التقنين الرقمي في ظل الكورونا

التقنين الرقمي في ظل الكورونا

المشهد- شام سبسبي
يغدو الإنترنت اليوم بمثابة نافذة حقيقية على الحياة التي لم تعد تميّز بين افتراضي وواقعي منذ زمن بعيد، فكثير من الدول والشركات والأفراد حول العالم يعتمدون اعتماداً كلّياً على هذه الشبكة في مجالات عديدة. 
فبُعيد انتشار الفايروس المستجد "covid 19" اتضح للعالم أجمع ما مدى أهمية هذه الشبكة كحلّ وقائي، فالأفراد اعتمدوا الحياة الافتراضية كبديلٍ عن الحياة الاجتماعية والمهنية، ولجأت الشركات الكبرى والحكومات ومجالس التعاون الدولية لتسيير أعمالها عبر هذه الشبكة العنكبوتية. 
أمّا في سوريا، وبالتزامن مع اعتكاف المواطنين منازلهم كإجراء وقائي من الفايروس، وتوقف مصادر أرزاقهم، تستمر وزارة الاتصالات بإخضاع الشبكة الرقمية للتقنين، حالها حال الكهرباء والبنزين والغاز وغيرها من الضرورات الحيوية للمواطن. 
نمو سوق الإنترنت على كواهل السوريين 
فعلت وزارة الاتصالات خدمة "باقات الإنترنت" في سوريا، أواخر شهر آذار/مارس من العام 2020،  وهي آلية تعمل على معالجة وتحسين جودة الإنترنت كما وصّفتها الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد.

كما روجت الوزارة لهذه الخدمة سابقاً على وسائل التواصل الاجتماعي، ولكنّ استهجان شريحة كبيرة من المواطنين دفع بوزارة الاتصالات إلى تأجيلها، لتخدل الخدمة اليوم حيز التنفيذ، مع التبدلات النقدية التي طرأت في سعر صرف الليرة السورية، فالوزارة تدفع تكاليف البوابة الدولية بالعملة الصعبة، وهذا ما دفعها لاتخاذ سياسات استخدام تعتمد على التقنين.

ووضّحت المؤسسة السورية للاتصالات أن لديها فئة من المشتركين ذات استخدام عالي للإنترنت، وهذه الفئة تتنوّع بين مشتركين منزليين وشركات ومقاهي ومطاعم، يشتركون جميعهم بأن استهلاكهم لا يتناسب مع المبلغ الذي وضع كتسعيرة للخدمة.

يؤدّي هذا الاستجرار بدوره إلى حرمان وزارة الاتصالات من جنيها لإيرادات إضافية مقابل النفقات التي تضعها لتحسين الأداء; ما يدفع بسوق الانترنت إلى التوقّف عن النمو نتيجة لغياب الحافز عند مُزَوَدي الخدمة على الاستثمار، ذلك بحسب موقع الوزارة.

أمّا بخصوص الناقمين من مشتركي الإنترنت؛ فقد وضّح المسؤول في الاتصالات (المهندس منيب الأصفر) أن أصحاب الاستهلاكات العادية سيلحظون سرعة في الإنترنت، ولن يتأثروا وسيبقى دفع الفاتورة في المركز كالعادة، منوّهاً أن من سيتأثر سلباً هم المستخدمون المكثرون من الاستعمال لا غير.
إلغاء الباقة الإضافية بحجّة انقطاع الطلاب عن الدوام! .. 

أعلنت وزارة الاتصالات والتقانة عن مشاركتها في الإجراءات الاحترازية للتصدّي لفايروس كورونا، في منتصف شهر آذار/مارس 2020،  عبر إقرارها زيادة حجم الاستهلاك الشهري بنسبة 50% مجاناً، وذلك بهدف تغطية زيادة استخدام الإنترنت في العطلة.

لكن المبادرة لم تكتمل؛ فمع بداية شهر نيسان/إبريل، نفى مدير الهيئة الناظمة للاتصالات (منهل الجنيدي) عبر إذاعة (شام. إف. إم) ما يتم تداوله حول إضافة باقات إضافية لجميع المزودين، ومن بينهم السورية للاتصالات، وأكّد أن التركيز على جودة الشبكة مع زيادة الضغط عليها هو ما تعتني به الوزارة الآن.

هذا ما أثار السخط العام؛ فسرعان ما ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي بالتعليقات الساخرة والمستنكرة لهذا القرار.

علّق الإعلامي السوري "نزار الفرا" في صفحته على الفيسبوك مستنكراً: "الدولة كلها تأخذ إجراءات استثنائية من أجل الكورونا، كنت أتمنى من وزارة الاتصالات أن تعلّق العمل بنظام الباقات مؤقتاً وليس فقط إعطاء كمية إضافية ريثما تنتهي محنة كورونا، بعد إغلاق المطاعم والمقاهي والمحلات التي تستهلك  إنترنت (جائر) وفق وصف الاتصالات، ألا تستحق العائلات الجالسة في بيوتها أن يفتح لها المجال لاستخدام إنترنت مريح مؤقتاً؟!."

وقامت مجموعة من الطلاب الجامعيين بإطلاق حملة شغلت مواقع التواصل الاجتماعي، ندّدت بالقرار، ووصفته بالسرقة العلنية، وطالبت الجهات المعنية بإيقاف الوزارة وردعها عن تنفيذه. 

كما عبّر مجموعة من المواطنين عن استيائهم؛ فأشار أحد الأشخاص في تعليق له على منشور الخبر في صفحة "دمشق الآن" إلى أنّ طلاب الجامعات يستخدمون الإنترنت لأغراض علمية، كالدراسة، وتحميل المحاضرات التي أصبحت تصدر عبر الإنترنت منذ حدوث الكارثة البيئية (كورونا). 

وقال آخر: "على الوزارة احترام نفسها، واحترام عقول المواطنين؛ فالجودة تسوء بدلاً من أن تتحسّن."
ولكن من أين استوحت الوزارة آلية الاستخدام هذه؟

الديمقراطية الرقمية واقتباس التجارب..

تتبع العديد من الدول، منذ دخولها في خدمة الانترنت، ما يسمّى بـ"سياسة الاستخدام العادل" fair usage policy. وتعدّ المملكة العربية السعودية، إلى جانب الإمارات العربية المتحدة، من أوائل الدول العربية التي وظّفتها.

ويعدّ الشكل الذي اعتمدته وزارة الاتصالات في تطبيق هذه السياسية من الأشكال الأكثر شيوعاً; بحيث ينصّ على أنّ جودة الإنترنت تنخفض في حال استهلاك العميل باقته الشهرية، لكنّ الوزارة بتطبيقها هذا القرار تجاهلت السياقات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، وعوامل الاختلاف بينها وبين الدول المطبّقة لهذه السياسات الاستهلاكية، وغفلت أو تغافلت عن حقيقة أنّ  هذه الدول تزوّد مواطنيها بسرعات إنترنت تعادل القيم المعلن عنها، وتصل أحجام البيانات فيها إلى 30 جيجا بايت كما في السعودية والإمارات المتحدة.

ويضاف إلى ذلك، تغاضي الوزارة عن عدم قدرة شريحة كبيرة من الشعب السوري، الذي يقبع الغالب منه تحت خطّ الفقر، على تحمّل أجور السعات الإضافية. ففي دول الخليج، وبالرغم من الرخاء الاقتصادي الذي يعيش في كنفه الناس، تعد الباقات غالية بالنسبة لمتوسط الدخل لدى معظم الأفراد، وذلك حسب إحصائيات قام بها عدد من العاملين في المجال.  فهل يستطيع المواطن السوري التزوّد بباقات إضافية؟

كلّ ما ذكر في هذا التقرير يشكّل سبباً يمنح المواطن الحق في اعتبار قرار كهذا،ضريبة غير مباشرة، تزيد إيرادات الحكومة من جيوب المعدمين وذوي الدخل المحدود. لكن مسؤولي الوزارة ما يزالون يقابلون هذا الاتهام بالصمت وصمّ الآذان عن موجات الاستنكار العارمة!.
 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر