في ريف اللاذقية: مدارس في غرف مأجورة وعلم مغمس بالذل (صور + فيديو)

في ريف اللاذقية: مدارس في غرف مأجورة وعلم مغمس بالذل (صور + فيديو)

 نور علي
 هو واقع مرير تعيشه العديد من مدارس ريف اللاذقية، معاناة عمرها سنوات طي الكتمان وطي النسيان، في صورة تعكس حجم الفساد للقائمين على إدارة الواقع التربوي في المحافظة وحجم الإهمال والتقصير تجاه القطاع العلمي وتجاه الأجيال السورية الناشئة. مدرسة متهالكة، وأخرى مسيجة بالموت، وغرفة واحدة تختصر المدرسة وأقسامها، هذا ما رأته ووثقته كاميرا المشهد ضمن سلسلة تحقيقاتها الصحفية عن الواقع التربوي في اللاذقية.
 
 مدرسة "عنانيب" عندما يُدرّس العلم في الحظائر
 على بقايا قطعة خشبية، كتب أهالي قرية عنانيب اسم مدرسة أبنائهم الشهيد "محمود مرداش" وفي غرفتين مأجورتين ضمن منزل أحد أبناء القرية اختارت مديرية التربية في اللاذقية أن يتلقى طلاب هذه القرية تعليمهم. هي مدرسة لا تشبه المدرسة في شيء، غرف صغيرة مظلمة كالكهوف، أسقف متهالكة تكاد تنهار فوق رؤوس الطلاب، مقاعد لم يبقى منها سوى الحديد فقط، وسبورة محطمة وموضوعة على إحدى الكراسي الخشبية، وأخيراً دورات مياه تطوف بالبراز البشري ولا تمديد لأي صرف صحي فيها. حسب أقوال أهالي القرية للمشهد، فإن الغرفتين المخصصتين لتعليم أبنائهم كان أصحابها يعتمدونها حظيرة لمواشيهم قبل أن توقع معهم مديرية التربية عقد إيجار يتم بموجبه إعتبار هاتين
 الغرفتين مدرسة حلقة ثانية للصفوف الانتقالية في مرحلة التعليم الأساسي. وبين الأهالي، أن المدرسة غير صالحة حتى للدواب، فأبنائهم يقضون حوائجهم في الجرود والأحراش وبناتهم يضطررن للإنتظار أو العودة إلى منازلهن، وحتى المعلمات بتن غير قادرات على التعليم في ظل هذه الأجواء البدائية القاسية وقسم كبير منهن اخترن البقاء في منازلهن حتى ولو تعرضن للمسائلة أو المحاسبة. وأكد أهالي القرية أن كل من زارهم من المعنيين لم يعر اهتماماً لمعاناتهم إطلاقاً، ولم يرض حتى بالإطلاع على واقع المدرسة أو أي واقع خدمي متردي للقرية ولو لمجرد النظر، بل كان يكتفي فقط بقطع الوعود الفارغة والتقاط الصور الفوتوغرافية ولايزال طلاب قرية عنانيب يعيشون على أمل أن يكون لهم الحق في ارتياد مدرسة نظامية تمكنهم الحصول على علمهم كما يجب أسوة بباقي طلاب جيلهم في القرى المدللة.
 
 


مدرسة شبلو علم محفوف بالمخاطر
من عنانيب إلى شبلو، ربما اختلفت التسميات ولكن المعاناة واحدة، واقع تعليمي متردٍ، هياكل مدارس ضمن منازل ريفية قديمة ومستأجرة، طلاب وتلاميذ لا يعرفون من المدرسة سوى اسمها فقط، وأهلهم وذويهم يناشدون المعنيين أن ينظروا إلى أحوالهم بعين الرحمة ولو قليلًا ولكن... لا حياة لمن تنادي. إنها مدرسة الشهيد نظام الدين حسن في قرية شبلو التابعة لناحية المزيرعة، هذه المدرسة التي تقع على الطريق العام مباشرة دون أن تكون مجهزة بأي سور حتى ولو كان من قش أو قصب، يحمي تلاميذها الصغار من أن يكونوا عرضة لحوادث السير، بالإضافة لموقعها المرتفع المحاط بالمنحدرات التي قد يسقط فيها أي طفل بأي لحظة، وتحديداً المنحدرات التي تحيط بالباحة والقسم الثاني من المدرسة. هذا بالنسبة للمدرسة من الخارج، أما بالنسبة لها من الداخل، فعلى الرغم من ترتيب الصفوف لكون القائمين عليها على علم مسبق بقدوم الصحافة، إلا أن هذا لم يخفي مساحة غرف التدريس الضيقة، الغير مزودة بأي وسيلة للتدفئة أو الإنارة، إضافة لعدم وجود دورات مياه صالحة للاستخدام او حتى مياه، وكذلك الأمر بالنسبة للقسم الثاني من المدرسة الذي يبعد عن القسم الأول مسافة 200 متر تقريباً، وهذا القسم هو بمثابة شعبة ثانية للطلاب، أي بدل أن يتم جمع الشعبتين في مدرسة واحدة وخاصة أن التلاميذ من فئة الحلقة الأولى أي من عمر ال 11 سنة وما دون، وهم ليسوا بالوعي الكافي الذي يمكنهم من تحمل مسؤولية أنفسهم، تم فصلهم ووضع كل شعبة في منزل والمشترك بين الشعبتين هو اسم المدرسة والباحة الممتدة على طول الشارع الرئيسي والأحراش والوديان. شكاوي عديدة وردت من أهالي هذه القرية، بضرورة إيجاد موقع بديل للمدرسة أو تجهيزها بما يحمي التلاميذ على الأقل، فالوضع الراهن لها هو دون أدنى شك مصير أسود يحدق بأطفالهم، فكلفة سياج للمدرسة يفصل بينها وبين الطريق العام مهما بلغت لا تساوي ثمن فاجعة أو أذية. وأوضح الأهالي للمشهد، أن محافظ اللاذقية اللواء ابراهيم خضر السالم، زار المدرسة مراراً ولم يجد من وجهة نظره سبباً لتغييرها أو إصلاحها، وأي جهة رسمية زارت المدرسة كان لها ذات وجهة النظر، معتبرين أنها تلبي الغرض التعليمي وأنها مثالية كمدرسة ريفية. كما أشار الأهالي إلى أن جميع وسائل الإعلام التي ناشدوها لنقل معاناتهم حضرت شكلياً فقط وأعدت تقاريراً مصورة تبين لاحقاً أنها حذفت قبل أن يخرج معدوها من القرية، وأنهم باتوا محبطين وشبه متيقنين بأن رسائلهم تصل للمعنيين فارغة فلا عين تريد أن ترى ولا أذن تريد أن تسمع. ومن اللافت أن الغرف التي يدرس فيها التلاميذ لا تمت بصلة لغرفة الإدارة، فمن يرى الصفوف يعتقد للوهلة الأولى أنها معتقلات، ومن يرى غرفة الإدارة يظن نفسه في إحدى مدارس العاصمة، فشتان مابين الإثنين.
 
 


 مدرسة الستانية
 إلى هنا ينتهي الكلام قبل أن نزور هذه المدرسة كنا نعتقد أن العصور الحجرية انتهت مع زمانها، إلا أن ما رأيناه في هذه المدرسة جعلنا نقف لبرهة مذهولين من هول المنظر حتى بتنا عاجزين عن الكلام. هي مدرسة عبارة عن غرفة واحدة، نعم غرفة واحدة فقط، تضم مقاعد الطلاب، السبورة، مكتب المديرة، كراسي الانتظار، استراحة المعلمات والمطبخ، غرفة مظلمة تفوح منها رائحة العفن والرطوبة، آيلة للانهيار في أي لحظة، جدرانها متشققة تسكنها العناكب، لا مياه فيها ولا كهرباء ولا مرحاض ولا حتى ما يشبههم، كل شيء فيها أجدر بأن يكون غرفة للتعذيب لا للتعليم. تقول إحدى معلمات هذه المدرسة للمشهد: «من بين عشرات التلاميذ لم يبق هنا سوى ثلاثة فقط، جميعهم انتقلوا إلى مدارس القرى المجاورة التي تبعد عنهم عدة كيلومترات،

قرية كاملة تبلغ نحو 1500 نسمة يخصص لتعليم أطفالها الصغار هذه الغرفة المأجورة فقط، في موقع مرتفع يصعب للسيارات الوصول إليه فكيف لطفل يسير على قدميه، بطريق فرعية تتوسط غابة تحوي كافة أنواع المخاطر، تبعد مسافة نصف ساعة أو أكثر عن منزل أي طفل .« وتضيف : «نشعر بالذل والإهانة عندما نأتي إلى هنا، أيعقل أن نكون جميعنا في غرفة واحدة؟، أيعقل أن تدق المعلمة أبواب أهالي القرية لكي تستأذنهم باستخدام المرحاض؟، وبعضهم يوافق وبعضهم يرفض، وبعضهم لايفتح لنا الباب من الأساس، أيعقل أن يبلل التلميذ ملابسه المدرسية لأنه لم يجد مكاناً مخصصاً لقضاء حاجته وعمره الصغير جعله يخشى النزول إلى الأحراش؟، هل تستطيعين أن تتخيلي حجم الاحتقار الذي نشعر به؟، أتصدقين.. بتنا نصوم عن شرب الماء انا وتلاميذي حتى لا نضطر لطلب المرحاض من أحد .«

وتشير المعلمة، إلى أن هذه الغرفة المسماة »مدرسة « عين بها 4 عمال نظافة يقبضون رواتبهم دون دوام، فالمعلمات لا يرونهم سوى صدفة، وهن من يقمن بترتيب هذه الغرفة والاعتناء بنظافتها. الأطفال «آية وعلي ومحمود « في حديث مع المشهد، عبروا بطفولتهم البريئة عن مدى المعاناة التي تواجههم في مدرستهم، وعن رغباتهم التي هي من أبسط الحقوق التي من الممكن أن يتمتع بها أي تلميذ في مدرسته. تقول الطفلة »آية « وهي تلميذة في الصف الثاني الإبتدائي: «لا أريد أن أذهب إلى مدرسة قرية كيمين، أريد أن أبقى في قريتي ولكن ليس في هذه المدرسة، هنا لا يوجد أبواب ولا نوافذ ولا مراحيض وأنا عندما أشعر بالرغبة في دخول المرحاض انتظر ريثما أعود إلى المنزل .« ويضيف الطفل »علي « وهو أيضاً تلميذ في الصف الثاني الإبتدائي : «مقعدي يحتاج للتصليح فهو قديم جداً وممتلئ بالحشرات، زجاج النوافذ مكسر وهذه الغرفة تصبح باردة جداً في الشتاء والمطر يدخل إلينا عبر الشقوق الموجودة في الحائط، المدفأة معطلة وأنا أريد مقعد جديد ونافذة جديدة ومدفأة تعمل ." وتابع الطفل محمود وهو تلميذ في الصف الخامس : "في هذه الغرفة لا يوجد إنارة، وفي الشتاء تضطر المعلمة لإغلاق الباب من شدة الرياح والبرد، وتكمل لنا الدروس على ضوء الفلاش الخاص بهاتفها المحمول، كما أن الطريق إلى هنا غير آمنة فكثيراً ما اسمع صوت الضباع وقد صادفت الأفاعي مراراً وأنا عائد من المدرسة."


 
 ثلاث حالات اخترناها لكم من عشرات الحالات التي أراد المعنيون لمعاناتها أن تبقى في الظلام، وعندما علموا أننا نحاول أن نخرجها إلى النور رفضوا أن يعطونا إذن زيارة هذه المدارس ومنعنا من تصويرها بشكل علني مما دفعنا للتصوير بشكل سري. »برأيكم هل هذه هي المدارس التي يستحقها أطفالنا
 
 

 


تلاميذ قرية شبلو في ريف اللاذقية "دراسة في مرمى المخاطر"


شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر