غياب الشفافية ... وبناء الثقة

غياب الشفافية ... وبناء الثقة

د. لمياء عاصي 

لا يكاد يخلو حديث عن الفساد  ومحاربته من ذكر الشفافية  كمفهوم أساسي  يساهم في بناء الثقة بين المعنيين كخطوة رئيسية في محاربة الفساد  , حيث  لم تعد إتاحة المعلومات  والبيانات والوثائق ونشرها  خيارا بل  مسارا إجباريا وملزما في الكثير من المؤسسات في العالم , مالم تكن المعلومات سرية أو تمس أمن البلد  , وكون  الشفافية من أهم  الأهداف الرئيسية  للحكومة الرشيدة  في الإدارة والاقتصاد , بالإضافة إلى , المساءلة , المسؤولية ,  المساواة ,   فهي ذات  علاقة وثيقة  بالنزاهة  والمصداقية  بين المساهمين والإدارة  التنفيذية  وتعتبر ضرورية لاجتذاب الاستثمارات  , أيضا الثقة بالحكومة مهمة جدا  لجهة تنفيذ القانون  وإدارة أموال  البلد ومواردها , وهل تتم وفقا لمصالح الشعب أم يجري نهبها من قبل أشخاص متنفذين  في السلطة ؟؟؟  كذلك الوعود الحكومية  التي لا تنفذ  والتي تهدف لشراء الوقت فقط ,  كالتصريحات الكثيرة حول تحسين الواقع المعيشي  , يفهمها الناس بأنها  نوع من المماطلة والكذب وتسبب عدم المصداقية , فهي أبضا  تقوض مبدأ  الشفافية بين الجمهور والحكومة . 
  ولعل ما حصل في لبنان في الآونة الأخيرة , وإن كان  سببه الاقتصادي  البحت , أن الدين العام يبلغ 86 مليار دولار ما يعادل 150%  من الناتج المحلي الإجمالي ,  الأمر الذي يجعلها  الدولة الأولى عربيا في نسبة الدين العام , إضافة إلى أن خدمة الدين  (اقساط الفوائد ) عالية جدا على الموازنة العامة للدولة , وهذه الأقساط  ترفع  نسبة العجز المالي حتى تبلغ 11% سنة 2018  هذا يستلزم  المزيد من الاقتراض في ظل تناقص  الاستثمار أو انعدامه مما يجعل حتى الأجيال القادمة مديونة وعليها أن تسدد أقساط الديون ,  مع ذلك يعتبر غياب الثقة  هو العامل الرئيسي  الذي جعل مطالب الناس  وشعارات الاحتجاجات  تتصف بالحدة  واللا منطقية ,  مثل : استقالة كل الطبقة السياسية  و " كلن يعني  كلن " و إعادة الأموال المنهوبة  إلى الدولة  , وهذا يعكس  بشكل رئيسي أمران : الأول : فقدان الثقة بين الغالبية المتعبة من الناس والطبقة السياسية الحاكمة  نتيجةَ  الفجوة الاجتماعية الهائلة بين نمط عيش  الغالبية العظمى  التي تفتقر لتأمين المتطلبات الأساسية من تعليم وصحة واحتياجات يومية  , وأقلية من السياسيين يعيشون حياة البذخ والرفاه ,  الأمر الثاني :  غياب  الشفافية  والعلنية والصراحة  يجعل  جموع الناس جاهزة لأن  تصدق الإشاعات والمبالغات , ويمكن أن يصدر عنهم ردات الفعل الغيرمأمونة العواقب والتي قد تزيد الطين بلة , بل قد  تتحول الاحتجاجات من قبل الجموع الغاضبة  لحرب أهلية  لا تبقي ولا تذر , لأن الأطراف الأخرى جاهزة لاستغلال  حالة الغليان في الشارع  لتطبيق أجندات سياسية خاصة لها . 
في سورية , يعتبر غياب الشفافية وبالتالي انعدام الثقة بالحكومات ليس شيئا جديدا , فكم موضوع  تم الحديث عنه وعقد من أجله الندوات والمؤتمرات وكلف الكثير من المال العام  ,  ثم كانت نتائجه إما عكسية  أو إجراءاته نافصة  : مثلا :  قصة الفوترة في وزارة المالية  " الزام التجار والصناعيين  بالتعامل بفاتورة نظامية  في البيع والشراء " , وبرغم  كل االجهود التي بذلت  والحملات الإعلانية  منذ  ما يقارب العشر سنوات , مازالت  الفوترة لم تطبق  و لم تبصر النور حتى يومنا هذا ,  ببساطة لأنها تساهم بكشف التهرب الضريبي وسائر المخالفات الأخرى  ,  مثال آخر : هل يعرف أحد ماهي أملاك الدولة... ؟؟؟ هل يعرف أحد  كيفية تنظيمها  ولا عوائد تلك الملكيات  ؟؟؟ كل ما يعرفه الناس  أن الدولة لديها ملكيات كثيرة , دون معرفة أي معلومات عنها إدارة واستثمار تلك الملكيات ؟؟؟  نفس الأسئلة , يمكن أن تثار بالحديث عن الأملاك التي تقوم  وزارة الأوقاف بإدارتها  .....  وكيفية استثمارها ,  ... وأوجه صرف عوائدها  ؟؟؟ ..والأمثلة كثيرة .  
تشير الأدلة والدراسات  أن الحكومات التي تتمتع بمزيد من الشفافية  يكون أداؤها أفضل  , وتعمل على تقديم الخدمات العامة بكفاءة  أعلى وجودة  أفضل , كما أن العلنية والوضوح في إجراءات الدولة وقوانينها يجعل الفساد في مؤسساتها وأعمالها أقل ,  وكتجسيد قانوني وضروري  لمفهوم الشفافية يمكن اعتبارعمليات الإفصاح  الملزمة سواء عن طريق نشر البيانات وغيره  في البورصات وأسواق الأوراق المالية والبنوك وشركات التأمين أفضل استخدام لها  في تلك المؤسسات , والاقتراح حتى  تكون الشفافية والمساءلة فاعلة ولها تأثير كبير  , يجب أن تصدر الحكومة لوائح  سوداء بناء على قرارات قضائية ...  تتضمن أسماء المسيئين والمستغلين والمختلسين  والمتهربين ضريبيا أو جمركيا  من القطاعين العام والخاص  , كذلك إظهار أسماء  االمهربين أو  الغشاشين أو  المخالفين للمواصفات ...وكل الأفعال المنافية لمنظومة الأخلاق العامة والقوانين  في البلد  . 
أخيرا , إن الدول الناجحة  قامت على   مفاهيم  أساسية ومنها :  الشفافية  كفلسفة ومنهجية تفكير تقوم على الانفتاح  والمصداقية  والعلنية إضافة إلى  تكريس حق الجموع من المواطنين في الوصول الى البيانات والمعلومات والوثائق والإطلاع عليها , وتبني مشاركة  الناس في إدارة الشؤون العامة  ورسم السياسات وتشريع القوانين ومعرفة مايدور في الأروقة الحكومية , كما تعتبر معرفة الذمة المالية لكبار المسؤولين مسألة أساسية ..., و ضمان حرية  نشر الوثائق والمعلومات  الحقيقية والموثقة بوسائل الإعلام المختلفة  , كل ما سبق  سيؤدي إلى محاربة الفساد  كوسيلة أساسية  وناجحة لتحقيق التنمية الاقتصادية والعيش الكريم   .
 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني