السياسات النقدية في سوريا: سياسات إسعافية فاشلة (فيديو)

السياسات النقدية في سوريا: سياسات إسعافية فاشلة (فيديو)

مادلين جليس

يبدو لمتتبّع السّياسات النّقدية في سورية، وخاصة في سنوات الأزمة، أنّنا مازلنا في إطارٍ لا يتعدّى وضع الحلول التّرقيعية والإسعافية المحدودة في محاولة من مصرف سورية المركزي لتثبيت سعر الصرف، إضافة إلى أنّنا لم نلمس حتّى الآن نتائج حزمة الإجراءات المتنوعة التي يروّج المصرف لها، والتي تجعل دور مصرف سورية المركزي قاصراً عن السيطرة، وأقل بكثير من المطلوب والمرجو منه.

 في دراسة سابقة للدكتور مدين علي مدير المصرف العقاري نشرها مركز دمشق للأبحاث والدراسات »مداد « بعنوان »مِحَن الاقتصاد السوري يرى علي »أن جهد القائمين على إدارة الشؤون النقدية »طبعاً بحسب الخبراء « كان قد انصبّ طوال السنوات الماضية على هدف مركزي شبه وحيد، يتعلق بكيفية تثبيت سعر الصرف، وضبط إيقاع تحركاته، ضمن حدود معينة، مستهدفة من قبل الدولة السورية، وكأنّ سعر الصرف هو البداية والنهاية .«

 فشل واضح.. ومستمر

 وهذا ما يمكن أن نجده أيضاً في كلام الدكتور شفيق عربش المدير السّابق للمكتب المركزي للإحصاء، حيث يسلم عربش أّنه من الطّبيعي في ظل ظروف الحرب أنّ يتأثّر سعر صرف العملة المحلية، لكن الأمر غير الطّبيعي الآليات التي اتّخذت واتّبعت لمواجهة هذه الأزمة، وبالتّالي »والكلام لعربش « سنطرح مجموعة من التساؤلات في محاولة للإجابة عليها: هل فعلًا كانت إدارات المصرف المركزي ومجلس النقد والتسليف جادّة في الدّفاع عن سعر صرف الليرة.

 يتابع عربش: إذا كانت هذه الإدارات جادّة وأنا لا أعتقد ذلك مئة بالمئة، لماذا فشلت في إجراءاتها، لماذا كانت إدارة المصرف ماقبل السّابقة وأقصد فيها الحاكم أديب ميّالة تلجأ إلى أساليب اتّبعت في دول أخرى وأثبتت فشلها، وهي المزادات والشركات التي وجدت في تلك المرحلة، والتي أدّت إلى استنزاف احتياطي سورية من القطع الأجنبي بلا فائدة.

 بحسب الدّكتور عربش فإنّ استخدام المزادات التي فشلت تجربتها في أكثر من دولة قد أتى بنتائج سلبية وفشل أيضا في سورية، فلماذا استمرّت هذه السياسة؟، ويتساءل عربش عن سبب بقاء الحاكم على الرّغم من هذا الفشل، حيث يقول: على فرض حسن النّية، فعندما ثبت خلال ثلاث مرّات من المزادات التي أجريت أّنها لم تحقّق الغاية المرجوّة منها، لماذا استمرّينا فيها، وكيف تستمرّ إداة فاشلة على رأس المصرف، بدأت هذه المزادات من عام 2012 وبقي ميّالة إلى عام 2016 حاكماً لمصرف سورية المركزي.

 يستذكر عربش في كلامه عندما هبط سعر الصّرف في عام 2015 من 630 ليرة إلى 320 ليرة ويتساءل مستغرباً: ماذا حدث؟ كيف حدث هذا الهبوط المفاجئ خلال أيام معدودة، ويرى أنّ هذا يدل على أحد أمرين إما أنّ هناك تواطؤ في رفع سعر صرف الدّولار أو أنّ هناك إجراءات أخرى قادرة على تخفيض سعر الصرف لكن لا نلجأ لها إلّا في الحالات الصّعبة جداً.

 وعلى الرّغم من أنّ مرحلة استلام الدكتور دريد درغام لحكم مصرف سورية المركزي كانت أفضل من عهد ميّالة، وشهدت استقراراً في سعر الصّرف، إلّا أنّ درغام أخطأ برأي الدّكتور شفيق عربش عندما قال أّنه قادر على إنزال سعر الصرف إلى 200 ليرة لكنّه لا يريد أن يعطي مكافأة للتّجار والمضاربين.

 مرحلة العجز والصّمت

 يصف الدّكتور عربش المرحلة الحاليّة بأّنها مرحلة العجز والصّمت المطبق، وينتقد تصريح حازم قرفول حاكم مصرف سورية المركزي الحالي عندما قال في تصريح سابق له أنّ ارتفاع سعر الصرف »وهمي .« وقال عربش: إذا تحدّثنا وقلنا جملة واحدة »أنّ هذا السّعر وهمي «، ويتساءل عربش: لماذا وهمي لا أحد يعرف، هل السّعر وهمي أم القائمين على المصرف يعيشون أوهاماً؟.

 ويضيف: لا يجوز أن تستمرّ إدارة القطع والصّرف والسّياسة النّقدية في سورية بإدارة هذه الشّخصيّات.

 طروحات أفلاطونية

 في الفترات السّابقة وفي ظلّ الارتفاع الكبير للدّولار، اقترح البعض أن يقوم مصرف سورية المركزي بطرح كميّة من النّقد الأجنبي في السوق، الحلول التي وصفها عربش ب »الطّروحات الأفلاطونيّة « متسائلًا: ماذا يعني أن نطرح كميّة نقد؟ السّوق متعطّش وبحاجة للنّقد وسيمتص هذه الكميّة، ما الفرق بينها وبين المزادات؟ هل سيظنّون أنّ المصرف نبع أو مطبعة للنّقود؟، وأضاف: هذه مصيبة.

 وتابع عربش: »ألم يصرّح رئيس مجلس الوزراء بخصوص القطع، وقال أّننا خلال أربع سنوات لم نأخذ من القطع؟ كيف تموّل المستوردات ولمَ لمْ يقل لماذا لم نأخذ من القطع؟ فلنكن واقعيين، يكفينا نظريّات، مللنا من المنظّرين، ما هكذا تورد الإبل، فلا الحكومة موفقة ولا من ينصحها موفقون“.

 مصادر القطع مفقودة

 وفي حديثه عن مصادر رفد الخزينة بالنّقد الأجنبي يعدّد الدكتور عربش ثلاثة مصادر، تعدّ الأهم، ويفنّدها بأنها ثلاثي ”الخدمات والصادرات والتحويلات .«

 أمّا من حيث السياحة ”والكلام للدكتور عربش“ فهي غائبة بسبب الوضع الحالي، ولا يمكن أن نخدع برؤية بعض الأجانب، صادرات شبه متوقّفة وكلمة حق فإنّ الحكومة رصدت مئات المليارات لشراء القمح وبنفس الوقت، وبعزّ موسم القمح كانت الحكومة تستورده، الحكومة رصدت مبالغ لشراء 2 مليون طن من القمح. ويتساءل: لماذا اشترت؟ ولماذا استوردت،؟ هذا الاستيراد يحتاج إلى قطع، وهذا بالطبع لم نكن بحاجة له، في السّابق، كان لدينا اكتفاء ذاتي وفائض وننتج من 3 إلى 4 مليون طن سنوياً“.

 أما من ناحية التحويلات، فالفرق حالياً هو مابين سعر صرف الحوالة وهو السعرّ الرسمي المعلن من مصرف سورية المركزي والسعر المعلن في السوق الموازية يفوق ال 300 ليرة، من سيحول للدّولار ويخسر 300 ليرة في كل دولار، وبالتالي فلا يوجد لدينا الآن أيّ مصدر لرفد الخزينة بالنّقد الاجنبي“.

 لن ينخفض.. إلّا

 ويرى عربش أّنه إذا لم نستطع إطلاق عمليّة الإنتاج التي تسمح لنا بإنتاج احتياجات السّوق المحليّة بما يقودنا إلى الاستغناء عن الاستيراد وزيادة التصدير فإنّ سعر الصرف لن ينخفض، طالما أّننا نضطرّ إلى استيراد كل شيء، ولن يتحسّن إلّا إذا انطلقت الدّورة الاقتصادية والعملية الإنتاجية بالشّكل الصحيح، سورية كانت عملتها مستقرّة عندما كان إنتاجها وناتجها المحلي يحقق معدلات نمو مقبولة من عام إلى آخر“.

 ولا يتوقّع عربش انخفاض سعر الصرف إلا في حال عودة القطاعات الإنتاجية المهمّة، يقول: »أمّا الآن وقد توقّفت معظم النّشاطات الاقتصادية، ويأتي على رأسها القطاع الزّراعي، وجزء كبير جداً من القطاع الصناعي، فلا تهمّني ولا تخدعني الأرقام التي تروّجها الجهات الحكوميّة، لابدّ من النّظر إلى أرض الواقع، طالما أنّ هذه العملية الإنتاجية لم تنطلق وهي متوقفة فإن سعر الصرف إلى مزيد من الارتفاع“.

 وهذا ماتؤكد عليه دراسة الدّكتور مدين علي التي أسلفنا الحديث عنها سابقاً عندما طرح رؤية بديلة لإخراج الاقتصاد السّوري من المحنة الراهنة، سواء أكان ذلك لجهة ما يتعلّق بتأمين الموارد المالية، وخلق مصادر التّمويل، أم لجهة ما يتعلق بتمويل خطّة إنعاش للاقتصاد السوري، تؤسّس لاستقرار سياسي واقتصادي.

 ويطرح الباحث إعداد خطة تمويل وسياسة إقراض مرتبطة بغايات محددة، تركز بصورة جوهرية على عملية تحفيز الإنتاج، الذي يغذي العرض الكلي، ما سيؤدي بدوره إلى تخفيض المستوى العام للأسعار، وبالتالي تقليل مدى الحاجة للنقد، تأسيساً على النظرية التي تقول إن العرض يخلق أو ينتج الطلب، وهذا يتطلب وجود خطة حكومية متكاملة، لتفكيك بنية الاحتكار المتحكم بالسوق السورية“.

 عربش: الحكومة غير موفقة وفاشلة

 قال عربش إن جزءاً كبيراً من تردّي الأوضاع وسوء السّياسات يقع على عاتق الحكومة الحالية التي يصفها عربش بالفاشلة ويرى أن الحكومة فشلت في كلّ ما أسمته أولوياتها، وعلى كثرة الأولويّات التي ادّعتها، لم نعد نعرف أولويّة ماذا تتقدّم على أولويّة من؟ لم نسمع إلّا كلاماً، لم نرَ منها أيّ إجراء، حكومة نائمة وآخر بِدعها إطلاق قمر صناعي.

 ويضيف: من لحظة استلام الحكومة في عام 2016 جاء معها مجلس استشاري كبير، ماذا فعلت؟ ماهي المشكلة التي حلّتها؟، إذا تحدّثنا بالضّرائب فنجد أنّ هناك تهرّب ضريبي، وإذا تكلّمنا بالإنتاج نجد رداءة فيه، وهناك معامل متوقفة، إذا أردنا التّحدّث بالتّأمينات يوجد تهرّب، وفي الكهرباء يوجد سرقة وفاقد فنّي كبير، وفي المياه يوجد تسريب، ما الشيء الذي لا يوجد فيه مشكلة؟ وماهي المشكلة التي حلّتها الحكومة، إذا لم يكن الفريق الحكومي قادراً على حلّ المشاكل فليخفّف منها بمغادرة السّاحة.

 ثم يتابع: من لا يعرف كيف تُدار الأمور نحترمه إذا انسحب لعدم قدرته، لا يحقّ لأحد أن يتلاعب بمصير الشّعب السوري، وأن يفرض عليه نتائج عجزه وفشله، الأمر ليس صندوق ”بندورة“ إذا لم تكن جيّدة نرميها، فهذا الفشل يؤثّر على % 95 من الشّعب السّوري، خاصّة أنّ هذه الحكومة جاءت في نيسان 2016 ، ماهو المشروع الذي حقّقته غير البطاقة الذكية؟

 وماذا حقّقت البطاقة الذّكية التي روّجت لها كثيراُ؟ لو كانت البطاقة قد حلّت إشكاليات، لما رأينا كل تلك الاختناقات، البطاقة الذّكية طريق مقونن للفساد، فكثير من مكاتب السيارات تشتري السّيارات العمومي غير القادرة على الحركة، والتي تحتاج مئات الألوف للعمل فقط لأجل الحصول على مخصّصاتها من البطاقة الذكيّة.

 

 المصرف المركزي قصور متأصّل

 هذا رأي الخبراء في دور مصرف سورية المركزي الذي يحاول تثبيت سعر الصّرف دون جدوى، كما يوضّح تذبذب سعر صرف الدّولار مقابل الليرة السورية. ولكن ذلك ليس جديداً بل هو مستمر منذ سنوات عديدة، نستطيع أن نلاحظه من خلال مقال للدّكتور أكرم حوراني الأستاذ في كليّة الاقتصاد، المقال نُشر في صحيفة تشرين الرّسمية عام 2012 ، حيث يشير حوراني إلى أنّ القائمين على السّياسة النّقدية في سوريا أعطوا أولويّتهم لتحقيق ثبات نسبي في سعر صرف الليرة بين 47 - 50 ليرة للدّولار خلال الفترة 2005 – 2010 ، بغضّ النّظر عن مدى انعكاس ذلك على الاقتصاد الكلي، لجهة معدّل التضخّم أو النّمو أو البطالة أو التوازن المالي أو النقدي، وهو ما أنتج عدم انسجام واضح بين القائمين على السّياسة النّقدية والمالية، بدا ذلك من خلال عجوزات الموازنات المتتالية، التي تطلّبت زيادة في العرض النقدي بنحو (% 15 ) خلال تلك الفترة، والتي غذّت الارتفاع في سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية وانخفاض قوتها الشرائية.

 

الجزء الأول من اللقاء:




الجزء الثاني من اللقاء:
 

 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني