المخرج باسل الخطيب: الحرب نهضت بالسينما وهناك منتجون فرضوا أعمالاً غير لائقة (فيديو)
المشهد – ريم غانم
الإخراج معركة يكون فيها المخرج هو القائد مع مجموعة من الجنود هم فريق العمل اذا لم يكونوا داعمين ومتناغمين لن يصلوا لخط النهاية ولن يقدموا أعمالاً ناجحة، وفي هذه المعركة المستمرة قدمت أفلام ومسلسلات عن الحرب السورية حاولت توصيفها أقرب إلى الحقيقية وكما حصلت على أرض الواقع.
بهذه الكلمات وصف المخرج السوري الفلسطيني باسل الخطيب أعماله التي قدم فيها عبر ثلاثين عاماً أعمالاً طرحت قضايا آمن بها قبل كل شيء ليقدم من خلال عين كاميرته دراما وسينما تحترم العقول وجعلته سفيراً فنياً للدفاع عن سورية في كل مكان بعد الحصار الجائر نتيجة التحولات التي جعلت السياسة شريكاً في مختلف مناحي الحياة حتى الفن.
وفي حوار مطول مع المخرج تحدث عن بداياته وأبرز أعماله التي حققت له النجاح مضيفاً لها تجربته في الدراما والسينما السورية وكيف كان العمل خلال سنوات الحرب، وكيف كان تأثيرها على هذا القطاع.
كيف كانت تجربتك مع الكتابة في بداياتك ولما توقفت عنها؟
مع بداية عملي في الإخراج كان هناك فترة شح في العمل وعلى اعتبار أني كنت حريصاً على أن لا يمر وقتي سدىً قررت أن أكتب رواية تحدثت عن طفولة شاب فلسطيني ولد في فلسطين ثم لجأ إلى دولة عربية بعد أحداث الـ 67 التي أنتجتها دار سعاد الصباح الكويتية وحصلت من نفس الدار على جائزة عن هذه الرواية، والتي حولتها فيما بعد إلى مشروع فيلم سينمائي، من هنا كانت الانطلاقة وتلتها الأعمال السينمائية والدرامية.
لكن لم أعد لتجربة كتابة الروايات كونها مهمة شاقة وصعبة، فأنا أعتبر إخراج عشرة أفلام أسهل من كتابة سيناريو واحد، وعليه كان في رصيدي أكثر من ثلاثين عمل درامي وثمانية أفلام سينمائية آخرها سيرة حياة مطران القدس هيلاريون كابوتشي.
رغم اعترافك بصعوبة تجربة الكتابة عدت لها في سيناريو فيلم الاعتراف الذي كتبته مع ابنك مجيد، كيف كانت هذه التجربة؟
نتيجة علاقتي مع ابني مجيد الذي درس الإخراج وهو يعمل حالياً على عدد من المشاريع التي أشجعه عليها وأفتخر به، فهو يمتلك ذهنية منفتحة ومتحرر من القوالب التي يعمل جيلنا عليها، من هنا تشاركت معه وكتبنا سيناريو قدم من خلاله العديد من الاقتراحات الدرامية التي تغني الفكرة وخرجنا بفيلم »الاعتراف «، لكنها لا تعد التجربة الأولى فسبق أن عملنا معاً في فيلم » دمشق حلب « الذي قدم لي خلاله العديد من المقترحات الجيدة التي استفدت منها ووظفتها في مكانها.
لديك الكثير من الأعمال الدرامية التي تتعلق بالسيرة الذاتية، لما تفضل هذا النوع على الرغم من صعوبتها وتعرضها للكثير من الانتقادات؟
على العكس الوضع في سورية تغير خلال سنوات الحرب وحققت السينما نقلة نوعية على جميع الأصعدة، على الأقل أتحدث عن تجربتي فخلال عرض الأفلام في دمشق ومعظم المحافظات كان هناك إقبال شديد من السوريين على المشاهدة .
مطران القدس هيلاريون كابوتشي الذي توفي عام 2017 عندها تبلورت الفكرة وبدأنا بالإعداد لها لإحساسي أن المشروع يعني لي بشكل أو بأخر، في النهاية هي ليست سيرة حياة عادية بل وثيقة تاريخية فنية سوف تبقى للأجيال القادمة فهناك الكثير من الناس لا تعرف من هو » حارس القدس « وما هي منجزاته الإنسانية وكان هذا المسلسل كواجب علينا لتسليط الضوء على حياته.
في المقابل لا يخلو عمل من الانتقاد ولن نتوهم أن المسلسل سوف ينال إعجاب الجميع في النهاية هو عمل فني يكتسب جزءاً من أهميته من تشكيله لحالة الحوار والجدال بين الناس فهناك من سيحبه ومن سينتقده، لكن أرى أن التحدي هنا سيكون مختلفاً عن باقي أعمال السيرة الذاتية كوننا أمام شخصية حساسة ومهمة وقامة وطنية متل المطران، كما أننا حاولنا قدر الإمكان أن نلامس المساحة الإنسانية والنضالية والوجدانية لدى هذا الإنسان وعملنا بكل طاقتنا مع فرق العمل، وعليه أنا متفائل وأجد أنه سوف يصل للجمهور بالطريقة الصحيحة وأتمنى أن تكون النتائج على مستوى الطموحات.
تحدث الخطيب عن أبرز المواقف التي علقت بذاكرته خلال فترة التصوير وقال: كانت نصف فترة هذا المسلسل في حلب مسقط رأس المطران وأكثر ما لفتني وليس من الممكن نسيانه أو تجاهله هو أهالي حلب وكيف ساعدونا وساندونا رغم كل المشاكل الذي كانت تعاني منها المدينة ورغم صعوبة ظروف المعيشة نتيجة الحرب لذا أعدها من أفضل الفترات التي عشتها خلال هذا العمل.
وفي نفس سياق العمل الدرامي أضاف : تم تصوير فيلم سينمائي عن نفس أحداث المسلسل تم الانتهاء من تصويره والعمليات الفنية المرافقة لكن سوف يكون عرض واحد حصري للإعلام وبعض الجهات الرسمية والدينية للوقوف على آرائهم حول العمل، على اعتبار أن العمل سوف يعرض كمسلسل على الشاشات خلال شهر رمضان.
في معرض الحديث عن مسلسل »حارس القدس « وجهت الكثير من الانتقادات للمؤتمر الصحفي الذي أقيم مؤخراً للإعلان عن الانتهاء من تصويره لما حصل هذا الجدل وما ردك عليه؟
في مسلسل حارس القدس وفي المؤتمر الصحفي للإعلان عن الانتهاء من هذا المشروع الوطني الضخم وللحديث عن تفاصيل كي ينقلها الإعلام كان هناك بعض الموجودين سواء من الذين كانوا على المنصة أو من الحضور حاولوا تحريف المؤتمر عن مساره بما يخدم مصالح ونوايا شخصية وهو ما أدى إلى إثارة نوع من البلبلة وبالتالي دافعت أنا وبطل العمل الفنان رشيد عساف عن المسلسل فأصبح هناك نوع من المجادلة لم تنته على خير.
تنتقد السينما السورية بأنها ليست تجارية ولا تحقق عروض جماهيرية كأفلام تذاكر الشباك، برأيك لما هذه النظرة عنها؟
على العكس أختلف معك لأن الوضع في سورية تغير خلال سنوات الحرب وحققت السينما نقلة نوعية على جميع الأصعدة، على الأقل أتحدث عن تجربتي فخلال عرض الأفلام في دمشق ومعظم المحافظات كان هناك إقبال شديد من السوريين على المشاهدة، وهو ما يدل أن الناس كانت متعطشة لأن تذهب وتحضر أفلام والسبب وفق تصوري أن هذه الأفلام التي قدمت خلال هذه الفترة لأي مخرج بدأت بالحديث عن أشياء تهم الناس وتلامس همومهم وآلامهم وطموحاتهم فكانت أقرب إلى واقعنا وما عشناه خلال الحرب، بالتالي استعادت السينما السورية مكانتها عند الجمهور.
أما في الحديث عن كونها تحقق أرباحاً أو عروضاً تجارية فهو موضوع شائك ومعقد في بلدنا ومختلط بظروف العقد السينمائي في سورية، ويعود أولًا إلى عدم وجود صالات عرض جيدة وكافية، وليس لدينا شركات قطاع خاص تنتج الأفلام بالتالي نجد أن المسؤولية كلها ملقاة على كاهل مؤسسة السينما التي لن تستطيع لوحدها مع كل محاولاتها وإمكانياتها التي تعد محدودة دفع عجلة الإنتاج السينمائي.
رغم أن العمل مع القطاع العام غير ربحي لما توجهت لإخراج أفلام في كل سنة من سنوات الحرب؟
بالنسبة لي لم يكن الوضع هكذا بل هو عودة للمجال الذي أحبه ودرسته خاصة أن أعمالي كانت أغلبها مسلسلات، كما أنني وجدت أن السينما كان لها مفعول أقوى وصوتها مسموع أكثر من التلفاز خلال الحرب، وكانت قادرة في التعبير عما يحصل وما عشناه بشكل واقعي أكثر، وما عزز هذا الشيء لدي أنه عند عرض أي فيلم داخل أو خارج سورية كانت هذه الأفلام قادرة على ترك تأثير كبير لدى الناس الذين تفاعلوا بشكل كبير معها، من هنا أحسست أن خياري بالعودة للسينما كان صحيحاً وأبتعد قليلًا عن الدراما التلفزيونية التي كانت تعاني من صعوبات كثيرة على مستوى الإنتاج والتوزيع.
يعرف عن المنتج الخاص أنه يفرض فكره ومشروعه على المخرج والممثلين، كيف تجد تأثير هذا الشيء على الأعمال التي قدمت مؤخراً؟
من المؤكد أن المنتج الخاص يحق له أن يضع رؤيته ومشروعه في العمل الذي يدعمه ويدفع عليه كل تكاليف الإنتاج، لكن لدينا في سورية من النادر أن نجد منتجاً لديه مشروعه الفني والثقافي كنا نجد ذلك سابقاً عندما كان الفنان أيمن زيدان لديه شركات إنتاج كونه رجل لديه هم فكري وفني وكان يحاول أن يخرج بهذه المشاريع أما اليوم وللأسف لا نجد ذلك كون الظروف حرفت المنتجين عن وجهتهم، ولا ألومهم في الحقيقة هم يحاولون تحقيق الربح وليس الخسارة، في نفس الوقت أتأمل مع تحسن الوضع العام للبلد أن تعود شركات إنتاج جديدة وضخ أعمال مهمة ذات مشاريع فكرية ولا يكون همها فقط الربح وإنتاج أعمال غير لائقة بالدراما السورية.
بناء على ما تقدم كيف تقيم وضع السينما والدراما في سورية خلال تسع سنوات الماضية؟
كان واضحاً منذ بداية الحرب وتراجع الوضع الإنتاجي أن الدراما مقبلة على مرحلة تراجع وانحدار وانحسار تمويل وتوزيع، لأننا كما نعرف السياسة تنعكس على كل شيء بالتالي كانت المقاطعة الفنية التي حصلت للدراما، وهو ما خلق حالة من الضياع والبلبلة في الإنتاج وعزوف عدد كبير من المنتجين عن العمل ومن بقي حاول أن يعمل ضمن امكانياته البسيطة.
من هنا شاهدنا توجه وزحف قسم كبير من مخرجي الدراما إلى السينما خاصة الذين كانوا قبل الحرب مختصين بالدراما التلفزيونية، نتيجة شح فرص العمل فيها و لاكتشافهم أن السينما تنشئ حالة خاصة مع الجمهور ويصبح المخرج معروفاً لديهم أكثر من خلال الاعمال.
بالحديث عن مؤسسة السينما يقال أنها تفضل وتدلل مخرجين معينين على غيرهم ولم تدعم سوى أسماء معينة خلال الفترة السابقة؟
ليس صحيحاً فمؤسسة السينما وإن فضلت أشخاصاً بعينهم فيعود ذلك لأن هؤلاء المخرجين لديهم مشاريع فنية جاهزة، إلا أن المؤسسة دائماً مستعدة لاستقبال أي مخرج لديه مشروع، وأكبر دليل دعمها المستمر لمشروع سينما الشباب والأفلام القصيرة الذي تعطي من خلاله فرص كثيرة لمخرجين شباب وجدد.
فرض الحصار الاقتصادي على الدراما السورية هجرة الكثير من النجوم السوريين إلى الدول المجاورة والدراما المشتركة، كف تجد تلك الحالة؟
برأيي الشخصي لم أجد أن تلك الحالة هي التي أثرت فالدراما التي تتوقف على نجم أو اثنين أو ثلاثة ليست دراما، هنا دعينا نتوقف عند كلمة نجم فالحرب على سورية أثبتت أن كل فنان بقي في البلد ولم يغادر وحافظ على عمله داخلها رغم كل الظروف الصعبة وعرض نفسه للخطر، ويستحق التقدير والتكريم، لكن مع ذلك سوف تعود الأيام وسيعود كل شخص ترك سورية للعمل فيها حتى شركات الإنتاج فشئنا أم أبينا تحسن الأوضاع السياسية سوف ينعكس أيضاً على الفن، فالوضع العام لدينا من ناحية الخدمات الإنتاجية ومواقع التصوير تعد مثالية وأفضل من كثير من الدول المجاورة.
كيف ترى مستقبل الدراما والسينما في سورية؟
كنت ولا زلت منذ بداية الأزمة متفائلاً حتى لو لم نكن بأفضل حالاتنا، وأتمنى أن تكون الفترة الماضية درساً لنا جميعاً والاستفادة من تجاربنا وأخطائنا، وأن نعمل ونخطط للنهوض بمستقبلنا الفني الذي يكون بالاعتماد على جيل الشباب الواعد الموجود في سورية من مخرجين وكتاب فهم مسلحون بالعلم والمعرفة وهم من سيرفد السينما والدراما بدماء جديدة تنهض بهذا القطاع.
لمحة شخصية
ينتمي الخطيب لعائلة فنية عريقة فهو نجل الشاعر الفلسطيني يوسف الخطيب المولود في مدينة دورا الفلسطينية، التي تقع في جنوب الضفة الغربية بمحافظة الخليل.
ولد وترعرع في هيلفرسوم في هيتغوا بهولندا عام 1962 ، ثم حصل على دبلوم في الإخراج السينمائي والتلفزيوني من موسكو، ابتدأ مشواره في التلفزيون مع مسلسل ”يوم بيوم“ و“أيام الغضب“ ليتابع تميزه وتمايزه عن الآخرين بإخراجه لأعمال خالدة ضلت راسخة في ذاكرة الدراما السورية مثل مسلسل هولاكو، أنا القدس، أبو زيد الهلالي، نزار قباني .
تزوج باسل من الكاتبة والصحفية المبدعة والناشطة الاجتماعية ديانا جبور مديرة التلفزيون العربي السوري سابقاً .
حاز خلال مسيرته الفنية على العديد من الجوائز أبرزها:
مهرجان الداخلة السينمائي - الدورة الرابعة الجائزة الكبرى عن فيلم مريم مهرجان مسقط السينمائي - الدورة الثامنة
مهرجان وهران للفيلم العربي - الدورة السابعة
عرض تكريمي في مهرجان موسكو السينمائي الدولي - عام 2014
جائزة أفضل إخراج بفيلمه ”سوريون“ والذي شارك بالدورة 32 بمهرجان الإسكندرية السينمائي عام 2016 .