إعادة قطع التصدير: شد حبل اقتصادي فمن يتعب أولاً؟

إعادة قطع التصدير: شد حبل اقتصادي فمن يتعب أولاً؟

مادلين جليس
برز موضوع تعهد إعادة قطع التصدير كالموضوع الأهم في الساحة الاقتصادية خلال الفترة الماضية، وعلى الرغم من الأخذ والرد الكثيرين فيه، إلا أنّ القرار بشأنه لم يصدر بعد، وبقيت حالة التخبّط نتيجة تطبيقه أو عدمه تسود الأوساط الاقتصادية، خاصة ممن شعروا أن تطبيق هذا القرار سيؤثّر سلباً على أرباحهم، ويقلّل من نسبها، إن لم يلغيها نهائيّاً. لكنّ كلّ ذلك لم يمنع الحكومة والمصدرين من لعب شدّ الحبل، وتجميع الأوراق بغية فردها دفعةً واحدة في حال المناقشة أمام أصحاب القرار، علّ الكفة ترجح لصالحهم.

لكنّنا نستطيع أن نستشفّ خلال الآراء التي برزت أن أغلبها إن لم نقل كلها "معارضة للقرار" لأّنه اتّخذ دون مشاورة المعنيين، أومن سيقع عليهم تطبيق القرار المتّخذ، الذي بات بيّناً للجميع عدم جدواه وانعكاساته الاقتصادية السلبيّة، مهما حمل من محاولات لإرضاء الجميع، وهذا ما لن يحصل مطلقاً. في الوقت الذي احتدم فيه الموقف اليوم بين المصدّرين والمصرف المركزي نتيجة للفرق الكبير بين سعر الدولار الرسمي الذي حدد ب 435 ليرة سورية، في الوقت الذي ارتفع فيه سعر الدولار أكثر من 600 ل.س في السوق الموازية، وبلغ الفرق أكثر من 200 ل.س للدولار الواحد.

الدكتورة لمياء عاصي، وزيرة الاقتصاد السابقة تطرح سؤالًا مهمّاً: ماذا لو كانت أرباح التّصدير أقلّ من الفرق في سعر الدّولار بين السعر الرسمي والموازي، هل من مصلحة البلد أن يمتنع المصدّر عن تصدير بضائعه؟ وتتابع الدكتورة تساؤلها: في هذه الحالة كيف سيستعيد المركزي مبالغ القطع الأجنبي التي دفعها لتمويل المستوردات؟

قرار كارثي
هذا القرار كارثي لدى البعض، وخاصّة أنّ ما يصدّر من سورية من بضائع لا يدفع ثمنه بشكل مباشر، إنما يحتاج لأكثر من شهر، بحسب ما رأى منار الجلاد عضو غرفة تجارة دمشق، الذي أوضح أنّ جميع الصادرات السّورية تصدّر إمّا بالدّين أو لبعد أجل شهر أو أكثر، وكثير من البضائع تذهب لرسم الأمانة وتباع وتسدّد قيمتها. ويطرح الجلاد تساؤلاً: كيف سيتم إعادة القطع إذا لم يوجد قنوات مصرفية اليوم لسورية؟؟ ثم يطرح مثالاً يبرهن فيه على عدم جدوى القرار بل على إيجابية عدم تطبيقه حيث يعود للعام 2013 عندما ألغي قرار إعادة قطع التّصدير، حيث سبّب إلغاء القرار حينها انخفاض سعر الصرف من 60 إلى 70 ليرة في أسبوع واحد. ويضيف الجلّاد: في السابق كان يتم إعادة القطع من السوق الموازي، والمصدر السوري كان يضطر لجلب الدولار من السوق الموازي ودفعها بالبنك المركزي لتسديد القطع، وهذا ما شكّل ضغطاً على السّوق الموازي، ويضيف الجلّاد: يكفي اليوم، أنّه يوجد ما يقارب ثلاثة ملايين دولار تدفع للبنك المركزي لتسديد قطع التّصدير، وهذا ما قلنا عنه سيسبّب ضغطاً على السوق الموازي، وهذا غير مقبول، فطالما لا يوجد لدينا قنوات تحويل نظامية وليس لدينا اعتمادات، فلايمكن أن يكون إعادة قطع التّصدير إلا بالضّغط على السوق الموازي ونحن بغنى عن ذلك.
وعن إمكانية أن يخلق القرار مناخاً اقتصادياً سلبياً فأكّد الجلّاد أنّه سيكون ذو تأثير اقتصادي سلبي جداً ليس فقط في هذه الفترة، بل في أي فترة يتخذ فيها القرار كان سيزيد الكلفة ويزيد الضّغط على السوق الموازي، وأضاف: السؤال الأهم هو كيف سيتم تنفيذ إعادة القطع، ويتابع: بتقديري سيشكل ضغطاً على سعر القطع إضافة إلى تحميل أعباء إضافية للمصدّر، في حال إعادة القطع نحن بحاجة لتخفيض سعر الصّادرات السّورية ولو بنسب ضئيلة من أجل التنافس بين المصدرين السوريين.

تشريعات غير ثابتة
رأي الجلّاد في عدم جدوى القرار وفي سلبيّته أيضاً يوافقه فيه محمد الحلّاق عضو غرفة تجارة دمشق، فالمشكلة الأكبر لدى التجّار لا تكمن في هذا القرار أو غيره، وإنما تكمن في عدم استقرار التشريعات في الفترة الحالية التي يعاني بها الجميع، وبرأي الحلاق فإنّ موضوع قطع التصدير يخصّ المصدرين بالذات، وجميع المصدّرين لكافة المواد اعترضوا على الفكرة بحدّ ذاتها. وأضاف الحلّاق: لا يخفى على أحد صعوبة الوضع الحالي على الحكومة من جهة الحصول على موارد بالقطع الأجنبي أو المحلي، ولكن بنفس الوقت لا يستطيع أحد أن ينكر صعوبة الوضع الحالي من أجل استمرار العجلة الاقتصادية بما يتيح استقرار الأعمال الصناعية والتجارية ومن ناحية استقرار العمالة والتوظيف وخلق فرص عمل بشكل يدعم المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر والمتوسطة والتي تعتبر ركيزة الاقتصاد السوري. وبرأي الحلاق أنه لا بدّ من النّظر إلى تبعات تعديل أيّ تشريع قبل التفكير بموارد هذا التشريع، وهو ما أشار إليه في حديثه عن عدم استقرار التشريعات. ومع أنّ موضوع إعادة قطع التصدير يخصّ المصدر بغض النظر عن فعاليته وعن حجمها، إلا أنّ الحلّاق يرى فيه أثرا سلبياً نتيجة عدّة أسباب أهمها ارتفاع سعر البضاعة التي يرغب المصدّر بتصديرها وبالتّالي عدم قدرته على المنافسة.

فتح المجال للفساد
تقف الدكتورة لمياء عاصي ضد تمويل المستوردات إلّا ضمن تسهيلات مالية اختياريّة، وتطرح مثالًا أّنه بإمكان البنك المركزي أن يجعل الموضوع اختيارياَ للمصدّر أو المستورد، فإذا اختار المستورد أن يقوم المركزي بتمويل مستورداته من المواد الأوليّة بالعملات الأجنبية، يجب أن يعيد بعد فترة وعند التّصدير هذا المبلغ (الدولاري)، أو أن يختار أن يمول مستورداته بشكل حر، فليس للبنك أن يطلب منه بأن يعيد شيئاً.
أما التعقيدات الإدارية والقوائم الحسابية للمواد الأولية التي مولها المركزي والداخلة في الصادرات، فهي برأي الدكتورة عاصي تسبّب إعاقة للعملية التّصديرية من جهة وقد تفتح المجال للفساد وإساءة الاستخدام من جهة أخرى. في الوقت الذي تلجأ الكثير من الدول لدعم صادراتها بوسائل كثيرة، منها أن تؤمّن للمصدّرين خطوط النقل، وتقوم بدفع جزء من الأجور، أو تساعد في عمليات الفرز والتعليب والتغليف، وخصوصاً للشركات الصغيرة، بمعنى آخر، يحب أن تقوم الحكومة بإقرار سياسة تصديريّة ومساعدة المصدّرين، على إيجاد أسواق أو زبائن محتملين، وعليها أن تحمل ولو جزءاً من نفقات المشاركة في المعارض الخارجية.

ضرورة في الحروب
تتباين آراء الخبراء الاقتصاديين حول الموضوع، فبعد أن رأته الدكتورة لمياء عاصي يسبب إعاقة للعملية التّصديرية، نجد أن الخبيرة الاقتصادية الدكتورة رشا سيروب تراه ضرورة في فترات الحروب، فهو بمثابة المساهمة في دعم الاقتصاد وعلى وجه الخصوص فئة التّجار الذين استفادوا في ظروف الحرب، إذ أنّ التاجر برأي سيروب لم يعد ربحه يقتصر على الفرق بين سعر البيع وسعر التكلفة، بل نشأ مصدر آخر للربح ناجم عن الفرق بين سعر تمويل المستوردات وبين سعر السوق السوداء (سعر تسعير المستوردات)، وبهذا تحوّلت إجازات الاستيراد المموّلة من قبل المصرف المركزي إلى إحدى أدوات المتاجرة والتربّح للتاجر.

وتطرح سيروب سؤالًا مهماً: لماذا الإصرار على الاحتفاظ بالقطع الأجنبي؟ هل الغاية من أجل تمويل المستوردات أم من أجل المضاربة به لاحقاً؟ إن كان ولا بدّ لإبقاء القطع مع التّاجر إذن فليمول مستورداته من السّوق السوداء أو يجب إعادة تحديد سعر صرف تمويل المستوردات وفقاً لسعر السوق السّوداء وليس بناء على السعر الرسمي.

إيجابي بشرط الإحجام عن التصدير
لكن قيمة صادرات القطاع الخاص ضئيلة مقارنة مع مستورداته فهي لا تغطي أكثر من % 20 من مجمل مستورداته إذ يعتمد على تمويل % 80 من مستورداته من المصرف المركزي لذلك فإن سيروب ترى أنه لن يكون لإعادة قطع التصدير أيّ أثرٍ سلبي، على العكس فبرأيها سيكون له أثر إيجابي في حال أحجم التجار عن التصدير لأن أكثر من % 50 من هذه الصادرات هي مواد خام ومن الأولى بقاؤها داخل الاقتصاد السوري والاستفادة منها في مدخلات العملية الإنتاجية لتصنيع منتجات محلية بدلًا من استيراد منتجات نهائية يمكن تصنيعها محلياً، فضلا عن أنّ تقليل هذه الصّادرات سيؤدي إلى توافر هذه المواد داخل السوق المحلية، ممّا قد ينعكس على انخفاض الأسعار.

سعر الصرف مرآة للاقتصاد ككل
وعندما يتم الحديث عن سعر الصرف لا يجب تحميل المسؤولية كاملةً لمصرف سورية المركزي، هذا ما تطرحه سيروب وتعلّل ذلك أنّ سعر الصرف هو انعكاس ومرآة للاقتصاد ككل، فهو نتيجة (أولًا) للسياسات الاقتصادية المختلفة فلا يمكن الحديث عن تدهور سعر الصرف بمعزل عن معدلات التضخم المرتفعة التي تؤدي إلى زيادة الطلب على المنتجات الأجنبية، ولا يمكن الحديث عن سعر الصرف بمعزل عن صناعة وطنية ضعيفة الجودة ومرتفعة السعر، ولا يمكن الحديث عن سعر الصرف بمعزل عن انخفاض التحصيل الضريبي الذي أدى إلى زيادة عجز الموازنة، ولا يمكن الحديث عن سعر الصرف في ظل أسواق تملؤها السلع المهربة.
وهناك العديد من المتغيرات التي لا يمكن إطلاقاً فصلها عن سعر الصرف عند الحديث عن ضبطه، لذلك نقول أن ضبط سعر الصرف هو مسؤولية الفريق الحكومي كاملًا بالتنسيق مع مصرف سورية المركزي والكلام للدكتورة سيروب. وتختم سيروب بأنه كي تستطيع الحكومة ومصرف سورية المركزي ضبط أسعار الصرف واستقرار الأسعار، يجب اتخاذ إجراءات (غير مالية وغير نقدية)، في ظل الفوضى الاقتصادية التي نعيشها اليوم، فلا يمكن لأدوات تقليدية أن تحقق أهدافها في ظل اقتصاد مشوّه، وهذه الإجراءات تقع على كاهل مصرف سورية المركزي ووزارة الداخلية في ضبط المضاربين على العملة، وعلى عاتق وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك (الوزارة النائمة) في كشف حالات الاحتكار وعدم الالتزام بالأسعار وبالجودة، وعلى مديريات الجمارك في الحدّ من التّهريب وضمان تطابق المواد المستوردة مع البند الجمركي، ودون هذه الإجراءات ستبقى أسطوانة استمرار تدهور قيمة العملة وارتفاع معدلات التضخّم تحتلّ المرتب الأولى في trend الأخبار السورية.

 

 الرصاصة التي ستقتل التصدير
الأمر مختلف تماما لدى المصدرين فلم يكن القرار بالنسبة لهم فقط ذو انعكاسات اقتصادية سلبية، إنما سيكون برأي الصناعي والمصدّر ماهر الزيّات السبب في خسارتهم وإيقاف التصدير، وخاصة أنّ الفرق في سعر الصرف بين المركزي والسوق السوداء 200 ليرة سورية، ما يعني خسارة 200 ليرة في كل دولار. وبحسب الزيات أن ذلك يعني % 35 من ريح البضاعة، متسائلا من الذي يربح % 35 في هذه الأيام؟
مضيفاً: من بقي يصدّر الآن هو فقط طويل الروح في عام 2016 قدّرت الصادرات السورية بـ 65 مليون دولار بينما انخفضت إلى 35 مليون دولار في عام 2018 ، ففي حال تطبيق هذا القرار ستنخفض الصادرات إلى 10 مليون دولار، وكل ما يقال عن ارتفاع أرقام الصادرات ما هو إلا كلام بكلام. واقترح الزّيات أن يتمّ الاعتماد على آليات جديدة لرفع أرقام الصادرات إضافة إلى التخفيف على المعامل التي باتت مقصدا للتموين والجمارك وكل الجهات. ويبدو الزيات متفائلًا من عدم إصدار هكذا قرار، فمنذ شهرين جرى الحديث عنه ولم يتخذ أي خطوة حياله، وفي حال صدوره فإنه سيكون الرصاصة التي تقتل التصدير مباشرة ويجب حينها إلغاء وحل كل لجان التصدير، أما المصدّرين فسيقومون بإيقاف التصدير نهائيا.
 

أخيراً.. يبدو أن الضجيج الذي أثاره هذا القرار لم يكن أكثر من رمي حجر في بحيرة ماء راكدة، فبعد كل الأخذ والرد حوله لم يتغير القرار ولم يطبّق أيضاً، ولم يحدث أي شيء، فلماذا أعلنته الحكومة إذاً؟!. ومع ذلك من المفترض في حال صدوره أن يحمل مضامين جديدة تعكس آليات تنفيذه رؤية اقتصادية واسعة خاصة أنه من اللازم أن يكون قد أصبح لدينا قاعدة بيانات تظهر نقاط القوة ونقاط الضعف في العملية التصديرية. وكيف يكون بإمكاننا تطوير هذه العملية بحيث تخدم الاقتصاد المحلي، وتروج بشكل أكبر للمنتج السوري في الأسواق العالمية، وترفع نسبة الصادرات السورية إلى ما كانت عليه قبل الحرب والعقوبات الاقتصادية على سورية.

 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني