أن تعيش في دمشق!

أن تعيش في دمشق!

أن تعيش في دمشق فأنت رهينة لكل الأعراض الجانبية للحرب. بعيدا عن رومانسية الشام وجمالها الآسر الخفي الذي لا يمكنك التخفيف منه ولا النجاة من سحره، المدينة متاهة ترميك بالمفاجآت.

إذا كنت تريد العيش هنا فعليك أن تتحضر لما لا تعرفه عن السحر الجميل والسحر المخيف، بالواقعيات اليومية والاحتياجات المادية ستكون عرضة للسحر المخيف، وستتعرض لابتزاز وسرقة علنية، لقلة خبرتك بالمكان، ولن تنجو من صعوبة نيل تلك الاحتياجات.

ربما كان الحصول على منزل من أهم الصعوبات التي ستواجهك، على الرغم من وجود منازل فارغة مضى على بعضها سنين وهي مقفلة ومهجورة، "هناك إحصائية غير رسمية تقول أن 30% من منازل دمشق فارغة"، ويرفض أصحابها تأجريها أو أن بعض أصحابها خارج سورية لأسبب أغلبها تعود لظروف الحرب.

لنتحدث عن رحلة البحث عن استئجار منزل، إذاً حالفك الحظ ووجدت منزلاً فستمر بمجموعة مفارقات: أولاً سيقال لك أن المنزل ديلوكس، وعادة من يقولها لايفهم معناها، اللهم سوى أنه يقصد التفخيم والمديح.

تدخل إلى المنزل الديلوكس لتجد ما لم تتوقعه ستجده متهاويا ومتهالكا من الداخل فرقم الإيجار الفلكي بالنسبة لمواطن سوري لايعطيه فرصة التمتع بمنظر بهي لشقة يعادل ايجارها الشهري من أربعة أضعاف إلى عشر أضعاف راتب الموظف على الأقل. حسب درجة الديلوكس والمنطقة.

وإذا توافقت وتواطأت مع الدلال وصاحب المنزل على استغلالك علناً فستذهب إلى مبنى محافظة دمشق وستمضي العقد وستتم سرقتك وسرقة حقوقك وحقوق الدولة من قبل هيئة حكومية معتمدة وذات شأن، يذهب الدلال بأوراق العقد ويتركك مع صاحب المنزل لتبادل أطراف الحديث ويقول لك لاتتعب نفسك استاذ من عيوني بخدمك، ويعود بعد ربع ساعة ليعطيك نسخة عقدك جاهزا ومختوما أصولا بختم الدائرة المعنية في مبنى محافظة دمشق.
بعد أن "تتك" قيمة إيجار المنزل كاش لسنة كاملة دفعة واحدة، وهذه أولى شروط العقد، وأول خمس كلمات ستسمعها من صاحب المنزل والدلال.
تدفع وتأخذ عقدك فرحا فأنت قد حصلت أخيرا على حقك بدخول منزل تسكنه لمدة سنة، بالمناسبة هنا قبل أن تدخل المنزل لن يعطيك صاحب المنزل مفتاحا سيقول لك "اضرب مفتاح جديداً احسن لك استاذ" اضمنلك" وطبعا على حسابك وحسابك وقتك، تأخذ "الغلق" و"تضرب" مفتاحاً عند صانع المفاتيح وتعود ركضا لأن باب بيتك مفتوح.

تجلس على أريكة متهالكة من أثاث المنزل وقد تقع بك على الأرض إذا لم تنتبه إلى زاوية جلوسك عليها. وإذا خطر لك مطالعة العقد وقراءة تفاصيله ستجد مايلي بالحرف الواحد: في بند قيمة الإيجار ستفاجأ أن مبلغ الايجار الشهري ألف ليرة سورية فقط.
ستقول في نفسك للوهلة الأولى إنه خطأ مطبعي، ولكن في الحقيقة حتى لا يدفع صاحب المنزل ضريبة ايجار منزلة يحتال مع موظف المحافظة برشوة متفق عليها، وتتم كتابة الرقم هكذا. بالمناسبة هذا ينطبق ايضاً على عمليات البيع والشراء، سيتم التواطؤ بين البائع والشاري والدلال وموظف الحكومة على سرقة مال الدولة.

استغلالك كمواطن واستغلال الدولة بموافقتك أنت تعيشه أيها المواطن في كل لحظة.

هذا ولم تدخل بعد إلى عالم منزلك الذي يحتاج منك لشهر على الأقل لتنام على فراشه.

الأثاث سيء وغير مناسب مع شروط العقد، لا أثاث في الحقيقة هو شبه أثاث

لا أعلم كيف يعيش سوق العقار وسوق الوحدات السكنية في سورية الأمر لاعلاقة لا بتقاليد تجارية ولابتقاليد أخلاقية ولا بتقاليد من أي نوع إنه استفشار وانحدار في مستوى العقد بين المتعاقدين، في غياب تام لدور القانون الذي ينظم العلاقة.

لايريد صاحب المنزل أن ينفق ليرة واحد حتى يكون منزله بحالة تسمح لك بالهناء، مخالفا بذلك كل شروط عقده الأصلي مستغلاً حاجتك، وإذا تجاوزنا موضوع الأثاث فستلاقيها من باب آخر هو باب جودة المكان، إذ لن تحظى بأي قيمة مضافة تعادل فلوسك ولاحتى ربع "فلوسك”. وستقضي وقتا طويلا لتعقيم وتنظيف ماتقدر عليه.
إذا كان الوقت شتاء ستقضيه مع الماء المتسلل من السقف أو الحائط أو التمديدات أو حنفيات المطبخ أو الحمام، ولن تحظى بوسيلة تدفئة مساعدة، لامكيف ولا مكان لوضع مكيف حتى، وإذا كان الوقت صيفاً ستعاني من نفس الأمر.
وإذا كنت قادراً وأردت أن تنفق على إصلاح أي شي فسيكون على حسابك ولن يعطيك ذلك أفضلية بالبقاء أكثر من مدة عقدك الذي سيتمسك به صاحب المنزل ليصبح عندها روح القانون ونصه الذي يطالب به .
أين القانون ولماذا لايوجد قانون صريح وواضح، ينظم هذه العلاقة وينصف الجميع؟.

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر