التمتع بكأس شاي في مقهى الروضة  صار ترفاً

التمتع بكأس شاي في مقهى الروضة صار ترفاً

الصباح في شوارع دمشق تنعشه نسمة باردة بعد منخفض جوي عابر، والشوارع تضج بحركة السيارات القديمة المتعبة، أما أهل دمشق وزوارها ونازحون هجرتهم الحرب إليها، فلاسيرة لهم سوى أحاديث الوضع المعيشي وصعوبة الحياة في مدينة لم تهزمها الحرب.

تعلو الغربة القاسية وجوه الناس، فالدولار يصعد بقوة غاشمة إلى حيطان الألف، ولم يعد متيسراً بعد الآن أن تأكل "سندويشة" تُسكت الجوع بـ 200 ليرة.
أمام محل بيتزا في ساحة الشهبندر يلقي بعضهم بقطعة بيتزا لقطة تموء من الجوع، فيحتج رجل أسند نفسه على جدار بصوت خافت ويقول: "أطعمونا نحن البشر أولى”. ويسابق لالتقاط قطعة البيتزا التي تلوثت بالتراب. "مشهد رأيته بعيني وحدث أمامي”.

في دمشق حتى كأس الشاي في مقهى قديم أصبح متعذراً، ولم يعد متيسراً لروّاد أرصفة دمشق دخول مقهى الروضة لشرب كأس من الشاي مثل أيام زمان، كأس الشاي قفز فوق الـ 500 ليرة ومع صعود الدولار تبخرت أمنيات بسيطة كانت في متناول الجميع.

الحياة تفقد شيئاً فشيئاً سهولة العيش بالحد الأدنى، لم يعد هناك حد أدنى، غابت الخطوط الدنيا وحلت مكانها خطوط لا تشبه سماء دمشق حتى قبل سنتين، عندما كانت العاصمة تحت الحصار والقذائف.

اليوم اصبحت الحياة أصعب وأقسى كما يقول الجميع، أصعب أن تأكل وأصعب تنام دافئاً في شتاء قارس البرد، وأصعب في أن تحلم بسكن متواضع، لاسكن متواضع بعد اليوم ولا مستشفى يستقبلك بسهولة أيضاً، حتى مستشفيات الدولة أصبحت عصية على الناس، فهي أيضاً تعاني من غياب الأمل ومن غياب خدمة طالما تغنينا بها، من يتذكر مستشفى المواساة والمجتهد والمزة وحرستا أيام زمان عندما كانت تجود بخدماتها وخبراتها على من يحتاجها؟
 
لم يعد متيسراً بعد اليوم لأحد أن يعيش دون أن يموت كل يوم، يحكي لي سائق تكسي بغضب وغصة كيف أنه رأى شيخاً طاعناً في السن يحمل جرة غاز فارغة على مدى يومين منتظراً من الرابعة صباحاً إلى الرابعة عصراً دون أن يوفق بتبديل جرته ويعود خائباً، ويلقي سائق التكسي بالشتيمة على الحكومة وعلى فساد كل من يتولى المسؤولية في أي موقع حكومي أو خدمي.

يقول لي صديق أنه خرج من المستشفى دون ضماد من جرح عملية طارئة في ساعده، لا يوجد لا شاش أبيض ولا أسمر في المستشفى.
في هذا البلد أصبحت لقمة العيش عصية على معظم الناس، الكثير من الظلم والتعسف يصيب من لاقدرة له على مواجهة الفقر والحاجة.
الأكثرية التي وقفت في مواجهة الفناء من حرب طاحنة، أكثرية لم تهاجر ولن تهاجر أرسلت أولادها إلى الحرب وماتوا في الحرب، أولادهم الذين أوقفو زحف التتار الجدد تركوا أهلهم الذين مازالوا على قيد الحياة ينتظرون الموت من الجوع وذل الحاجة.

أمريكا أيضاً أرادت لكل سوري يعيش هنا أن يموت عندما قامت أمس بإطلاق رصاصات القنص الشاملة على كل السوريين مع قانون قيصر وصادق نوابها بالأغلبية على موت كل السوريين.
 
بينما سوريون (معارضون) في الخارج وفي مشهد سريالي "يشمتون" بإخوانهم ويرقصون طرباً لصدور قانون قيصر، وكأنهم ينتقمون ممن يعيش في بلد أرادوا  له الدمار الشامل من شتاتهم النهائي.

 لم يعد الأمل متيسراً، لم يعد هناك من شيء أقوى من الموت، ولم يعد هناك ماهو أصعب من الأمل.
قانون قيصر وممارسات الفساد الفاضحة تحاصر سورية اليوم، وتهدم الأمل الذي داعب السوريين بعودة العافية إلى بلد أصبح الموت من الجوع فيه أسهل بكثير من الحياة.

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر