عالم مابعد الكورونا...!!..

عالم مابعد الكورونا...!!..

 د.أسامه سمّاق
حرب الكورونا شغلت النخب في الفضاء الاقتصادي والسياسي، وشغلت مراكز الدراسات الاستراتيجية، في الكثير من البلدان، وذلك بمحاولات التنبؤ بعالم ما بعد وباء الكورونا، هذا الوباء الذي عرّى أغنى وأقوى دولة في العالم، وأظهرها وهي تترنح أمام هول المفاجأة التي ضربتها بفعل الڤيروس، فبدت الشوارع الأميركية خالية، والبورصات منهارة، والاقتصاد مشلول، والمنظومة الصحية الأميركية التي كانت مثالًا يحتذى بها، بدت هذه المنظومة عاجزة، مرتبكة، وفاشلة بالاستجابة لتحدي الوباء، وخاصة في إدارة عشرات الآلاف من الإصابات. إضافةً إلى نقص الأجهزة، وغياب الدواء، وعدم كفاية الكادر الطبي، والمدهش تراكم الجثث في الشاحنات. صورة تعكس هزالة الأداء لمنظومة صحة الدولة الأعظم في العالم، وكأنها منظومة في دولة إفريقية، وقد خلق ذلك ذهولاً لدى المراقبين حول العالم...
هذه الصورة المأساوية، حرضت الكثير من الباحثين لترقب انهيار قيادة أميركا للعالم، وحلول الصين بمؤازرة روسية، أو حلول روسيا بمؤازرة الصين مكانها في إدارة السياسة الدولية..
بعض أصحاب هذه الفرضيات منحازون ضد الولايات المتحدة، وتحكمهم العاطفة الثأرية، حيث أن أميركا بسياساتها العدوانية،
استطاعت خلال السبعين سنة الأخيرة أن تخلق الكثير من الأعداء بين شعوب الأرض..
وهناك مجموعة ثانية من المراقبين، يتصفون بالحيادية في التحليل، والموضوعية في البحث، يطرحون تغير العالم بعد الكورونا، بشكل مخالف لما كان عليه قبلها. هذا الطرح أكثر عقلانية .
في سبيل المشاركة في هذا الحوار أرى أن الولايات المتحدة تعرضت في تاريخها للكثير من الكوارث والنكبات، منذ الحرب الأهلية حتى يومنا هذا، وبعد كل مرة كانت تنهض من جديد، ومن أهم هذه النكبات والكوارث في القرن العشرين؛ كان الكساد العظيم، و خسارة الأسطول في بيرل هاربر، وهزيمتها في ڤيتنام. وقد نهضت أميركا بعد هذه المحطات كلها وقادت العالم.
هذا من جهة التاريخ....
في عصرنا علينا أن لا ننسى أن أميركا لا بديل لها من ناحية انتاج التقانة، وتعميمها على العالم، فهي مهد ثورة الاتصالات، وتكنولوجيا المعلومات والهواتف الجوالة والانترنت، وهي الرائدة في بحوث الفضاء..والطب والعلوم المختلفة... كما أنها تنفق مليار دولار يومياً في البحوث العلمية وتطويرها...هذا أولاً.
ثانياً: الاقتصاد الأميركي يشكل ربع الاقتصاد العالمي، وموازنة البنتاغون أكبر من موازنات جيوش العالم مجتمعة...والقوة العسكرية الأميركية أعتى قوة عرفتها البشرية..!!.
فيما يتعلق باحتمال تربع الصين وروسيا على عرش العالم، فإن روسيا وحدها تستثمر اليوم أكثر من مئة مليار دولار في الاقتصاد الأميركي، وتسبقها الصين بحدود 2 تريليون دولار، فلا مصلحة لأي منهما في انهيار الاقتصاد الأميركي، وقد أكد البلدان مراراً وتكراراً هذه الحقيقة، و بأنهما لا يملكان الرغبة أو القدرة على قيادة العالم...!...
ما يتعلق بالمقارنة بنتائج الحرب العالمية الأولى من انهيار للإمبراطوريات الروسية والتركية والنمساوية، كما يحاول البعض بشكل رومانسي تسويقه، فقد سقطت تلك الإمبراطوريات نتيجة الهزيمة في تلك الحرب، وأميركا والعالم مازالا في خضم حرب الكورونا، ولم يهزما بعد، مع التغاضي عن الاختلاف في طبيعة الصراع بين الحربين، علماً أن نتائج هذه الحرب ضد الكورونا معروفة سلفاً..!!.
إضافة إلى أن الأوبئة وعبر التاريخ لم تؤدِ إلى انهيار إمبراطوريات ودول، بل حفزت الدول والإمبراطوريات على السعي لاكتشاف علاج مناسب لهذه الأوبئة..!!!
وأخيراً؛ الاحتمال الأكثر منطقية، هو أن وباء الكورونا قد يسرّع بتشكل عالم متعدد الأقطاب . وقد تعزز روسيا والصين مواقعهما في هذا العالم كقطبين جديدين.
كما أن الاتحاد الأوروبي، المتداعي أصلاً، بخروج دولة بحجم بريطانيا منه، تعرض هذا الاتحاد لهزةٍ جديدة وكبيرة، بسبب حالة التباعد بين دوله أثناء الجائحة، وبسبب عدم إسراع دول الاتحاد الكبرى لمساعدة دول الاتحاد الأخرى، التي تئنُّ حتى الاستغاثة، من ألم الضربات التي توجهها الكورونا لها.
توالي النكبات الجيوسياسية والصحية على أوروبا، وعدم الإسراع في المساعدات الإنسانية، قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة تهدد وجود الاتحاد ككيان.
هذا ما تقودنا إليه المتابعة والتحليل الهادئ لتسارع الأحداث في عصر الكورونا.
طبعاً ماعُرض أعلاه رأيٌ يتوخى الحذر ؛والموضوعية، في تقويم الموقف الاستراتيجي العالمي، دون تضليل، ورأيٌ يتبنى الحيادية، في تشخيص الموقف الجيوسياسية لدول العالم العظمى، مبتعداً عن العاطفة، بما يسمح بمقاربة الحقيقة، تمهيداً لصناعة القرار الصحيح، في الزمن الصحيح.
 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني