ولكنكم "عابرون في كلامٍ عابر"!

ولكنكم "عابرون في كلامٍ عابر"!

خليل صويلح

تصرّفَ مثقفون عرب بالجملة، في ظل فوضى الجغرافيا العربية، على أن فلسطين مجرد موضوع إنشاء نافل، لم يعد صالحاً للتداول، فأزاحوا خريطة البلاد المحتلة عن شاشة اهتماماتهم لمصلحة أجندات جديدة تضع "إسرائيل" في مقام ينفي عنها صفة الاستعمار والبربرية والتمييز العنصري. هكذا بدأ بعض هؤلاء المثقفين تبرير زياراتهم الغامضة إلى الأراضي المحتلة بذريعة التضامن مع الشعب الفلسطيني، كما تسلل بعضهم إلى القدس المحتلة والتقاط الصور التذكارية عند أسوارها القديمة. لا نريد أن ننفي روح الحنين إلى تلك الأماكن، ولكن الحكاية في جوهرها تتمثل بتحسين وضع أكثر منها تعاضداً مع شعب محتل، بمعنى إضافة علامة في السجل الثقافي لهذا المثقف أو ذاك، كمحطة أولى على طريق الترجمة إلى اللغات الأخرى وصعود سلّم العالمية، وشطب اتهامه بمعاداة السامية، وبذلك ينظّف صفحة سجلّه من أي نقطة سوداء قد تحسب عليه من الضفة الأخرى للمتوسط.
قبل سنوات رفضت الكاتبة الأمريكية السوداء أليس ووكر ترجمة روايتها "اللون أرجواني" إلى العبرية كموقف من دولة الاحتلال، فيما تسلّل كتّاب عرب إلى هذه اللغة المحنّطة على أمل تسويقهم عالمياً. على المقلب الآخر، تبرّع بعضهم بعزل الشأن الفلسطيني عن مفكرة اهتماماته، مطالباً الفلسطيني أن يقلع شوكه بيديه، وألا يتدخّل بشأن العربي الآخر بذرائع استبدادية وعقل مريض.
هذه الزلازل وارتداداتها كانت قصفاً تمهيدياً لقبول "صفقة القرن" كواقع غير قابل للمجابهة، والمطالبة بنسيان خريطة فلسطين المضرجة بالدماء العربية طوال عقود، وتالياً الاكتفاء بماكيت كرتوني هزيل يدعى "دولة فلسطين" وفقاً لتصورات رعاة البقر، هؤلاء الذين أبادوا قبلاً الهنود الحمر، من دون تأنيب ضمير. بتوقيعه الخنفشاري ألغى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خريطة فلسطين وجرائم الصهيونية ومذابحها وحملات الإبادة المنظمة، وبدا الأمر ببساطة تقديم فطيرة همبرغر لا أكثر، فصفق له بعضهم، سرّاً وعلانية، متجاهلاً حكاية" أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض"، الحكاية التي تعلمناها في منهاج القراءة في الصف الخامس الابتدائي، الحكاية التي تتكرّر كل يوم، من دون أن نكترث لها، ذلك أن قضم الخريطة العربية، لم يتوقف يوماً، على طريقة القتل المتسلسل في أفلام هوليود. ولأن ترامب "شايلوك" آخر، لم يستطع أن يخترع اسماً لقراره سوى "صفقة القرن". ما يهم هو الصفقة، البيع والشراء من أكياس الآخرين، تحويل قضية عالمية إلى مجرد صفقة على حساب الضحية. والحال فإن "يهودية الدولة" حسب الخرائط الجديدة للمنطقة، تعني في العمق تهجيراً جديداً للفلسطينيين خارج "الخط الأخضر". بعيداً عن الصفقة وذيولها وأذنابها، ينبغي أن نتساءل: ماذا نفعل بالأناشيد التي تعلمناها في المدارس عن فلسطين، وماذا نفعل بقصص غسان كنفاني، وروايات إميل حبيبي، وقصائد محمود درويش؟ الأمر ليس سهلاً أمام مهندسي الصفقة كي تعبر كما يشتهون. يكفي أن نردد مقطعاً من قصيدة محمود درويش "عابرون في كلامٍ عابر" كي تُجهض وليمة "صفقة القرن" المسمومة:
"أيها المارون بين الكلمات العابرة
احملوا أسماءكم وانصرفوا
واسحبوا ساعاتِكُم مِن وَقتِنا وانصرفوا
وخذوا ما شِئتُم مِن زرقة البحر ورمل الذاكرة
و خذوا ما شئتم من صورٍ كي تعرفوا
انكم لَن تعرفوا
كيف يبني حجر مِن أرضِنا سَقْفَ السَّماء".

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني