"الحمضيات في سورية تتهاوى" فمن يقف خلف حرمان المزارعين أرزاقهم

"الحمضيات في سورية تتهاوى" فمن يقف خلف حرمان المزارعين أرزاقهم

اللاذقية - نور علي
تعد الحمضيات المصدر الرئيسي لدخل مزارعي الساحل السوري، وتمتد على مساحة واسعة من أراضيه، وفي موسم الحمضيات من كل عام، يعاني مزارعو الساحل السوري من تكرار سيناريو أزمة تسويق محاصيلهم التي على مايبدو باتت شبه مستحيلة وعصية على الحل، وخاصة ممن ارتبطت عملية تسويق محاصيلهم بتجار سوق الهال في اللاذقية، فالمزارع هنا أمام خيارين لا ثالث لهما، إما بيع المحصول بسعر زهيد، وإما الكساد، وفي الحالتين الخاسر الأكبر هو المزارع.

 

مافيات سوق الهال وبروباغاندا أزمة الحمضيات

هي أزمة نعم، ولكن أزمة مختلقة تولد مع كل موسم للحمضيات، يبتدعها بعض الأشخاص الذين يعملون لصالح مصدرين كبار أو رجال أعمال واقتصاديين، من خلال نشر شائعات محبطة تجعل المزارع يفقد الثقة في محصوله، ويفقد الأمل في تسويقه، تماما كما حصل في عام 2017 عندما قرر المزارعون قطع أشجارهم احتجاجاً على الخسائر في محاصيلهم، مما يجبرهم على البيع بأرخص الأثمان من مبدأ »الرمد خير من العمى .«

المشهد حاولت استطلاع آراء العديد من المزارعين لكن دون جدوى، فحالة الخوف التي كانت تسيطر عليهم من التحدث للصحافة أثارت الشك، لكن الصورة اتضحت قليلًا بعد أن منعنا من الدخول إلى سوق الهال وتصوير عملية التسويق التي على مايبدو يشرف عليها أسماء ممنوعة من الصرف لشخصيات رفيعة المستوى، فتجمع السيارات ذات الدفع الرباعي المفيمة والتي تحمل لوحاتها أرقاماً ذهبية كانت كافية لنفهم أي نوع من التجارة السوداء تجري هنا داخل هذا السوق.

كل ما سبق ذكره كان لآخر لحظة مجرد فرضيات قبل أن يخرج إلينا المرافق الشخصي لأحدهم وينصحنا بعدم الاقتراب من السوق مرة أخرى، وعند استفسارنا عن السبب، كان الرد وجيهاً جداً.. »معلمنا بيكره الصحافة «، وهنا سقطت جميع إشارات الاستفهام عن اسئلتنا حول حالة الخوف والذعر التي كانت تسيطر على المزارعين من الإدلاء بأي تصريح.

استغلال لقمة المظلوم و تبيض طناجر الظالم

في مشهد آخر لكواليس عملية تسويق الحمضيات، هناك من يعرف عن نفسه أنه تاجر »جملة « ومصدر لل «الإردن والعراق «، ويعقد صفقات مع المزارعين بعد »ترويضهم « واللعب على أوتار لقمة عيشهم وعيش أسرهم، ويوهمهم أن الحكومة غير قادرة على تسويق وتصدير المحصول بسبب انشغالها في الواقع الأمني والسياسي ومشكلة الليرة السورية التي تلفظ أنفاسها الأخيرة، أي بعد أن يصل المزارع للمرحلة الأخيرة من اليأس، ثم يشتريها بأسعار تتراوح بين ال 25 ليرة سورية للكيلو غرام الواحد وفي أحسن الأحوال 75 ليرة سورية للكيلو غرام الواحد.

إلى هنا يبدو الوضع طبيعياً، لكن ماذا لو علمنا فيما بعد أن هؤلاء التجار ليسوا سوى أسماء على ورق..؟، وأن التاجر الحقيقي هو شخصية إقتصادية من أباطرة رؤوس الأموال السورية، يسخر في كل موسم للحمضيات، من يقوم بتسميم عقول المزارعين بأن بعض معابر التصدير مغلقة أو غير آمنة أو تحت سيطرة المسلحين وغيرها من الأقوال الكثير، ليجد المزارع نفسه أمام الأمر الواقع، يقدم رزقه على طبق من ذهب، ليشتريه هذا التاجر بسعر بخس ويحوله إلى مادة استهلاكية تطرح بالأسواق للمستهلك بأسعار لايقبلها عقل ولا منطق، وكأن الفواكه المصنعة منها هذه المادة استوائية أو من خارج حدود كوكب الأرض.

من الجدير بالذكر، أن أحد موظفي مكتب هذه الشخصية اتصل بنا من »برايفت نمبر « وقال لنا حرفياً : «أي محاولة منكم لفتح ملف الحمضيات ستكون نتائجها وخيمة، لذا من الأفضل لكم عدم اللعب مع الكبار .«

 

وفي سياق عملية التسويق السوداء، كشف لنا أحد الإعلاميين، أن إحدى الشبكات الإخبارية على موقع التواصل الاجتماعي »الفيسبوك «، تم شراء القائمين عليها بمبلغ من المال مقابل قيامهم بنشر أخبار تبلور صورة بعض الرؤوس الكبيرة التي تشرف على عملية تسويق الحمضيات، وتعشعش في أذهان المتابعين أن المزارع ليس مظلوماً في عملية التسويق بل يدعي الظلم، وأن المحاصيل تم شراؤها بمبالغ عالية وتم شحنها وبيعها إلى دول الجوار، وهنا لابد من الإشارة إلى أن هذه الشبكة الإخبارية هي فقط من سمح لها بتغطية وقائع سوق الهال علماً أنها لاتمت للصحافة بصلة، بالإضافة للمكتب الصحفي التابع لمحافظة اللاذقية، في حين غابت أو غيبت باقي وسائل الإعلام لأسباب حتماً باتت معلومة عند الجميع.

هداك الغيم جاب هالمطر
ليست سنة أو سنتين، بل هي سنوات من عمر المعاناة لمزارعي الساحل السوري دون عين ترى أو أذن تسمع، معاناة جعلت الأسرة الريفية في مرمى الفقر، فالزراعة في ظل هذه الظروف القاسية والتسويق غير المنصف، لم تعد خياراً صائباً يعتمد عليه كمردود مادي أو وسيلة للعيش، فحجم المصاريف التي يتكبدها كل مزارع على أرضه وإنتاج محصوله باتت بالمقارنة مع السعر الذي يباع به المحصول لا تغطي ربع النفقات، وبالتالي يبقى المزارع في هذه المعادلة تحت الكسر، لتتحول الأراضي الزراعية من ضمان لمستقبل أصحابها إلى عبء عليهم. ربما تسويق المحاصيل هو واحدة من أهم المشكلات التي يعاني منها المزارع السوري، ولكن ليست مجملها، فقبلها هناك معاناة التخطيط للزراعة، معاناة حراثة وتنسيق التربة، معاناة شراء الكمية اللازمة من الغراس أو البذار، معاناة شراء الأسمدة والمبيدات الحشرية التي غالباً غير متوفرة، وإن وجدت فثمنها مرتفع جداً، ومعاناة الآليات الزراعية ومضخات المياه التي تحتاج لكميات معينة من المحروقات والتي تشهد موادها أزمات متلاحقة طوال العام، وماذا عن الحرائق التي لحقت بالغابات والمحاصيل، وعوامل الطبيعة والكوارث التي لايلقى المزراعون عليها أي تعويض أو دعم.

لمحة عن محصول الحمضيات في سورية

تحتل سورية المرتبة الثالثة عربياً في إنتاج الحمضيات بعد مصر والمملكة المغربية، كما تحتل سوريا المرتبة السابعة على مستوى دول حوض البحر الأبيض المتوسط في إنتاج الحمضيات، وتحل في المرتبة 20 عالمياً. ويبلغ إنتاج الحمضيات في سورية نحو مليون طن سنوياً تزيد أو تنقص قليلًا حسب المواسم والأمطار والعوامل الجوية، حيث يقدر هذا الإنتاج ب% 1 من الإنتاج العالمي السنوي من الحمضيات البالغ 100 مليون طن في كل عام، لكن الإنتاج السوري انخفض إلى 800 ألف طن وفقاً لإحصاءات منظمة »الفاو «، وبذلك فإن هذه الكمية تزيد عن حاجة السوق المحلية السورية، ويصبح المزارع مجبراً على تصديرها للخارج من أجل المحافظة على سعرها. وتقدر إحصاءات سابقة صادرة عن وزارة الزراعة السورية أن نحو 65 ألف أسرة سورية تعمل في زراعة الحمضيات فضلًا عن عاملين في التسويق ومصانع العصير وغيرها من الصناعات التي تدخل في مجال زراعة الحمضيات. تبلغ المساحة الإجمالية المزروعة بالحمضيات في سوريا نحو 35 ألف هكتار، تحتوي هذه المساحة عن 13 مليون شجرة، منها 11 مليون شجرة تثمر سنوياً، وما يميز الحمضيات السورية أنها خالية من الهرمونات، وتعتمد في نضوجها على العوامل الطبيعية فقط

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر