الحكومة الموازية!

الحكومة الموازية!

يوسف أحمد سعد

كثيراً ما كان الغموض والعجب يعتري الكثير من السوريين عند الحديث عن الحكومة الخفية في الولايات المتحدة الأمريكية أو سواها من البلدان.
إلى أن شاء الله وقدر للسوريين أن ينعموا ويتنعموا ويعيشوا هذه التجربة الجديدة المتجددة، وربما جاء ذلك في معرض الأداء الحكومي الرامي إلى الاطمئنان أن مواطنيها أصبحوا على دراية عملية وكافية حول معاني وآثار وأشكال الحكومات الخفية أو الموازية، والفرق بينها وبين الحكومات الحقيقية، والفرق بينهما وبين الحكومات الشكلية، هذا أن المواطن قد تجرع كل الدروس والتجارب، وعل هذه التجربة تكون هي الأخيرة ما قبل النضوج العلمي.

ما قادني إلى هذه الملاحظة الجامحة هو حصيلة متابعتي البعيدة والخجولة كما غيري لما يجري في أروقة صنع القرار الاستثماري والاقتصادي والمالي والإداري، وكيف تنهال القرارات التي لا يشك ذو لب أنها لا تخدم التنمية السورية، ولا تتضمن أي محتوى اقتصادي أو اجتماعي أو حتى فلسفي، وبنفس الوقت يتم الامتناع عن إصدار القرارات التنموية والاقتصادية الملحة والتي لا يشك أحد بضرورتها وبأهمية السرعة باتخاذها في ظل أوضاع وتحديات ومؤامرات خارجية وإقليمية تستهدف فيما تستهدف حياة الناس وقدرتهم على تأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم اليومية، كما تستهدف قدرة الدولة على تأمين القطع الأجنبي وتأمين موارد الخزينة.

والمدهش في الأمر أنك تشعر للوهلة الأولى بالشفقة على كل وزير عندما تستمع له وهو يفند التحديات ويعلن عن عزيمته التي لا تقهر لتذليلها، وتكتشف أنه يشعر بمعاناتك أكثر مما تشعر، وتستفزه الأخطاء أكثر مما تستفزك، لتكتشف لاحقاً أو لتنتهي حياتك قهراً قبل أن تكتشف أن ما تسمعه لا يتعدى ما يمكن تسميته الزجل الاقتصادي الحكومي، ولتكتشف أن هذا الوزير أو ذاك لا يملك قراره بالشكل الكافي لتنفيذ سياسته التنموية فيما إذا كان يمتلك هذه السياسة أصلاً، ولتعتقد بشكل مدعوم بالوقائع أن هنالك خلف أو أمام أو فوق هذا الوزير من يتولى تحديد القرارات الواجب اتخاذها، وتحديد القرارات غير المسموح اتخاذها.

ولتكتشف أنك لا تستطيع معرفة من هي وزارة النقل هل هي الوزارة أم شركة طيران أجنحة الشام التي اخترعت لها الوزارة شروطاً احتكارية لتبقى دون منافس؟ ومن هي وزارة الثقافة المؤثرة هل هي تلك التي يقودها الوزير أم من تقودها القبيسيات؟ وتكون الحيرة مصيرك عندما تتساءل من يقود وزارة الصناعة هل هو الوزير أم بعض رجال الأموال الذين يحتكرون جمع وصهر الخردة ويحتكرون استيراد السيارات تحت عباءة التصنيع المحلي المخادعة.

وتعجب أيضاً من يقود السياسة النقدية هل هو المصرف المركزي أم مجموعة العشرة المبشرين بالثروة الذين يستنجد بهم حاكم المصرف كلما انخفض سعر الليرة؟

ومن يقود الجمارك العامة هل هو مديرها أم مجموعة أصحاب المعابر؟

ومن يتحكم بوزارة الاقتصاد هل هو الوزير أم مجموعة المستوردين الاحتكاريين الذين يتمتعون بإجازات الاستيراد وبالشروط المفصلة على مقاسهم للفوز بالدولار الرسمي؟

ومن يقود وزارة النفط هل هو الوزير أم أصحاب الباع الطويل في التهريب الداخلي والاقليمي للنفط وأصحاب النية الحالية لإقامة مصفاتين للنفط الخام على مرأى ومسمع مصفاتي بانياس وحمص الحكوميتين وعلى مرأى ومسمع كل الخبراء الذين يعلمون أن هذه المشاريع الذهبية والرابحة ينبغي أن تكون ملكاً للدولة فقط؟

أما وزارة الاتصالات فحدث ولا حرج.

نعم إننا أمام حالة ملتبسة، بل شديدة الالتباس، وهي حالة تلقي بظلالها الثقيلة على أفق وفرص التنمية الاقتصادية والادارية، وهي تجعل الشك بمصير الاقتصاد والكفاءات الاقتصادية هو سيد الموقف.

إن من أهم التحديات إعادة الثقة لهيكليات الحكومة ومؤسساتها ومنع التعدي على قراراتها وصلاحياتها لتكون هذه الوزارات هي وزارات الوطن ومستقبله لا أن تكون بهذا الشكل أو ذاك وزارات منهمكة في تأمين المصالح الضيقة للبعض. إننا بأشد وأمس الحاجة لوجود رجال دولة في الحكومة لا أيناء حكومة.                                                    

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر