أنا سائح!

أنا سائح!

يوسف أحمد سعد

أثبتت التجارب أنني كمواطن سوري من أكثر مخلوقات الله تقبلاً للتعلم وللتكوين, وربما للترويض. فقد تقبلت فكرة التأميم بشغف وحماسة في منتصف القرن البائد وأنا أطالب الآن بالخصخصة بذات الشغف والحماسة, كذلك قبلت بين خيارين لا ثالث لهما إما القبول بقطاع عام خاسر أو قطاع خاص طفيلي غير تنموي ينمو بين حاجات المواطنين وقصور القطاع العام.

كما تقبلت كل ما يقوله المسؤولون عن الخدمات والاقتصاد, وتقبلت النموذج الاشتراكي بإصرار لم يجاريه إلا إصراي لاحقاً عندما أرادت الحكومة نموذج اقتصاد السوق الاجتماعي.

وتقبلت الدعم شاكراً وأعلن استعدادي لتقبل الغائه – شاكراً أيضاً - متى رأت الحكومة ذلك, وأشَدْتُ بإنجازات عديد المسؤولين عندما أحبَّتهم الحكومة ثم كرهتهم كرهاً شديداً دون هوادة عندما لاحظت أنها كرهتهم.

وربما يقول بعض المواطنين ذوي السلوك الحسن مثلي أننا لا نستحق هذه الحكومة المكتظة بالوزراء الذين يتسابقون بشكل – محموم- لخدمتنا، هذا لأنني مثلهم نسيت أنني مواطن واعتقدت أني سائح, وسبب هذا الاعتقاد لا يعود أبداً إلى جهود صناع الرأي العام ولا للخبراء النفسيين وخبراء علم النفس الاجتماعي, ولكنه يعود لأحد الجنود المجهولين من موظفي وزارة التموين في عقد الثمانينات من القرن الماضي عندما اقترح هذا الموظف وربما المدير وربما الوزير وربما مرافق الوزير إطلاق تسمية جديدة كلياً للخبز وهي " الخبز السياحي" ومنذ ذلك الحين اقتنعت إنني أتناول خبزاً سياحياً دون مناقشة هذا التعبير, وترسيخاً لهذا المصطلح السوري الفريد والخلاق باشرت الحكومة ببناء شبكة من الأفران أسمتها " الأفران السياحيَّة" وخلال فترة قياسية أصبحت سورية هي البلد الوحيد في العالم الذي يمتلك "مخابز سياحية" وتمتلك خبزاً سياحياً, وهكذا أصبحت أنا منذ ذلك التاريخ وحتى الآن أمارس السياحة يومياً وأعيش أجواءها البهيجة ثلاث مرات يومياً على الأقل أو بتعبير أدق أتناول ثلاث جرعات سياحية يومياً بمعدل جرعة كل وجبة طعام, بينما لا أتذكَّر أنني مواطن إلَّا مرَّةً واحدة في الشهر عند استلام الراتب.

ليس هذا فحسب بل إني أقتنع أنني سائح كلما اردت التنقل بين المدن السورية لأنني أتنقَّل بباصات النقل السياحيَّة بشكل تلقائي,
والأهم من ذلك أن الحكومة اخترعت إسماً غير مسبوق لسيارات الركوب الصغيرة فأسمتها "سيارات سياحية" سواء لتلك السيارات الخاصة أو العامة وحتى الحكومية, كما جادت الحكومة بإطلاق لقب "سياحي" على الفنادق والمطاعم.

ولمزيد من التكريم أسمت درجة المواطنين العاديين في مقاعد الطيران المدني بالدرجة" السياحيَّة" تمييزاً عن درجة رجال الأعمال والدرجة الأولى الذين لا يتنعمون بلقب "سياحي."
إذاً .. أنا المواطن السوري أتناول على الدوام خبزاً سياحياً وأتنقل بباصات سياحية وأقتني سيارةً خاصة سياحية وأسافر جواً في الدرجة السياحيَّة وأتناول الطعام في المطاعم السياحيَّة , وهذا مبرر أكثر من كافي أن أغفل أنني مواطن وأعتقد أنني سائح, وأن علي أن اتخلق بآداب السائح وأن لا أتدخل بالشؤون السورية الداخلية ولي فقط أن أعبر عن إعجابي وانبهاري بالخدمات السياحيَّة ومناخات الاستثمار وأن أنقل هذه الصورة الجميلة لأقراني.

أختم القول بأني طلبت من أحد المترجمين العتاة من العربية إلى الانكليزية أن يترجم مصطلح خبز سياحي وسيارة سياحية ففكر قليلاً وضحك كثيراً وطويلاً وأعلن عن أسفه واعتذر!

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر