لماذا ارتفع سعر الدولار؟ وهل سيعود للارتفاع؟

لماذا ارتفع سعر الدولار؟ وهل سيعود للارتفاع؟

 

عشتار محمود 
سعر 700 ليرة مقابل الدولار المسمّى تفضيلي... أصبح السعر المعتمد عملياً في مختلف التعاملات الرسمية بالدولار: الحوالات تُقبض على هذا السعر، المستوردات تموّل عليه، قطع الصادرات أيضا حدّه الأدنى الرسمي 700 ليرة وعملياً لم يبقَ سعر 435 ليرة مقابل الدولار إلا في تمويل المستوردات الغذائية الأساسية لصالح التجارة الداخلية والخارجية، التي لا يزال مستوردوها من سكر ورز وشاي مموّلين بدولار 435 ليرة!
موجة الارتفاع المتسارع للدولار التي اشتدت منذ خريف عام 2019 واشتدت مطلع العام الحالي، ثم استكانت ولكن بعد أن حققت الكثير من الربح لقلّة والكثير من الخسائر الوطنية. أهمها تراجع قيمة الليرة بنسبة قاربت 40% بمقياس سعرها الرسمي مقابل الدولار، وكذلك بمقياس قدرة الليرة على شراء المواد الأساسية من سكر ورز وشاي وحليب وإلخ... فإذا ما كانت 350 ليرة تشتري كيلو سكر في شهر 11-2019 فإن 750 ليرة مطلوبة اليوم لتشتري كيلو السكر ذاته!
قيل الكثير في تحليل سبب الانهيار المتسارع لقيمة الليرة مقابل الدولار خلال وقت وجيز، وسبب توقف التدهور... وكانت الغاية العميقة في التحليل الإجابة عن مخاوف: هل سيتكرر الأمر؟ وهل سنشهد موجة أخرى؟ وإلى متى؟
ما الذي جرى؟ وهل يتكرر؟
يمكن القول إن جميع التحليلات التي سمعناها حول سبب الانهيار صحيحة تقريباً، فالكثير من العوامل تؤثر على علاقة الليرة والدولار في السوق السورية: تشديد العقوبات، العلاقة مع لبنان وأزمته المالية، نشاط المضاربين، تهريب الأموال، حجم الاستيراد، تراجع الإنتاج وإلخ...
ولكن ما هو منقوص في التحليل هو إدراك أن الليرة السورية كانت خلال سنوات الأزمة هي العنصر الأكثر هشاشة اقتصادياً والأكثر قدرة على الاهتزاز مع كل سبب أو ذريعة. ويمكن القول إن متاجراً صغيراً بـ 50 مليون دولار يستطيع أن يخلق بلبلة في السوق السوداء إذا ما امتنع عن بيع الدولار أو رفع السعر، ويستطيع أن يطلق موجة ارتفاع تطول أو تقصر حسب الظروف المحيطة والمرحلة.
السبب العميق لموجات ارتفاع الدولار هو (ضعف الليرة وقوة الدولار) في السوق السورية. والسبب في ذلك أن الدولار مطلوب من القوى الاقتصادية الكبرى والمؤثرة: التي تمركز نشاطها في الاستيراد وفي المضاربة والتي تجد الطرق لإخراج أموالها من البلاد وبالتالي تحوّل أرباحها دورياً من ليرة إلى دولار.
وبالمقابل فإن الليرة في وضع صعب دائماً خلال سنوات الأزمة، لأن الليرة ترتبط بالدرجة الأولى وقبل كل شيء بتوسع النشاط الاقتصادي الإنتاجي المحلي، وإنتاج المزيد من السلع التي أنتجها منتجوها عبر استثمارهم لمبالغ بالليرة، وسوّقوها إلى الأسواق المحليّة لتسعّر بالليرة، واستهلكها عموم السوريين ودفعوا مقابلها ليرات. وطالما أن هذا الإنتاج: يتراجع، يتعطل، يتوقف... فإن الليرة تضعف، وتتكدس كتل الليرة الموجودة في السوق المحلية وفي المصارف دون نشاط فعّال فتقل قيمتها.
إنّ ما سبق يعني أن الليرة في وضع هش مقابل الدولار، وبأي لحظة ومن أي ثغرة يمكن أن تتدهور قيمتها وتبدأ موجة مضاربة جديدة. وهذا الوضع مستمر إذا لم تتغير المعادلة البسيطة بشكل نهائي، الأمر الذي يعني: تقليص الطلب على الدولار حتى إزاحته، وزيادة الطلب على الليرة وتحويلها إلى إنتاج وشغل وبضائع محلية ونمو حقيقي.
وهذا لا يتطلب الإعلان عن إجراءات وتعديلات، بل يتطلب إزاحة مصالح قوى اقتصادية كبرى وفرض سياسات أخرى.. الأمر الذي إن لم يتم فإن الليرة ستبقى معرّضة في أي لحظة لاهتزاز آخر يفقدها مزيداً من قيمتها ودورها.
الإجراءات التي تمّ اتخاذها..
عملياً لم تتوقف الموجة السابقة إلا بعد أن فرضت نفسها على سعر الصرف الرسمي ورفعته من 435 ليرة إلى 700 ليرة مقابل الدولار في العديد من الجوانب. وبعد أن تكيّفت الأسعار في السوق مع السعر الجديد وارتفعت أسعار مختلف البضائع وأصبحت على تسعيرة تفوق 700 ليرة للدولار سواء المستوردة منها أو المنتجة محلياً بمكونات مستوردة. وصدرت قرارات أعطت الإشارة إلى المضاربين بأن هذا هو الحد المسموح به للارتفاع حالياً عبر تشديد بعض الإجراءات العقابية، كما في المرسومين 3 و4، أو في قرار تسديد البيوع العقارية وبيوع المركبات عبر الحسابات المصرفية الذي جزء من أهدافه تقييد حالات تداولها بالدولار.
بعد موجة الارتفاع المذكورة توسّع الكلام الحكومي عن تقليص المستوردات وإحلال بدائل لاستيراد لأكثر من 67 مادة يمكن إنتاجها محلياً وتقلل الاستيراد بنسبة 80%، والحديث عن خرائط استثمارية لإنتاج هذه المواد محلياً، كما تمّ الحديث عن تقليص الرسوم غير الجمركية على البضائع التي تصنف كبضائع أساسية ومدخلات صناعية أساسية، وكذلك تخفيض رسوم التصدير، والحديث أيضاً عن دعم فوائد الإقراض الإنتاجي وهلم جرّا...
والكثير مما سبق في إطار الوعود والنقاشات والدراسات ولم تدخل حيّز التنفيذ أو الإقرار بعد، ولكن تحدثت عنها رئاسة مجلس الوزراء، ولجنة السياسات والبرامج الاقتصادية التي تضم أيضاً غرف التجارة والصناعة.
وكل هذه الأحاديث أو الإجراءات العقابية لا تنفع في تهدئة السوق إلا مؤقتاً، وعملياً الأسعار عادت للارتفاع بشكل تدريجي وبطيء ما يعني أن الليرة تنخفض ودولار السوق يرتفع.
إنّ مراقبة الإجراءات المتخذة فعلياً يوضّح المسألة ويفسّر مخاوف المنتجين والمستهلكين السوريين... فعملياً الإجراءات والتغيرات الملموسة والمتخذة فعلاً هي التالية: أولاً استمر قرار فرض مؤونة الاستيراد بنسبة 40% على السلع المستوردة، والذي تم اتخاذه بشكل مفاجئ ودون مبررات في شهر 11-2019 ووسط تصاعد سعر الدولار وارتفاع الأسعار. بينما تمّت العودة عنه جزئياً عبر إعفاء السلع العشر الأساسية (غذائيات أساسية وأدوية ومستلزماتها) من نسبة 25% من المؤونة والإبقاء على 15% مطلع الشهر الحالي.
إن مؤونة الاستيراد تعني بالنتيجة ثلاثة أمور: أولاً ارتفاع كلفة الاستيراد التي يحملها المستوردون على أسعار السلع ويرفع الأسعار، ثانياً تضييق دائرة الاستيراد بالمستوردين الأكثر قدرة وسيولة وبالتالي تضييق حلقة المستوردين ورفع مستوى احتكار تجارة المواد المستوردة، وثالثاً حبس المزيد من كتلة الليرة في المصارف دون تشغيل حقيقي.
وكل ما سبق يقلل قيمة الليرة ويرفع تكاليف الاستيراد وبالتالي يرفع مستوى الأسعار.
القرار الثاني المتخذ فعلياً، هو توسيع دائرة تمويل المستوردات لتضاف إليها 40 مادة ولكن هذه المواد ستسعّر وتموّل على سعر 700 ليرة للدولار. الأمر الذي يعني زيادة المستوردات وزيادة تكاليفها. وهذه المستوردات تموّل عبر المصارف الخاصة والصرافة الذين يأخذون عمولات اختلفت تقديراتها ولكنها أتت بين 30-45%.
وأخيراً القرارات المتعلقة بالإجراءات العقابية في المرسومين 3 و4 لمنع التداول والتشديد على الإشاعات والحديث عن الدولار، وهذه المراسيم بدأ تطبيق عقوبات على أساسها دون استكمال التعليمات التنفيذية لها، وهي التي ينبغي أن تفسّر الكثير من التعميمات ضمن المراسيم، وهذا أثار مخاوف السوق وقيّد حركة التبادل وجمّد الأعمال في سوق استيرادها قارب نسبة 30% من ناتجها المقدّر ما يعني أنها تعتمد على الدولار بهذه النسبة في تحقيق دخلها وأعمالها!
عملياً أتت الإجراءات الملموسة في إطار توسيع الاستيراد وتقليص دائرة المستوردين مع رفع كلف المستوردات وتثبيت سعر صرف أعلى مما سبق وتثبيت مستوى الأسعار عند حد مرتفع. وبالمقابل كل الإجراءات المتعلقة بدعم الإنتاج باستخدام الليرة استثمارياً بتقليص كلف استيراد الأساسيات كلها لا تزال في إطار البحث والدراسة والنقاش.
إزاحة الدولار ممكنة... ولكن!
يمكن القول بإن الخطر المحيط بالليرة لا يزال قائماً طالما أنها ليست محميّة إلا بالإجراءات العقابية التي لا تنفع إلا بشكل مؤقت لأن القوانين الموضوعية في السوق تفعل فعلها... والخطر بتعمّق الدولرة مستمر طالما أن التعامل بالدولار لا يزال يتوسع وهو أكثر إغراءاً لقوى السوق الكبرى. إن موجة المضاربة وارتفاع الدولار السابقة يمكن أن تتكرر في أي لحظة ومن أي سبب، ولا يوقفها بشكل جذري إلا إزاحة الدولار من الاستيراد أو من جزء كبير منه على الأقل... وهي مسألة ليست مستحيلة بل ممكنة عبر توافقات بين البنوك المركزية للتعامل بغير الدولار، كما في حالة تعامل الصين مع الكثير من دول العالم وتحديداً في إفريقيا بل في الخليج أيضاً حيث أصبح لدى الصين حسابات باليوان في البنوك المركزية عالمياً بما يعادل 213 مليار دولار، بينما المستوردات السورية من الصين تقارب 3 مليار دولار فقط! مسألة أصبحت ملحّة وواقعية ومطبّقة عالمياً، ولكن تطبيقها داخل البلاد يضر بكبار قوى المال المتنفذة والمرتبطة بالربح من الدولار، وهؤلاء من يمنعون إجراءات جدية لحماية الليرة.

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني