تعلم النفاق، في خمس دقائق!

تعلم النفاق، في خمس دقائق!

يوسف أحمد سعد

سألني صديقي الغالي ذو الفكر الثاقب والموقف الوطني الثابت ولن أذكر اسمه قائلاً ما بالك لا تكتب إلا عن السلبيات الحكومية؟ ألم تجد أي ايجابية تكتب عنها، ولماذا لا تكتب ولو مقالاً واحداً في معرض المديح؟

قلت نعم من الواجب أن ننظر أيضاً إلى نصف الكأس أو حتى ربع ربع ربعه الممتلئ، ولكن هذا يحدث عندما تعترف الحكومة أن هنالك نصف او ربع فارغ، المشكلة يا صديقي أن الحكومة ترى أن الماء يفيض من الكأس وينسكب شلالاً عذباً فراتاً.

وهذا يحدث أيضاً لو كان مجلس الشعب يعترف أيضاً بالحيز الفارغ من الكأس، لكنه ومعظم نواب الشعب يتبارون بقصائد المديح للحكومة ولجميع وزرائها بل لجميع معاونيهم وحتى مدراء مكاتبهم وكبير مرافقيهم، ومن منهم يحاول الاقتراب نقداً من أي وزير عليه أن يحضر "خلطة سرية سحرية" تتضمن الكثير من التبريرات وشرح الظروف والتحديات ثم يمرر قليل من الانتقاد الخجول، ليتصدى له رئيس الجلسة بأن وقته المتاح للكلام قد انتهى وما عليه إلا أن يقدم مذكرة خطية لتتم احالتها إلى اللجان المختصة ومن ثم طلب إجابة الوزير بالبريد ليكتشف السائل أو المنتقد فيما بعد أنه أحمق وأن الوزير بجحافله الإدارية قد فند كل مزاعمه وما على النائب سوى الاعتذار لأنه أضاع وقت الوزير والمجلس بسفاسف الأمور،

قلت له هذا يحدث أيضاً عندما تقوم الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش بممارسة صلاحياتها الواسعة ومحاسبة الفاسدين باختلاس المال العام وباختلاس المال الخاص من خلال التعليمات الوزارية الاحتكارية لصالح المبشرين بالثروة، وعندما تسمي الهيئة عدداً من الكفاءات بصفة "المحقق العام" الذي يتمكن من فتح أي ملف دون تكليف.

قلت له يحدث هذا عندما تقوم المنظمات الشعبية والاتحادات المهنية من الاعتراف بأن هنالك خللاً في الأداء الحكومي وفي السياسة والتوجهات الحكومية، لا أن تتحول هذه المنظمات إلى مسوقين لنشاز العزف الحكومي مقابل فتات موائد "عشاء العمل"

قلت له يحدث ذلك ويجب أن يحدث عندما ينشغل الاعلام الرسمي أو الخاص بتصحيح اعوجاج حكومي هنا أو ارتكاب هناك، ولكن هذه الأبواق متخصصة في النفاق والتملق على حساب الوطن والمواطن.

فكيف أيها الصديق تريدني أيضاً أن أكون عبارة عن طبل اضافي ضمن هذه الجوقة المكتظة؟

ولكنه أصر وطلب مني أن أجرب لو لمرة واحدة، وبما أنني أحبه وأجله فقد وسوس لي الشيطان أن أطيعه ووعدته أن أحاول ما استطعت إلى ذلك سبيلا، ولما كنت أفي بعهودي فقد مضى حتى الآن أكثر من اسبوعين وأنا أتمرن على النفاق إلى أن استطعت أن أكتب المقال التالي وهو أشبه ببيان مقتضب:
بسم الله ولا حول ولا قوة إلا بالله

حكومة من ملائكة!
أعجب كيف تقبل الحكومة الحالية بالاستمرار وكيف يقبل الوزراء بالعمل في حين أن مرتب الوزير الشهري لا يتجاوز مائة وخمسين ألف ليرة سورية في حين أن نظرائهم في البلدان الأوروبية يتقاضى كل منهم ما يعادل عشرة ملايين ليرة شهرياً.

وإنني أشعر بالخجل والإحراج من الوزير السوري ولا أجرؤ أن أنظر بعينيه لأنه لا يتقاضى إلا أقل من خمسة آلاف ليرة يومياً أي ما يعادل عشر سندويشات شاورما متوسطة الحجم، في حين أنه يتحمل مسؤوليات جسام في ظل الأوضاع الاستثنائية.
 
وأعجب كيف لا تستقيل الحكومة، فعدا عن الراتب الشهري غير الكافي فإن الوزراء يتعرضون للإجحاف المعنوي لأنهم حرموا من سيارات المرسيدس الحديثة ولم يسمح لهم باستخدام سوى سيارات "لكزس" قديمة أو"تويوتا كامري" في حين أن أصغر مهرب يهدي ابنه سيارة مرسيدس فارهة عند نجاحه بالشهادة الاعدادية، في حين أنهم أبناء الحكومة ولا ينبغي أن يكون المهرب أكرم من الحكومة.

والأشد وبالاً من ذلك أن الوزراء قد طلب منهم من اليوم الاول أن يقسموا بالله العظيم ليعملوا كل استطاعتهم لدعم سيادة القانون وخدمة الوطن والمواطن، فأصبحوا أمام خطر عذاب النار وظلمات الجحيم إذا غفلوا أو تراخوا ، وهم في غنى عن هذه المجازفة غير مضمونة العواقب مقابل مائة وخمسين ألف ليرة شهرياً،
ومع ذلك فإن الناس لا تقدر لهم ذلك ولا يساعدهم المواطن على النجاح، فرغم تحذيراتهم لم يزل المواطن يستهلك الكثير من مازوت التدفئة في الشتاء مما يتسبب بأزمة محروقات، وما زال المواطن يرفع استجراره من الكهرباء وخاصة في الليل الأمر الذي يربك القواطع التفاضلية باهظة الثمن، ولا ننسى أن المواطن الموظف يتعمد بشكل مستفز الوقوف أمام الصراف الآلي أول كل شهر بدلاً من باقي الأيام مما يتسبب بطوابير طويلة ومتعرجة.

إنها حكومة متفانية تعمل بشكل شبه مجاني بدوافع وطنية وإنسانية بحتة وعلينا نحن المواطنين أن نثمن عالياً شهامتها ونطلب منها المعذرة عن أي تقصير بحقها أو عدم تفهم أو فهم لسياستها وتعليماتها وتعاليمها).
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم....
وها أنا ذا يا صديقي أفي بوعدي..

 

                     

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر