الاقتصاد السوري هش قبل "كورونا" فماذا بعده؟

الاقتصاد السوري هش قبل "كورونا" فماذا بعده؟


مادلين جليس
قد يكون من الصواب أن نسمّي ما تتعرض له الاقتصادات العربية والعالمية بالاختبار القوي، فما سينجم عن »كورونا « أخطر بكثير مما نجم عن الحروب والكوارث، واستبعاد أضرار ذلك لا يعدو كونه نوعاً من التندّر الخاطئ. فالضرر الذي يصيب حجم الإنتاج وقوّة العمل كبير جداً لا يتوقف على منتج أو منطقة، إنما يتسع ليشمل كلّ شيء عدا مايختصّ بمحاربة الفيروس المستجد القاتل. ينذر صندوق النّقد الدولي بحدوث »أسوأ تراجع اقتصادي منذ الكساد العظيم « في ظل توقعات بتراجع النمو لهذا العام بنسبة % 3، وهو ما يُعدّ تغيّراً جذرياً واضحاً منذ تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الأخير الصادر في كانون الثاني الفائت.

 تراجع النمو الاقتصادي العالمي بحسب غيتا غوبيناث، المستشارة الاقتصادية ومديرة إدارة البحوث في صندوق النقد الدولي، أنه إذا افترضنا أنّ الجائحة وما يتبعها من إجراءات احتواء، ستبلغ الذروة في الربع الثاني من العام بالنسبة لمعظم البلدان، وستتراجع في النصف الثاني من العام، فإن النمو العالمي في 2020 سيتراجع بنسبة % 3، وهو تراجع ب % 6.3 نقطة عن كانون الثاني لهذا العام.

 هذا تغيّر كبير في غضون فترة قصيرة، وهو ما يجعل الإغلاق العظيم أسوأ تراجع منذ الكساد العظيم، وأسوأ بكثير من الأزمة المالية العالمية. «

 خسارات بالجملة
خسارات بالجملة هذا كلّه بالنسبة للعالم، فكيف سيكون على الاقتصاد السوري الهش، المضطرب أصلًا بفعل أزمة امتدت لعشر سنوات حملت معها أزمات كثيرة اجتماعية وتعليمية ومعيشية، ليأتي بعدها فيروس كورونا وليصب »الزيت فوق النار .« وعلى الرّغم من صعوبة تقدير أثرها التّراكمي في الفترة الحالية إلا أنّ الجميع قادر على التّنبؤ بما سيحمله من عواقب جمّة وخسارات بالجملة وخاصة بعد تطبيق قانون قيصر في حزيران المقبل.

 فقطاع الصناعة مثلًا نستطيع أن نقسمه إلى قسمين منه ما استفاد من أزمة كورونا ومنه من تضّرر، وكما يعلم الجميع فالصناعات الغذائية استفادت بشكل كبير من زيادة الطّلب عليها، وما يرتبط فيها من التّغليف والتّعبئة للمواد الغذائية التي قد يكون كورونا ساهم في انتعاشها أكثر في إجراءات الوقاية. إضافة إلى المعقّمات ومواد التّنظيف التي وصلت بعض الأنواع منها إلى حدِّ الفقدان من السوق.

 إلا أنّ هناك جانباً آخر وهو العرض كما يشير الدكتور فؤاد اللحام نائب رئيس جمعية العلوم الاقتصادية و معاون وزير صناعة أسبق فانتعاش القطاعات الغذائية التي تمد السوق اليوم بالمنتجات، يراها أّنها عملية مؤقّتة، ويتساءل اللّحام: إلى أيّ حد سيساعدها مخزونها على تلبية هذا الطّلب مع بطء إمكانية الاستيراد، فالاستيراد أيضاً حتى في الدّول التي تورّد مواد أولية متوقّف.

 الصّناعات النّسيجية أيضاً توقّفت إلا ما اتّجه منها لصناعة الكمامات، وأيضاً الصناعات الهندسية متوقفة تماماً من حيث الإنتاج ومن حيث الطّلب على هذا الإنتاج، فكما يرى اللّحام أنّ هذه الصناعات كما غيرها تحتاج إلى مواد أولية مستوردة، إضافة إلى أنّ الطّلب عليها شبه متوقّف، فالمواطن في هذه الظروف لن يتّجه لشراء السّلع المعمّرة من براد وغسالة، إّنما همّه الأكبر هو تأمين الغذاء.

 هل يعود التّصدير؟

 قطاعي الاستيراد والتّصدير هما من أكثر القطاعات التي تؤشّر بتعافي الاقتصاد أو انهياره، وفي السّنتين الأخيرتين استطاع قطاع التّصدير بحسب آراء المعنيين عليه أن يحقق تقدّماً نسبياً تجلّى في زيادة الصادرات السورية، مقارنة بأعوام الأزمة التي سبقتهما، لكنّ ذلك طبعا تأثّر بفيروس كورونا، فكثير من الصناعات التي كانت تستهدف أسواقاً خارجية، بقيت الآن مخزّنة في المستودعات، بانتظار انفراج الأزمة وعودة عجلة التّصدير إلى ما كانت عليه.

 لكن هذه البضائع في المستودعات قد تلقى الدّعم المطلوب لها، فكما يشير وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية الدكتور سامر الخليل أنّ وزارة الاقتصاد أعلنت عبر موقعها مساعدتها بتسويق المنتجات الفائضة تصديرياً لدى بعض القطاعات للمتضررين جراء إيقاف المهن والأعمال ومنافذ التصريف المحلية، فبعض القطاعات التي توقّف البيع فيها في الفترة الماضية كالألبسة والنسيج منها ربما يكون قد تراكم في مستودعاتها كمية من البضائع، بالتالي عمدت الوزارة إلى موقعها لتساعد هؤلاء المتضررين، بحيث تعرف مافي هذه المستودعات من كميات وطبيعة المواد فيها، إضافة إلى الدّول التي كانوا يصدروا إليها والأسواق المستهدفة ببضائعهم، لكي تقوم الوزارة بمساعدتهم في التّصدير عبر الدّعم والتّسهيلات الممكنة.

 ضرر التّجارة لاحق

 جمود اكتنف قطاع التّجارة السورية، خاصة من ناحية شحن البضائع من دول مختلفة من أنحاء العالم، وعلى الرّغم من أنّ حالة التوقّف هذه تعدّ حالة طبيعة لتأثيرات أزمة كورونا كما يرى عمار البردان عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق إلا أن التجّار يعانون من مشاكل أخرى أهمها صعوبة وصول الأوراق في ظل توقف البريد السّريع، يتساءل البردان: كيف سيستطيع التاجر شحن أوراقه،

 وأضاف: وصلت البضائع لكن كيف ستصل الأوراق؟ وكل شيء توقّف.

 وأشار أّنه كتاجر لم يتوقف له أي عمل من ناحية توقّف شحن بضائع أو الأوراق، لكن التّجارة في البلد بشكل عام تأثرت كثيراً، خاصة القادم منها من الصين ودول شرق آسيا، وهناك من تقف بضائعه بسبب الشركات الخارجية التي يتعامل معها، فالاقتصاد العالمي تأثر.

 وزارة الاقتصاد وفي دعمها لاستمرار تدفّق السّلع في الأسواق عملت على اتجاهين، يتحدّث عنهما وزير الاقتصاد، يتمثّل الأول في تسهيل إجراءات استيراد المواد الضرورية التي زاد طلبها في الأسواق السورية ومنها الأرز.

 أمّا الاتّجاه الثاني فمعني بتسهيل دخول البضائع الممنوحة إجازاتها مسبقاً والتي اشتكى التجّار من صعوبة وصول أوراقها، خاصّة بعد أن عانى كثير من التّجار من صعوبة وصول وثائق المواد التي استوردوها، وخاصّة أنّ المطارات وبعض الحدود البرية أغلقت.

 ولذلك عمدت وزارة الاقتصاد بحسب الخليل إلى السّماح للتجّار بتقديم صورة الوثائق على أن تقدّم الوثائق النّظامية بعد شهرين من التّخليص الجمركي.

 تراجع حتمي وأزمة مرتقبة

 وفي جانب آخر فهناك الكثير من الآراء التي رأت فائدة إحصائيّة من أزمة كورونا ومن إيقاف الفعاليات الاقتصادية غير النظامية عن العمل، أو ما يمكن أن نسميه بالاقتصاد الأسود، فأرقام النّاتج المحلي الإجمالي التي يصدرها المكتب المركزي للإحصاء تؤكّد أنّ هناك مساهمة غير مباشرة من هذا الاقتصاد غير المنظم، كما أن تقديرات الخبراء تشير إلى أنه وصل إلى % 80 ، و حسب تقديرات مختلفة فإن حجم اقتصاد الظل يتراوح بين 50 -٪ 70 .

 غير أنّ تقدير النّاتج المحلي الإجمالي في المكتب المركزي تأخذ ذلك بالاعتبار، كما يقول الدّكتور اللّحام، فهم لايحسبون فقط الاقتصاد الرسمي بل هناك تأثيرات وتثقيلات معيّنة تحسب ولذلك فليست كل الأرقام للاقتصاد الرسمي.

 لكن التّراجع موجود حتماً، برأي اللّحام خاصّة أنّ قسماً كبيراً من القطاعات المنتجة لن تستطيع العودة تماماً لا النظامية ولا غير النظامية إذا استمرت هذه الحالة فالخسارة متراكمة، خاصّة في ظل توقّعات بالأزمة الاقتصادية العالمية وهي الأكبر من حيث تأثيرها على كل الدّول.

 لكنه مع ذلك يؤكد أنّ هذا التّأثير يختلف بين الدّول بحسب ارتباطها باقتصاد الدّول الكبرى، ويذكّر اللّحام بالأزمة العالمية في عام 2008 حيث تأثّرت سورية فيها، لكن ليس كدول أخرى، أمّا الآن بحكم العقوبات هناك تأثيرات أكبر خاصّة إذا طُبّق قانون قيصر في حزيران القادم، والحديث عن احتمالية عدم تطبيقه ترتبط بالضغط العالمي على ذلك، إلا أّننا لايجب أن نعوّل على عدم التّطبيق هذا.

 العودة إلى الثمانينيات

 لكن ما تكشفه المؤشّرات الاقتصادية يوحي بخطر أكبر، فيما لم تستطع الحكومة تكثيف جهودها لتعزيز محركات النّمو الاقتصادي، دون تجاهل أنّ لديها مناورة مهمّة لمواصلة النّهوض الاقتصادي عبر العودة إلى فترة الثمانينات، حينما استطاعت تحقيق الاكتفاء الذاتي، من خلال الاعتماد على المقدرات الزراعية وتشجيع الصناعية المرتبطة فيها.

 الأهم من ذلك كله، والذي لايجب أن تغفل عنه الأعين إلغاء العقبات الموجودة في الاقتصاد، والعمل على تحفيز المنافسة في السّوق مع الإشارة إلى دعم مهم للشركات الصغيرة والمشاريع الرّيعية التي ستكون داعماً في المرحلة المقبلة وهذا كلّه يحتاج إلى مراقبة اقتصادية لمكافحة الاحتكار والمحافظة على القدرة الشّرائية للمواطنين.

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني