انتهاء تركيا من تعبئة سد أتاتورك، والذي كان متوقعا له أن ينتهي في العام 1992 ، إلا أن تنفيذ ذلك شابه في السنوات التالية كثير من المخالفات التركية، المستندة إلى عاملين أساسيين: الأول رغبة أنقرة في التحكم والاستفادة من مياه نهر الفرات إلى أقصى ما يمكن، سواء في توليد الطاقة الكهربائية شبه المجانية أو في تنفيذ المشاريع التنموية الكبرى.

 والعامل الثاني يتمثل في تحقيق أكبر قدر من المنافع السياسية في علاقات أنقرة مع كل من دمشق وبغداد.

 لكن بالعموم، فإن تخفيض كميات مياه نهر الفرات المتجهة نحو سوريا والعراق لم يصل في أي عام، قبل الحرب أو خلالها، إلى مرحلة القطع الكامل بحسب ما يذكر باحث سوري متخصص بالموارد المائية وعلى علاقة بهذا الملف. وهذا ليس لرغبة تركية، وإنما يعود برأيه لأسباب بيئية متعلقة بامتلاء السدود نتيجة الهطولات المطرية الجيدة في بعض السنوات، وتالياً اضطرار السلطات التركية تمرير الكميات الفائضة إلى مجرى النهر، هذا إضافة إلى الرشح الطبيعي في جسم السدود والبحيرات، والتي تسمح بنفاذ كميات من المياه بالتدفق دورياً إلى مجرى النهر.

 ويشير الباحث، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، في حديثه ل ”المشهد“ إلى أن جل المشكلة تكمن في ”نمط جريان النهر ونوعية المياه التي يسمح الجانب التركي بتدفقها إلى الأراضي السورية“، معتبراً أن حل المشكلة ينطلق من اتفاق الدول الثلاث المشتركة في نهر الفرات على المبدأ، والقائم على إيجاد تفاهم لتقاسم الموارد الطبيعية المشتركة في إطار عملية إدارة الموارد الطبيعية والبيئية، وبما يحقق مصلحة شعوب الدول الثلاث. ودون أن يكون للحسابات أو الأسباب السياسية أي تأثير.

 الضرر على الزراعة

 ومع أن الضرر من تخفيض الحصة السورية من مياه نهر الفرات يتوزع على ثلاثة قطاعات أساسية هي: مياه الشرب، توليد الطاقة الكهربائية، والقطاع الزراعي. إلا أن هذا الأخير يحظى بأهمية خاصة لكونه يمس بمعيشة ومصدر رزق مئات آلاف السكان، وبالنشاط الاقتصادي للبلاد عموماً. وفي هذا السياق يلخص المهندس حسان قطنا الباحث المتخصص في الشؤون الزراعية واقع العلاقة المائية مع تركيا فيما يخص نهر الفرات من وجهة نظر زراعية، فيشير إلى وجود إشكاليتين في تلك العلاقة،

الإشكالية الأولى“ أن تركيا ترسل لنا كميات كبيرة في موسم الفيض قبل شهر نيسان، وتعطينا تصريف يومي أقل مما نحتاج إليه في الأشهر الأخرى، لذلك فهي تقول إنها تعطينا حصتنا. لكن ما تورده لنا شتاءً لا نستفيد منه كاملًا مما يضطرنا الى تمريره بجريان النهر نحو العراق، ليأخذ هذا البلد أكبر من حصته.

علماً أنه في أشهر الصيف تتحدد المساحات المزروعة بالمحاصيل الصيفية قبل السدود بكمية التصريف اليومي المقابل في سنة مضت“.

 ويضيف المهندس قطنا في حديثه للكاتب أن ” الإشكالية الثانية تتعلق بنوعية المياه، فمثلًا نهر الجلاب، الذي تعرض للجفاف بفعل مشاريع الري التركية، تحول مجراه إلى مصب للمصارف الزراعية والصناعية والسكنية التركية، بحيث تردنا مياهه ملوثة بالطمي والمخلفات الصناعية، والتي يمكن أن يكون لها أثر تراكمي في التربة“. وللأسف فهناك محاصيل زراعية غذائية تزرع في هذه التربة، وتروى بالمياه الملوثة المذكورة. وحتى الآن لم تتمكن الجهات العلمية السورية من الوقوف على حجم التلوث، الذي ربما يكون قد أصاب المناطق المحيطة بنهر الفرات، جراء الاستثمار العشوائي للآبار النفطية من قبل المجموعات المسلحة، ومصافي النفط البدائية التي أقيمت في مناطق متفرقة من المنطقة الشرقية.

 وبحسب ما يذكر المهندس قطنا فإنه ” يتم التخطيط لزراعة المحاصيل والخضار الشتوية والصيفية في منطقة الفرات حسب الموازنة المائية المحددة من وزارة الموارد المائية. والتي تتضمن كمية الموارد المائية المخصصة للزراعة. وفي حوض الفرات يتم التخطيط على المستوى الكلي للحوض، وعلى مستوى كل مشروع ري على حدا، فالأراضي المزروعة المروية من نهر الفرات بعد السد تكون شبه مستقرة، لأنه يعتمد في تزويدها بمياه الري على المياه المخزنة خلف السد، وهذه يمكن أن تتراجع عند انخفاض كميات المياه الموردة من تركيا، وتحديداً في سنوات الجفاف، كما حدث في الأعوام التالية: 1998،1999 ، 2008 ، 2009 ، 2014 . مع الإشارة إلى أنه لا يمكن استهلاك كل ما هو موجود في البحيرة من مياه، فانخفاض منسوب البحيرة عن حد معين قد يحرم محافظة حلب من مياه الشرب، لذا فإن استمرار جريان النهر وإمداد البحيرة بالمياه هام لتوفير المياه اللازمة للري ولإعطاء العراق حصته من المياه“.

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر