وتحسبهم أيقاظاً وهم رقود!

وتحسبهم أيقاظاً وهم رقود!

يوسف أحمد سعد

لأول مرة تقود الحكومة السورية بياناً عملياً يثبت السقوط المدوي لكافة النظريات الاقتصادية ،وكذلك الخذلان لكافة المحللين الاقتصاديين ابتداءً من محللي قناة سما الفضائية حتى خبراء المال العالميين وصولاً إلى أصحاب النظريات الاقتصادية والمالية.

لقد فعلتها حكومتنا بجدارة وكفاءة، وجعلت من الحيرة والعجز حال الجميع وهي وحدها تقف رابطة الجأش غير مبالية بالضجة وبما تعتبره جعجعة غير مفهومة حول ما تصفه هي بارتفاع الدولار ،وما يراه "العامة" انخفاض قيمة الليرة، ففي نظرها الأمر لا يتعدى تقلبات في قيمة عملة دولة غير صديقة.

حكومتنا لا ترى أن الأمر يستحق حتى مؤتمر صحفي أو اجتماع استثنائي لجميع أو بعض أعضائها، وربما تعتقد أنه إجراء سخي و مبالغ فيه أن يصرح حاكم المصرف المركزي بشكل مقتضب مكتشفاً أن السبب يعود لزيادة الطلب على الدولار إضافة لعوامل خارجية، وهذا التصريح يتماهى مع تصريح وزير الكهرباء الذي علل المباشرة بـ " التقنين" بزيادة استجرار الكهرباء من الشبكة، طبعاً في كلتا الحالتين تكون الحكومة بريئة لأن المواطنين يتمادون في طلب الدولار مثلما هم جشعون في استجرار الكهرباء، لكن وزارة الكهرباء كانت أكثر حذاقة ربما بسبب توفر عديد خبراء اللغة العربية ضمن كوادرها فابتكرت مصطلح التقنين وأدخلته في الثقافة السورية المتوارثة وكأنه من طبيعة الأشياء.

نعود إلى موضوع العلاقة الملتبسة بين ليرتنا ودولارهم، وكيف أن خبراء الاقتصاد والمال لا يتمكنون من فهم أي من الإجراءات الحكومية الخجولة والمخجلة، وكيف أن هنالك كم هائل من التكهنات حول أسباب خسارة الليرة لنصف قيمتها خلال أسابيع قليلة، فهذا يقول أن المصرف المركزي هو المسؤول، وثان يقول أن العشرة المبشرين بالثروة الذين كان قد اجتمع معهم – وليس بهم- حاكم المصرف وأجلسهم في صدارة المنصة أو أجلسوه على أطرافها والتمس منهم دعم الليرة نكسوا بوعودهم وعهودهم ، وثالث يقول أن أحداث لبنان دفعت اللبنانيين والسوريين "المغتربين" في لبنان إلى اللجوء لتأمين الدولار من السوق السورية، ورابع يقول أن الليرة وقعت في مصيدة ومكيدة غربية مدبرة، وخامس يقول، وسادس يقول.

كل ذلك يعتبر رجماً بالغيب، حكومتنا أعلم بما مكروا، ولكنها تأبى التصريح بالحقيقة لأسباب تراها ولا نراها، ربما أنها لا تريد إغلاق باب الإبداع والاجتهاد، ولا تريد الإفصاح عن الجواب الصحيح لهذه الأحجية قبل أن تمنح الفرصة الكافية لكل مواطن ليدلي بدلوه ويتكهن بالسبب الحقيقي ولا بأس أن يقدم اقتراحاته التي يفضل أن تتضمن توسيع دائرة المتطوعين لدعم الليرة،

أما أنا فإنني أرى أن ما يحدث هو أمر طبيعي ومنتظر وربما قد تأخر قليلاً  فماذا ينبغي أن ننتظر من سياسات الحكومة الاقتصادية التي لم تتردد منذ عقود في عرقلة الأعمال الانتاجية لصالح الاستيراد، ولم تتردد في تعقيد وعرقلة عودة الرساميل العائدة للسوريين في الخارج لصالح بعض العقليات البيروقراطية المنفصلة عن حركة الاقتصاد العالمي، ولم تتردد ولم تزل في بيع الدولار بنصف قيمته إلى المستوردين في حين تفرض الضرائب وتشن "الغزوات" الجمركية على المنتجين لتجعلهم يفرون من عالم الصناعة والإنتاج المرهق إلى عالم الاستيراد والسمسرة الزاهي، وكيف لنا أن نراهن على التخطيط المالي للحكومة عندما سكتت دهراً ونطقت "وهماً" منذ شهر ونيف عندما دعت بعض الأثرياء المنتفعين من سياستها الاقتصادية إلى" فزعة" لإنقاذ الليرة.

نعم نحن في خضم أخطر مؤامرة دولية وإقليمية على الوطن، ونحن نتصدى بشجاعة لأعتى قوة عسكرية واقتصادية ومالية، ولكن هذا لا يبرر الأداء الحكومي الملتبس، بل لأننا كذلك لا يمكن أن نقبل من أي وزير إلا أن يقدم أفضل ما عنده.

مسكينة ليرتنا، ومسكين المواطن الذي خرج ذات ليلة من كهف أحلامه إلى المدينة ليكتشف أن ما في جيبه لا يكفي شراء زاد يوم.                                                      

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر