ما هما الصنعتان اللتان أساء إليهما مسلسل "بروكار"؟

ما هما الصنعتان اللتان أساء إليهما مسلسل "بروكار"؟

المشهد - بديع صنيج

أكثر ما يزعج في مسلسل "بروكار" تأليف: "سمير هزيم"، وإخراج "محمد زهير رجب"، أنه أساء إلى صناعتين سوريتين مهمتين معاً: الأولى الصناعة النسيجية العريقة، التي حمل اسمها وشكَّلت علامة فارقة في التراث الثقافي المادي في سوريا وخاصة مدينة دمشق، والثانية هي صناعة الدراما بعناصرها المختلفة ابتداءً من السيناريست، مروراً بالممثل، وليس انتهاءً بالمخرج وبقية المهن الدرامية المختلفة.

فعلى صعيد الصنعة النسيجية، ظهر البروكار وصناعته كأنه مُجرَّد تغطيس بعض الخيوط ببعض المواد ثم تعصيرها، كما بدا أن الدمشقيين المُشتغلين بهذه الصناعة، ليسوا أكثر من سُذَّج وبلا أدنى معرفة بتقاليد تلك الصنعة، فهم بحاجة دائمة إلى خبرات أخرى تردفهم من أيدٍ أرمنية وغيرها لتجعل البروكار بكامل ألقه.

أما ما يتعلق بالصنعة الدرامية، فظهرت ضمن هذا المسلسل "تخبيصاً" فوق "تخبيص"، إذ رغم غنى المرحلة التاريخية التي تناولها من أربعينات القرن المنصرم، إلا أنه حافظ على منطق الحارات الضيقة، والزعامات الافتراضية، والمقهى الشعبي، والدكاكين، والمجابهات مع المحتل الفرنسي،... لكن مع إقحامات جديدة أقل ما يمكن وصفها بأنها سخيفة وسطحية، ولا تُغني ولا تُسمن، فمعظم الأحداث محصورة بحارة "الخوخ" أو "السفرجل" لا فرق، والزعامات من الهشاشة والكيديات وكأنهم "كناين"، أما المقهى الشعبي فهو عبارة عن "مصطبة"، والمشفى المركزي ليس إلا واجهة وممشى وغرفة وحديقة، بينما المحتل الفرنسي عبارة عن مجموعة أولاد يقودهم مُراهق، لدرجة بالإمكان اصطيادهم الواحد تلو الآخر بشبكة صيد السناجب، وإهانتهم على الطالعة والنازلة من أسهل ما يكون، ومع ذلك فإنهم يصولون ويجولون ويهدرون كرامات أهالي الحارة ونسائها وكبارها، والأنكى أن لغتهم العربية الفصحى، يا إلهي ما هذا الخيار الدرامي الفظيع لأولئك المحتلين، وكيف ابتدعه القائمون على هذا العمل، إضافة إلى أن النص وضع أولئك الفرنسيين مع أهالي الحارة ضمن لعبة "القط والفأر"، فتارةً يسجنون شباب وبنات الحي كلهم، وأخرى يفرجون عنهم، مرةً يستعينون بـ"عوايني"، وأخرى بـ"عواينية"، وكل ذلك من دون فعالية في تنشيط الأحداث، مثلهم مثل الكثير من الشخصيات، بحيث بالإمكان أن تختصرها إلى العُشْر (1/10) بلا أي إحساس بالذنب الدرامي، فما هذا الفائض من الكومبارس تحت مسمى شخصيات رئيسية؟

لا أتوقع أنه بتاريخ الدراما السورية حصل هذا، وهو ما يستتبع "مطمطة" و"شطشطة" وحوارات بلا طعمة، ومشاهد فائضة عن الحاجة، وما يزيد الطين بلّة، ندرة الأحداث المُحرِّكة، وطوفانها على السطح دائماً، فلا مفصل مصيري، ولا حدث مؤثر، بل معظمها في الإطار الخامد، والكامن، وغير المُجدي بالعموم، وإن حَدَثَ ومتَّعنا ناظرينا بحدث جَدِّي فإن المعالجة البصرية له تكون قادرة على قتله في أرضه، فضلاً عن أن الأداء التمثيلي بمعظمه يبحث عن خيط الذهب في "البروكار" فلا يجده، يحاول أن يستعين بأنواع أخرى فلا تنتظم الأمور، فلا شخصيات في العمق، بل كلها تطفو على سطح الطباع والمشاعر الأحادية والانفعالات غير المركبة، ومع ذلك ثمة الكثير من "الكركبة" الأدائية، مصدرها ببساطة التخلي عن بديهيات العمل الدرامي، من بناء الحدوتة والشخصيات وحتى آخر مراحل هذه الصنعة، لدرجة تشعر أنك مُعاقب أثناء مشاهدة لحلقات هذا المسلسل، وتزداد شدة العقاب مع توالي الحلقات، إذ لا منطق درامي حقيقي في جميع مفاصل هذا العمل، وكلّه "تشليف" بـ"تشليف"، والخشية الكبرى أنه بدل البروكار الدمشقي الأصلي نكتشف أن كل ما شاهدناه ليس إلا قطعة قماش من كيس قنِّب أصابها الاهتراء.

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر