سياسات الدعم: واقع وآفاق

سياسات الدعم: واقع وآفاق

الدعم أسلوب اقتصادي تتبعه كل دول العالم تقريباً, ولكن بطرائق مختلفة, وتهدف من خلاله إلى تحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية وتنموية, وعادةً ما يحاول الاقتصاديون خاصة الليبراليون منهم الابتعاد عن فكرة الدعم لأنها تخل بآلية النظام الاقتصادي الطبيعي, وتؤدي إلى تشويه في بنية السعر, وأحياناً تؤدي إلى خلق السوق السوداء.

يتفاوت الدعم من بلدٍ لآخر ومن منتج لأخر, فبعض البلدان تقوم بشراء المنتجات الزراعية بأعلى من أسعارها لحماية المزارعين, وبعض الدول تبيع المنتجات بأسعار أقل من سعر الكلفة لحماية المستهلكين وضمان مستوى معين للمعيشة.

وفي سورية تدعم الحكومة بعض المشتقات النفطية, وهذا برأينا موقف اقتصادي واجتماعي سليم, فسورية بلد منتج للنفط , وبالتالي من الطبيعي والمنطقي أن تكون أسعار المشتقات البترولية أرخص من أسعارها في البلدان التي تستورد النفط بالكامل.

خلال حقبة التسعينات في عصر الطاقة الرخيصة لم يكن الدعم يشكل عبئاً ثقيلاً على الحكومة السورية ولكن حالياً ونتيجة تضافر عوامل أساسية متمثلةبـ:
- ارتفاع أسعار النفط الخام والمشتقات النفطية.
- سيطرة المجموعات الإرهابية على أغلب منابع النفط.
- تدهور سعر صرف الليرة بشكل كبير.
- العقوبات المفروضة على سورية والوضع الاقتصادي المتردي.

كل هذا جعل من الدعم عبئاً ثقيلاً على كاهل الحكومة السورية وأدَّى إلى بروز أسئلة وتساؤلات مشروعة.
لماذا شمولية الدعم لجميع فئات المجتمع دون تحديد؟ أي أن دعم المشتقات النفطية يستفيد منه الأثرياء والفقراء على حد سواء, وهذا يكبِّد الحكومة خسائر إضافية في غير محلها.
هل تحقق سياسات الدعم الهدف المرجو منها بتوجيه إلى الفئات الاجتماعية الأكثر فقراً؟ الجواب بالتأكيد كلا فالدعم خاصة للسلع غير المقننة يذهب إلى فئات المجتمع الأعلى استهلاكاً.

هل تستطيع الحكومة الاستمرار بسياسات الدعم الحالية أو بمعنى أدق هل تستطيع الحكومة النهوض بأية عملية إصلاحية دون تعديل سياسات الدعم الحالية؟
يكاد يكون الحديث عن المساس بالدعم من المحرَّمات خاصة بين فئات المجتمع الفقيرة وهذا قصور ناجم عن الجهل بكيفية توزيع الدعم حالياً وعدم قيام الحكومة بشرح الواقع الحقيقي للدعم حالياً.

يكفي أن نوضح بعض صور الهدر الحالية والسابقة للدعم في سورية:
تدعم الحكومة الخبز حيث يبلغ سعر الربطة التموينية وزن حوالي 1300 غرام 50 ليرة سورية مما يشجع الكثيرين على شراء الخبز التمويني علفاً للحيوانات كونه أوفر بكثير من أي علف آخر.
تدعم الحكومة الطاقة الكهربائية وبالرغم من نظام الشرائح إلا أن كبار المستهلكين هم المستفيدون الأكبر من هذا الدعم.

إن الاداء الاستثنائي في المجال السياسي والأداء الاستثنائي في المجال العسكري يحتاج إلى أ استثنائي وقرارات جريئة في المجال الاقتصادي كي لا نخسر بالاقتصاد ما كسبناه بالسياسة وبطولات الجيش السوري ولكن كيف يكون ذلك؟

يجب أن تقوم الحكومة بالإعلان عن برنامج اقتصادي شامل الهدف منه إعادة توجيه الدعم نحو الفئات الأكثر فقراً وذلك من خلال حزمة من الإجراءات:
بداية وقبل كلِّ شئ ومن أجل نزع الخوف والقلق من المواطنين يجب أن تكون الإجراءات متزامنة بمعنى تحرير سعر مادَّة يقابله في نفس اليوم  الإجراء المقابل بتحسين الدخل وتعويض المواطنين.
تحرير أسعار جميع المواد بشكل تدريجي متزامن مع إجراءات لرفع الرواتب والأجور بشكل مواز ومنح تعويضات نقدية لغير العاملين تعوض عن ارتفاع الأسعار.
فرض رقابة قوية على الأسواق لضمان عدم استغلال التجار للإجراءات ورفع الأسعار بشكل غير منطقي.

اقتصادياً ماذا يعني ذلك؟
تخفيف الأعباء التي تتحملها الحكومة نتيجة الدعم.
ترشيد استهلاك المواطنين خاصة لمادة الخبز التي يقدر الخبراء قيمة الهدر في استهلاكها بحوالي 35% وقيمة الدعم لها بمئات المليارات من الليرات.
اختفاء ظاهرة الأسواق السوداء للمواد المدعومة خاصة المازوت الذي يباع حالياً في السوق السوداء بضعف القيمة.
إعادة توجيها الوفر المحقق نحو دعم الطبقات الفقيرة إما عبر تحسين مستوى المعيشة وإما عبر مشاريع تنموية تحسن الهيكلية الاقتصادية.
أخيراً يكفي أن نذكِّر أنَّه قبل الأزمة كان مواطنو دول الجوار يدخلون الأراضي السوريَّة للاستفادة من الدعم الصحي وشراء المشتقات النفطية من مازوت وبنزين وغاز وغيرها من المواد مدعومة السعر على حساب المواطن السوري كل هذا يدفع لاتخاذ خطوات جريئة قد لاتحظى بالشعبية في الفترة الأولى ولكن عندما يلمس المواطن انعكاساتها لاحقاً ستزول كل المخاوف لديه.
 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني